الورود والعطور هدية للجزائريات في عيدهن المرأة في القرون الغابرة عرفت الكثير من الظلم والقهر إلى درجة أن اعتبرها أحد الفلاسفة قديما أنها حيوان وجد لخدمة الرجل وتلبية غرائزه، ولكن ومع تطور الفكر الإنساني تغيَرت النظرة شيئا فشيئا بعد أن تمكنت هذه الأخيرة من اثبات وجودها، لذلك تم تخصيص 8 مارس يوما عالميا لها تحتفل به المرأة في كل أقطاب العالم، ولكن من الجزائريين من يرى أن الاحتفال بهذا العيد إهانة لها. عتيقة مغوفل يجهل العديد من الجزائريين القصة الحقيقية لتحديد تاريخ 8 مارس عيدا للمرأة، ففي سنة 1856خرجت آلاف النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك على الظروف اللاإنسانية التي كن يجبرن على العمل تحتها، ورغم أن الشرطة تدخلت بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات إلا أن المسيرة نجحت في دفع السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية، وفي 8 مارس 1908م عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك لكنهن حملن هذه المرة قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها واخترن لحركتهن الاحتجاجية ذلك الشعار (خبز وورود)، لتطالب المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع، وشكلت مظاهرات الخبز والورود بداية تشكل حركة نسوية متحمسة داخل الولاياتالمتحدة خصوصاً بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف رفعن شعارات تطالب بالحقوق السياسية وعلى رأسها الحق في الانتخاب، وبدأ الاحتفال ب8 مارس كيوم المرأة الأمريكية تخليداً لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909، وقد ساهمت النساء الأمريكيات في دفع الدول الأوربية إلى تخصيص 8 من مارس كيوم للمرأة، وقد تبنى اقتراح الوفد الأمريكي بتخصيص يوم واحد في السنة للاحتفال بالمرأة على الصعيد العالمي بعد نجاح التجربة داخل الولاياتالمتحدة، غير أن تخصيص يوم 8 من مارس كعيد عالمي للمرأة لم يتم إلا سنوات طويلة بعد ذلك لأن منظمة الأممالمتحدة لم توافق على تبني تلك المناسبة سوى سنة 1977، عندما أصدرت المنظمة الدولية قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة فقررت غالبية الدول اختيار8 من مارس أن يكون عيدا عالميا للنساء، وتختلف مظاهر الاحتفال به من بلد لأخر. الورود هدية للمرأة في عيدها المتجوَل هذه الأيام في شوارع العاصمة الجزائرية يلاحظ أن الكثير من محلات بيع الورود قد بدأت تعد العدة للاحتفال بعيد المرأة، لذلك قامت (أخبار اليوم) بزيارة بعض هذه المحلات والبداية كانت من محل خاص بالورد والمتواجد بساحة البريد المركزي، عندما دخلنا المحل لاحظنا للوهلة الأولى أنه يعج بالورود البلاستيكية الصينية مختلفة الألوان حتى خيَل لنا أننا في مصنع، ما جعلنا نتقرب من البائع وسؤاله عن سبب غياب الورود الحقيقية وحلول الورود البلاستيكية الصينية محلها فأجابنا عمي رمضان صاحب المحل أن الورود الحقيقية تكون باهضة الثمن في فصل الشتاء فقد تصل إلى 150 دج للوردة الواحدة، لذلك يعزف الكثير من الناس عن شرائها لهذا السبب نعوَضها بالبلاستيكية التي تكون أرخص ثمنا وفي متناول الجميع، ثم سألناه عن مدى إقبال الناس على اقتناء الورود يوم 8مارس المصادف لعيد المرأة، فأجابنا عمي رمضان أنه اقتنى الكثير من الورد خصيصا لهذه المناسبة لأنه يعلم أن الكثير من الرجال سيهدون النساء وردا بالمناسبة، وقد شدد عمي رمضان أن معظم الزبائن يشددون على أن يكون الورد بلاستيكيا فبالنسبة لهم يمكن للمرأة أن تحتفظ به أطول مدة ممكنة عوض الحقيقي الذي يدبل في يومين، هذا دون الحديث عن السعر الذي يكون منخفضا مقارنة بسعر الورد الحقيقي. ...