جهود أمنية توعوية من أجل سلامة مرورية كشفت مصالح الأمن أن العنصر البشري يتحمّل مسؤولية أكثر من 90 بالمائة من حوادث المرور، ويتحمّل السائقون الجزء الأكبر من مسؤولية مجازر الطرقات، لا سيّما بسبب قيادتهم بسرعة فائقة أو سوء سياقتهم، غير أن السائق ليس المسؤول الوحيد عن الحوادث، حيث أن للراجلين مسؤولية أكيدة في كثير من حوادث السير. حسب ما ذكره الملازم الأوّل جيجة حسين، المختصّ في السلامة المرورية، في تصريح ل (أخبار اليوم) فإنه تمّ تسجيل 167 حادث مرور خلال أسبوع واحد فقط، مؤخّرا نتج عنه 187 جريح و4 قتلى يتدخّل فيه العامل البشري بنسبة 90 41، ويعود سبب هذا الأخير إلى قلّة الوعي، عدم اليقظة والامتناع عن وضع حزام الأمن، وكذا عدم احترام قواعد المرور. السائق ليس المسؤول الوحيد عند وقوع أيّ حادث مرور توجّه أصابع الاتّهام عادة إلى السائق وحده دون النظر إلى العوامل الأخرى التي قد تكون سببا مباشرا فيه مثل الوضعية المزرية للطرقات وعدم وضع الممهّلات في مكانها الصحيح، دون إغفال المسؤولية الأساسية للراجلين الذين كثيرا ما أدّت لا مبالاتهم وتهوّرهم أحيانا إلى (كوارث مرورية). ولا شكّ في أن الراجلين ولا سيّما الأطفال المتمدرسين يتسبّبون في كثير من حوادث المرور لأسباب مختلفة، قد تعود إلى جهلهم بالأخطار الناجمة عن بعض سلوكاتهم أو لا مبالاتهم أو سوء تقدير عواقب ما يقومون به كانشغالهم بسماع الموسيقى ووضع السمّاعات، ممّا يؤدّي إلى عدم الانتباه إلى الطريق وتعمّد ترك ممرّ الراجلين والمجازفة بالعبور من الطريق السريع وعدم احترامهم لإشارات المرور. وبسبب هذه العوامل وأخرى أصبحت (جرائم) حوادث المرور في الجزائر من أخطر الظواهر التي تهدّد المجتمع الجزائري وسلامته، فهي تؤدّي إلى خسائر بشرية ومادية مكلّفة، حيث بلغ عدد ضحايا إرهاب الطرقات أزيد من 37 ألف قتيل منذ سنة 2001، وهو ما يجعل حوادث المرور جريمة يتحمّل مسؤوليتها كلّ شرائح المجتمع بداية من الفئة المثقّفة والواعية إلى المسؤولين والأشخاص المتسبّبين في هذه الظاهرة، سواء من السائقين أو حتى الراجلين. وتعرف حوادث المرور منحى تصاعديا خطيرا تعكسه هذه النتائج المخيفة التي جعلت الجزائر تحتلّ حاليا المرتبة الثالثة عالميا والثانية عربيا من حيث عدد الحوادث المميتة، وترجع أسبابها إلى عدم احترام وجهل الكثير من مستعملي الطريق، لا سيّما الأطفال المتمدرسين لقانون المرور وقواعد السلامة المرورية، وهذا لعدم اهتمامهم بالثقافة المرورية وتعميمها على كلّ شرائح المجتمع فهي تخصّ كلّ فرد في المجتمع، سواء كان سائقا أو راجلا أو راكبا أو مستعملا للطريق بأيّ شكل من الأشكال. فلا تلقى مسؤولية حوادث المرور على عاتق السائق وحده، بل أيضا لا مبالاة الراجلين بإشارات المرور ولاهتراء الطرقات حصّة الأسد في حدوثها. ولا شكّ في أن مشكلة حوادث السيّارات والإصابات الناتجة عنها تستلزم تضافر الكثير من الجهود للتقليل منها، حسب ما ذكره الملازم الأوّل للشرطة جيجة حسين في مقال حول السلامة المرورية نشر في مجلّة (الشرطة) العدد 125، وذلك بالتأهيل وتفعيل مدارس القيادة وتطويرها وإدخال التوعية المرورية في كافّة مناهج المؤسسات التعليمية المختلفة، وأيضا أجهزة الإعلام والأسرة وكافّة القطاعات والمجتمع المدني. برنامج توعوي للارتقاء بالمعارف والمهارات المرورية كما نصح السيّد جيجة بالعمل على تطوير مفهوم التوعية المرورية بواسطة تكوين متواصل من أجل تزويد الفرد بالمعارف والمهارات والاتجاهات التي تنظّم سلوكه المروري، بما يسهم في حماية نفسه والآخرين من الأخطار، ليس من باب الخوف من العقوبات القانونية وإنما من باب اكتساب القدرة على الضبط الذاتي في احترام قانون المرور وآداب الطريق. ومن الجيّد أن تبدأ التربية المرورية من أهمّ حلقة في المجتمع وهي الأسرة لأنها تتحمّل مسؤولية حماية الأبناء من مخاطر الطرقات وإعطائهم الصورة الصحيحة لكيفية العبور والممارسة السليمة لاستخدام وسائل النقل عن طريق البدء بتعليم السلامة المرورية منذ الخطوات الأولى للطفل. وفي سبيل التقليل والوقاية من حوادث المرور ونشر الوعي المبكّر تعمل التربية المرورية في روضات الأطفال على تزويد النشء بالمفاهيم والمبادئ العامّة للمرور بأسلوب ترفيهي ومسلّي من خلال القصص والتمثيليات ومختلف الأنشطة التربوية. وأيضا للمؤسسات التعليمية دور هامّ في الارتقاء بالسلوك المروري لدى المتعلّمين، وهذا بإدخال المفاهيم المرورية في المناهج الدراسية على مختلف المراحل الابتدائية، المتوسطة، الثانوية وحتى الجامعة. وفي هذا الصدد يمكن دمج مفاهيم التربية المرورية في مختلف المواد الدراسية كالتربية الإسلامية أو التربية المدنية أو تقديمها كموضوع متكامل مستقلّ لتكوين قاعدة معرفية مرورية واسعة، فالتربية المرورية نظام متكامل من المعارف والقيم والمهارات التي يمكن اكتسابه وترجمته إلى أنماط من السلوك المروري عند الفرد ليحيا حياة سوية في مجتمعه. جهود أمنية مستمرّة لتوعية الجزائريين لا يمكن إنكار الجهود التي تبذلها مصالح الأمن من أجل نشر الثقافة المرورية وتوعية الجزائريين بضرورة الالتزام بالسلوكات التي تحميهم من الوقوع ضحايا لحوادث المرور، حيث تقوم مديريات الأمن في مختلف ولايات قطر الوطن بزيارات دورية للمدارس وإعطاء التلاميذ والطلبة دروسا في هذا المجال من قِبل عناصر ذات كفاءة بيداغوجية. غير أن هذه الجهود رغم أهمّيتها تبقى غير كافية، حيث تواصل حوادث المرور حصد أرواح كثير من الجزائريين، ذلك أن نشر الثقافة المرورية ليست مهمّة أجهزة الأمن وحدها، بل مسؤولية مختلف أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع من الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام، وكذا فعاليات المجتمع المدني المطالبة كلّ على مستواها بنشر الثقافة المرورية وتوعية الجزائريين بمخاطر بعض السلوكات التي تهدّد سلامة مستعملي الطرقات وتساهم في زيادة حوادث المرور.