بقلم: رياض بن وادن لا يمكن أن نقارن مقارنة مباشرة بين رسالة عيسى عليه السلام ورسالة النبي محمد خاتم الرسل دون المرور والبحث في الظروف التي ظهرت فيها كلتا الرسالتين، وبالمختصر المفيد ودون إطالة يمكن القول بأن رسالة نبي الله عيسى عليه السلام أتصفت بصفة السلام والمحبة والحكمة وذلك نتيجة لظهورها في عصر الإمبراطورية الرومانية التي كانت تتصف بقوة الحاكم وبقوة قوانينها وعدلها واحترام المواطن لقوانين الدولة وخوفه من الخروج عليها أو عصيانها ونشر البلبلة والتفرقة، ولهذا لم يكن النبي عيسى عليه السلام في حاجة إلى حماية دعوته والدفاع عنها وعن أتباعه بالقوة وبحمل السلاح. أما الإسلام فقد ظهر في ظروف جد عصيبة في بيئة تتشكل من مجموعات من القبائل لم تتوقف أبدا عن محاربة بعضها البعض وتبادل الهجومات المتكررة والقتل والتنكيل والدفاع عن الشرف والهجاء المثير للمشاعر والملهب للحروب فيما بينها، وعند ظهور رسالة الإسلام ومن أجل الحفاظ عليها تحتم تشكيل قوة تدافع عليه وترد عنه هجمات المشركين وتتقوى عن التحالفات التي كانت تحدث بين القبائل لتركيعه وإزاحته وإعدام كل غريب يعمل على زعزعة فكرها وعدم الخضوع لأصنامها، هذا دون أن ننسى القوى العظمى التي كانت تتحارب فيما بينها في ذلك الزمن. لكن في عصرنا هذا وبعد انتشار رسالة الإسلام في كل ربوع العالم ودخول الناس في دين الله أفواجا أصبح واضحا للعيان بأن أتباعه لم يستطيعوا بعد إظهار الوجه الحقيقي لهذه الرسالة العظيمة من سلم وسلام ورحمة وحب وحرية لكل العالم خاصة منذ عصر الانحطاط عندما جمّد العقل المسلم وما تلاه بعد ذلك من تراجع وتشعب في فهم مقاصد الدين إلى غاية يومنا هذا أين اإزدادت وقويت الشبهات به وإظهاره لكل العالمين بأنه سيف وقتل وإكراه وواجبات منهكة ومهلكة. وما هذه المشاهد الرعب والقتل التي تصلنا ونراها عبر التلفزيونات لدليل قاطع على أن رسالة الإسلام قد أخذت منعرجا خطيرا وهي تصل إلى العالمين، وأصبح الغرب أكثر من أي وقت مضى ينظرون إلينا على أننا أمة تحمل دينا يدعو للقتل وزهق الأنفس..دين غير متسامح يضطهد الأقليات ويعدم الخارجين منه ويحتقر المرأة..دين يحمل فكرا كاثوليكيا توجد به فرق ناجية واحدة وواحدة فقط وكل ما عدا ذلك أو خالفهم يعتبر زنديقا أو كافرا أو ضالا يجب قتله وإراحة العالم منه. و مناسبة عظيمة تحل علينا بعد أيام قليلة -كما مرت علينا كذلك مناسبة مولد نبي الله عيسى عليه السلام- مولد خير خلق الله محمد ابن عبد الله خاتم الرسل والأنبياء وهي فرصة عظيمة لنا نحن المسلمين من أجل إظهار أخلاق هذا الرجل العظيم مع أصحابه وبين أهله..عظمته وحكمته في الحرب والسلم وفي كل شؤون الحياة وهو يبني دولته من أجل التخلق بها وإعادة دراستها دراسة متأنية تليق بقيمة هذا القائد العظيم. لابد من إعادة إبراز الدور العظيم والإنساني الذي جاءت به رسالة محمد كرحمة للعالمين والعمل على إظهارها في صورتها الجميلة والراقية التي تتمتع بها، وذلك من خلال العمل على إعادة النظر والتحقيق في ذلك الكم الهائل من التراث الإسلامي المكتسب وما علق به من شوائب وما أدخل عليه من فيروسات وميكروبات حتى تعمل على تشويهه وإعاقته إعاقة مستديمة.. وقد نجحوا للأسف الشديد في ذلك إلى حد كبير!!. إننا نأمل أن يتقدم لهذا العمل الجبّار كل غيور ومحب لهذه الرسالة العظيمة من فلاسفة وعلماء الدين والمؤرخين وكل العارفين بعلم الأصول والحديث وبعلوم القرآن من أجل دحض بالحجة الدامغة حجج المتعصبين والمتشددين والمكفرين والداعين للقتل وإكراه الناس من أجل إبراز الصورة الحقيقية له، صورة التسامح والمحبة والخير. وهذا العمل ليس بالأمر اليسير، فهو صعب ويتطلب اجتهاد ومواصلة وحوار قوي ومستمر بين المختصين، لكنه ضروري ومطلوب حتى نخرج من هذا التخلف الذي نعيش على الأقل في مستوى فهمنا لديننا.. وقد يتطلب ذلك سنين عديدة بل وحتى عدة قرون لكنه عمل تنويري يعود علينا بالمصلحة نحن المسلمين أولا في المستقبل قبل أي مشروع حضاري أو سياسي نريد أن ننجز، ويعود كذلك بالصلاح لكافة الناس على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأجناسهم من أجل حياة أفضل، شعارها السلم والمحبة والرحمة للجميع..وصلى الله على نبينا محمد خير خلق الله أجمعين.