وآخرون يختارون إهداء العطور بعد الشهادة التي سمعناها من عمي رمضان بائع الورود انتابنا الفضول لمعرفة نوع الهدايا التي يقتنيها الجزائريون هدية للنساء في عيدهن، فكانت وجهتنا هذه المرة لمحل بيع العطور بساحة أودان، دخلناه فوجدنا به أنواعا كثيرة من العطور المستوردة ومن أجود الماركات العالمية المصطفة على الرفوف، بالإضافة إلى أنواع من مساحيق التجميل تلك الخاصة بالتجاعيد وأخرى للعناية بالبشرة، وهاته لترطيب اليدين وتلك للقدمين والتي تستقطب اهتمام العديد من الشابات والسيَدات على مختلف أعمارهن، هناك تقربنا من صاحب المحل لسؤاله عن مدى إقبال الجزائريين على اقتناء العطور ومواد التجميل حتى تهدى للنساء في عيدهن العالمي، فأجابنا (كمال) صاحب المحل أن الإقبال على هذه المواد يكون كبيرا في هذا اليوم من السنة لأن الكثير من الرجال يحبون أن يهدوا لنسائهم العطور وعادة ما يقتنون من أحسن الماركات التي تتراوح أثمانها ما بين 3500 دج إلى غاية 6000 دج، ليضيف كمال أن هناك صنفا آخر من الرجال من يفضل أن يهدي لزوجته علبة من مختلف مواد التجميل والكريمات الخاصة بالعناية بالبشرة التي عادة ما يتراوح ثمنها ما بين 5000دج إلى غاية 12 ألف دج، أما عن الإقبال على اختيار هذا النوع من الهدايا فقد أكد لنا صاحب المحل أنه متذبذب من سنة إلى أخرى فأحيانا يكون الإقبال كبيرا في حين في سنوات أخرى يكون الإقبال محتشما. الاحتفال بعيد المرأة بين مؤيد ومعارض بعد أن تجولنا ببعض محلات العاصمة ووقفنا على تحضيرات أصحاب المحلات للاحتفال بهذا اليوم، أردنا معرفة رأي كلا الجنسين للاحتفال بهذا اليوم التاريخي في حياة المرأة في كل ربوع العالم، لذلك تقربت (أخبار اليوم) من عثمان الذي يبلغ من العمر 36 ربيعا متزوج منذ أربع سنوات وأب لبنت تبلغ من العمر سنتين، سألناه عن الهدية التي سيقتنيها لزوجته في عيدها العالمي فأجابنا أنه سيشتري لها قارورة من عطرها المفضل لأنه في السنة الماضية أهداها باقة من الورد، أما عن رأيه في الاحتفال بعيد المرأة فهو يرحب بالفكرة لأن هذا اليوم سيعزز كثيرا مكانة المرأة في المجتمع كما أنه سيبرز مكانتها المرموقة التي كرمها الإسلام بها فبالنسبة إليه لا حرج في الاحتفال بهذا اليوم. أما السيد مروان فقال إنه يعارض الاحتفال ويرى فيه تقليدا غربيا محضا لا علاقة له بالمسلمين فالإسلام كرم المرأة ومنحها حقوقها وحريتها لا تتلخص في الهرج والمرج الذي يطبع أجواء 8 مارس، لذلك فأنا لا أؤمن بالاحتفال ولا أهدي زوجتي هدية خصيصا بالمناسبة فأنا أهديها حبي وعطفي في كل يوم. بعد أن رصدنا رأي الرجال في الاحتفال بهذا اليوم أردنا أن نعرف كيف يفكر الجنس الناعم في هذا العيد، لذلك تقربت (أخبار اليوم) من سلوى التي تبلغ من العمر 28 ربيعا عزباء تعمل كاتبة في إحدى المؤسسات الخاصة والتي اعتبرت الاحتفال بعيد المرأة مرة في السنة وترى أنه إجحاف في حق المرأة بل أن فيه إهانة لكرامتها، فحسبها يجب أن يكون عيدها طوال أيام السنة لأنها أصبحت تهان كثيرا من طرف شقيقها الرجل في المجتمع الجزائري، ففي بيت أبيها