يبدو أنّ توبة التلفزيون الجزائري، عن الرداءة التي كان يبثها ولا يزال، ليل نهار، لم تكن توبة نصوحا، أو لم تكن هناك توبة أصلا كما اعتقد الكثير من "الطيِّبين". التلفزيون أصبح او يكاد أرضا بورا، ولا يصلح للإصلاح، او لا يكون الإصلاح صالحا فيه إلا إذا صلح من يصلحه، وهو ما لم يحدث بعد، فلا إصلاح ولا شيء. فيما تحاول الشعوب والأمم أن تلحق بركب الحضارة في كلّ وقت، فلا تدع مجالا لأن يسبقها غيرها في شيء، فتكون حياتها ركوضا مستمرا نحو الأحسن، وقد لا تلحق بذلك الركب، في ذلك الوقت يحاول عباقرة الإصلاح عندنا تخطي كلّ ذلك بإصلاحات من حين لآخر، تمسّ كلّ القطاعات، وتوّفر، على حسب أطروحات واضعيها، جهود سنين من التعب والعمل المستمر، أي أنه بإمكاننا أن نصلح ما أفسدناه في عقد او عقدين او أكثر، وهو أمر غير معقول. لم اسمع يوميا ببلد متحضر ومحترم قام بحملة إصلاح، مثل تلك التي نقوم بها نحن، أي نام دهرا ثمّ استفاق وأعلن الإصلاح الذي لا يستغرق إلاّ أشهرا، ثم ينام دهرا آخر وهكذا، ويكون شعارُه في كلّ مرّة النهوض بالقطاع من اللاشيء إلى كلّ شيء، أي لا يصلحوا تفصيلا في القطاع، ولكن كلّ القطاع، ثمّ ننام دهرا آخر لانتظار إصلاح آخر، وهذا دواليك. وقد يكون هذا الإصلاح الموسميّ "جادا" وربما يعطي ثماره، او بعض الثمار، لو كانت وراءه نوايا إصلاحية فعلا، ولكن بما أنّ تلك النوايا فاسدة أصلا، فلا يفعل ذلك الإصلاح سوى أن يُفسد، فيصبح الإصلاح بحد ذاته فسادا وليس إصلاحا، ولهذا وجب إصلاحه، وإصلاح جذوره معا. أما أن نطالب مفسدا بأن يصلح ما أفسده، أو أن ننتظر منه أن يصلح فسادا، ودون أن تكون له تلك النية في الإصلاح، فلا يصلح شيئا إلاّ ليفسد آخر، فوجب عندها أن نصلح أنفسنا قبلا. وبما أننا لا نزال نتعامل بسياسة "السماح" لكلّ المفسدين، فنغفر كلّ شيء، فلا يمكن أن نتبيّن التوبة النصوح من غيرها، وعما إذا ما كان سيأتينا صلاح أو فساد، ولهذا فيجب أن لا ننتظر إصلاحا، وان فعلنا، أي إذا انتظرنا، فوجب إصلاحنا، قبل كل شيء. هو ما حدث معنا ومع التلفزيون الجزائري الذي أعلن توبته عن الرداءة منذ أشهر لكنه لم يفعل، أو كما قلنا لم يصلح بنية الإصلاح، لهذا لم يكن الإصلاح صالحا، ولم نشاهد إلاّ محاولات للإصلاح، مثل البرامج التي استبدلت ديكوراتها بديكورات أخرى أسوأ، وحصصها بحصص أكثر رداءة، ولم يُضف شيئا يستحق أن نسميه إصلاحا، ولهذا فإن اليتيمة ستبقى كذلك إلى أن تجد والدها الأصلي، والذي يخاف على مصلحتها ويرعاها، أمّا أن تبقى في يد من يتبناها إلى حين، فستبقى يتيمة الأب والأم معا.