يبدو أن معاناة السلطات الجزائرية مع النازحين الأفارقة لن تجد طريقا إلى الانفراج في الوقت الراهن، فبعدما هدأت الأمور نسبيا في النيجر وتمّت إعادة ترحيل رعايا هذا البلد الحدودي إلى وطنهم في ظروف إنسانية، ها هي مجازر تنظيم (بوكو حرام) الإرهابي في نيجيريا تدفع آلاف اللاّجئين صوب الحدود الجزائرية بعدما عجزت دول منطقة بحيرة تشاد (الفقيرة) عن استضافتهم، وهو ما يمثّل (قنبلة موقوتة) تتربّص بالجزائر التي تعاني من أزمة اقتصادية جرّاء انهيار أسعار البترول باعتراف الوزير الأول مؤخّرا. أعلن برنامج الغذاء العالمي أن قرابة الألف لاجئ يصلون يوميا من نيجيريا عبر الحدود إلى منطقة بحيرة تشاد هربا من العنف الذي تمارسه (بوكو حرام)، علما بأن التدفّق الهائل للاّجئين من نيجيريا صوب بلدان بحيرة تشاد، من بينها النيجر الحدودية (قنبلة موقوتة) بالنّسبة للجزائر التي ما انفكّت تعيد الآلاف من الرعايا إلى بلدهم تلبية لطلب حكومة النيجر بإعادة رعاياها الذين دخلوا إلى الجزائر بطريقة غير شرعية بعد زوال المخاوف الأمنية في البلاد. وفي السياق، قالت المتحدّثة باسم البرنامج إليزابيث بيرس في مؤتمر صحفي بجنيف أمس إن الوضع في شمال شرق نيجيريا مازال متوتّرا ومتقلّبا للغاية، لافتة إلى أن المنظمة الدولية تبدأ اليوم توزيع مساعدات غذائية على حوالي 7800 لاجئ، بينهم 4103 لاجئين من الوافدين الجدد وذلك لمدّة 10 أيّام. وأضافت المتحدثة أن الأزمة في نيجيريا وبما تخلّفه من توافد للاّجئين الهاربين بحثا عن ملجأ آمن في البلدان المجاورة أثّرت بشدّة على المجتمعات المضيفة ونوّهت بأن تقييما كان قد تمّ إجراؤه قبل الأزمة في عام 2014 أوضح أن منطقة بحيرة تشاد كانت تعاني من انعدام الأمن الغذائي وبما وصل إلى حوالي 32 بالمائة من عدد القاطنين في المنطقة في ذات الوقت الذي كانت فيه معدلات سوء التغذية الحادّ تصل إلى أعلى من معدل 15 بالمائة الذي يمثّل النقطة الحرجة كما تحدّدها منظمة الصحّة العالمية، وذكرت أن عدد اللاّجئين النيجيريين في التشاد حاليا بلغ حوالي 15 ألف لاجئ، منهم قرابة 13 ألف لاجئ وصلوا عقب الموجة الأخيرة من العنف الذي تقوم به جماعة (بوكو حرام) هناك. ورغم أن أن السلطات الجزائرية خصّصت فضاءات لإيواء النازحين من ماليوالنيجر والتكفّل بهم في أحسن الظروف حرصا منها على توفير العيش الكريم لكلّ الأشخاص المتواجدين على ترابها الوطني دون تمييز ومراعاة الطابع الإنساني والأخوي، إلاّ أن مختصّين حذّروا من خطورة استمرار تدفّقهم، خصوصا في ظلّ هربهم من الفضائات المخصّصة لهم وتجمّعهم بشكل عشوائي في المدن الكبرى، وهو ما يهدّد بانتشار ظواهر خطيرة كالدعارة والجريمة المنظمة، فضلا عن التوجّسات الصحّية والاجتماعية. ولعلّ ما يزيد من تعقيد الموقف الجزائري هو الأزمة الاقتصادية التي تعيشها جرّاء انهيار أسعار البترول في الأسواق العالمية وما خلّفه من توجّسات بفعل اعتماد اقتصادنا بشكل شبه كلّي على إيرادات المحروقات، وهو ما جعل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة يأمر حكومة سلال بالتقشّف، تقشّف قد لا يؤتي نفعا في حال استمرار التدفّق غير المدروس للاّجئين الأفارقة على التراب الوطني بكلّ ما يترتّب عنهم من أعباء مالية جرّاء إيوائهم وإطعامهم. للإشارة، يشرع رئيس جمهورية النيجر محامادو إيسوفو ابتداء اليوم في زيارة دولة إلى الجزائر تدوم ثلاثة أيّام على رأس وفد هام بدعوة من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، حسب ما أفاد به السبت بيان لرئاسة الجمهورية. ومن دون شكّ فإن المحادثات ستتركّز حول القضايا الاقليمية ذات الاهتمام المشترك، لا سيّما فيما يخص تسوية الأزمتين في شمال مالي وليبيا ومكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للأوطان في فضاء الساحل الصحراوي دون إغفال قضية اللاّجئين.