تعاني من تسلط الأخ الذي يحاول في العديد من الأحيان الكبح من حريتها بدافع النيف وشرف العائلة، وحين تتزوج فإنها تهان من طرف الرجل ، لتختم سلوى حديثها إلينا على اعتبار أنه يجب على المجتمع الجزائري إعادة الاعتبار للمرأة كما منحها ديننا الإسلامي الذي ضمن حقوق المرأة قبل الاحتفال بالثامن من مارس. الشريعة الإسلامية لا تعترف بعيد المرأة الشيخ أمين ناصري: "لابد من وضع حد لهذه المهزلة" خلق الله سيدنا آدم ومنه خلق أمنا حواء حتى تكون أنيسا له في الدنيا، وقد جعل الله الزوجين الذكر والأنثى حتى في الحيوانات لأنه لا حياة دون امرأة التي تعد النصف الأول للمجتمع ودون رجل الذي يعد نصفه الثاني، ومع تطور الأزمنة أرادت المرأة أن تحاول كيف تثبت وجودها أمام الرجل وفعلا استطاعت أن ترفع التحدي، ليثمر نضالها في الأخير على جعل الثامن مارس عيدا للمرأة، هذا العيد الذي خلق الكثير من الجدل في المجتمع الجزائري بين مؤيد ومعارض له، وحتى نعرف حكم الدين الإسلامي في عيد المرأة ربطت (أخبار اليوم) اتصالا هاتفيا بالشيخ الإمام الأمين ناصري إمام مسجد النصر بالشراقة بالجزائر العاصمة، الذي أوضح لنا بدوره أن الاحتفال بعيد المرأة لا علاقة له بالشريعة الإسلامية لدينا، فالأعياد عند المسلمين عيد الفطر وعيد الأضحى المبارك ومن يحتفل بعيد آخر فسيكون بدعة عند المسلمين، ليردف الإمام أن الاحتفال بعيد المرأة في المجتمع الجزائري يدخل من باب العادة لا أكثر ولا أقل، لأنه ومن الناحية الاجتماعية يعتبر إهانة للمرأة التي يمنح لها نصف يوم في السنة لتخرج فيه حتى تتسكع في الشوارع وفي باقي أيام السنة تترك منسية، لذلك لا بد على الناشطين الحقوقيين التدخل لوضع حد لهذه المهزلة. من جهة أخرى ربطت (أخبار اليوم) اتصالا هاتفيا بالأستاذ طايبي المختص في علم الاجتماع، الذي أكد لنا بدروه أن الاحتفال بعيد المراة له طابع رمزي وليس كميا لأن الاحتفال به يعد رمزا لا أكثر لأنه هناك قيم تجمع بين البشر وعيد المرأة هو من القيم الإنسانية لذلك يرى الدكتور (طايبي) أنه لاضرر ولاضرار في الاحتفال به، أما رفض إحياء هذا اليوم عند بعض الجزائريين فهو ناتج عن الخوف من التأقلم مع المتغيرات البشرية من خلال أن تطغى المرأة على الرجل وتتمرد عليه، ليضيف الأستاذ أن المرأة منذ القدم مقدسة في المجتمع الجزائري، ففي عاداتنا القديمة تعد المرأة الكبيرة في السن مقدسة فهي بركة البيت ويحسب لها ألف حساب، لذلك يرى الدكتور أنه لا حرج في الاحتفال ب8 مارس. عتيقة مغوفل يوم واحد لتذكرها.. ستفرح جميع النسوة اليوم حتى ومن دون قصد كون أن كل ركن وكل نقطة في مجتمعنا ستنطق بالمرأة، ما يجعل البشرى والابتهاج من المشاعر الغالبة على نفوس وقلوب النسوة، بحيث ستقدم الهدايا والزهور في جو مفعم بالفرحة والابتسامات إلى أغلى كائن في الوجود، لكن لا يستغرق ذلك الاهتمام أكثر من 24 ساعة لتنسى المرأة في باقي أيام السنة، تُنسى المظلومة والمعاقة والكادحة والعاجزة والمريضة... والقائمة طويلة، ومن ثمة نصل إلى نتيجة واحدة مفادها أن تقدير واحترام المرأة وحبها لا يختزل في يوم واحد بل وجب أن تخصص لها سائر الأيام كيف لا وهي التي تضم نصف المجتمع، فهي قلبه النابض وعماده مما يوجب الاهتمام بها أكثر وتحقيق انشغالاتها في البيت وفي العمل وحتى بمقاعد الدراسة لاسيما وأنها كائن حيوي يلعب دورا هاما في صلاح المجتمع.