كالسياسي المحنك الذي يضطلع بمهمة إصلاح و تغيير خطيرة؛ فيدرس المداخل و المخارج و الأسباب و المآلات، و يدبج الكلمات و الخطب لإقناع الطرف الآخر، و يلون و يشجع و يحفز، و لا يدع خدعة في جراب الساحر إلا و يستخدمها أجد حالي مع ابنتي و أنا أحاول تحبيبها و إقناعها باللباس الشرعي، الجلباب تحديدا، محاولة أن اتبع وسائل التربية الحديثة التي تحترم شخصية الطفل و قراراته، و تأخذه بالمحاورة و الإقناع و خطوة خطوة في الوقت الذي كان حجابي فيه شخصيا و كثيرات من بنات جيلي طبيعيا سلسا سهلا كشرب الماء عذبا مسلما به بقناعة و حب و إقبال! متعبة هذه ربوا أولادكم لزمان غير زمانكم فقد أخذت مني جهدا و وقتا و أعصابا كأم، و حملتني أحيانا على ما لا أقتنع به تماما في قضية اللباس الشرعي، و لكني كنت أمسك العصا من المنتصف؛ لا أتنازل عن روح القانون و مضمون الحجاب و لكن قد أتخفف قليلا في طريقة تقديمه ما دام الأساس صحيحا. في الوقت الذي لا يأخذ مني ارتداء اللباس الشرعي للخروج وقتا، و لا كثير تفكير؛ فالحجاب شيء مني من كينونتي و كياني؛ يعنيني أن يحترمه الناس الذين يرونه و يحبونه بتصرفاتي، و لكنه يأخذ من ابنتي و كثيرات من بنات جيلها ساعة وكتبديل و تغيير و تلبيق و معاينة في المرآة؛ كأن كل خروج هو خروج في زفة عروس!! انتبهت ابنتي أن حجابي غير ملون، و أرادت صراحة أن يكون حجابها ملونا، انتبهت أن جلبابي بأزرار أحيانا، و أرادت جلبابها بغير أزرار؛ فهل في هذا مشكلة أم أن التجديد مطلوب بحجة أن الزمان غير الزمان؛ و حتى زماننا ليس زمان الحلباب الكحلي و الأسود الفضفاض الذي يسع اثنتين من كبره؟! لا ليست المشكلة في هذه التغييرات الظاهرية، و الأذواق و الاختيارات الشخصية؛ إنها المشكلة في فهم رسالة الحجاب، و لماذا تتحجب المرأة المسلمة؟ هل عندما تقفين ساعات أمام المرآة تتفنين بلفة الحجاب، و قد تضعين بعض المساحيق، و تلبسين ثيابا ضيقة؛ يكون الحجاب قد حقق رسالته و وظيفته التي شرع من أجلها في نفسك و في المجتمع من إيمان و تسليم و صبر و دعوة ظاهرة و متحركة و عمل و إنتاج و تميز و صيانة للمشاعر؟ عندما تبالغين في الانتقاء و المزاوجة ماذا يدور في خلدك؟! أهو الترتيب فقط أم الأناقة و الجمال؟ و ما يحمله ذلك من رسائل خفيه يصبح الحجاب فيها مغريا حتى لأصحاب النفوس الطيبة، و جاذبا بدل أن يكون ساترا! نعم بعض الفتيات يصبحن أكثر جمالا و جاذبية بالحجاب؛ فالموديلات الآن لا تختلف عن الفساتين في شيء، و قد يقول قائل: و ماذا في الفساتين الطويلة و اللباس الطويل الذي يستوفي صفات الحجاب؟ فنرد أن في الأمر عرفا حميدا يصطلح عليه المجتمع؛ فيشكل حالة عامة مقبولة غير ملفته، تذوب في الوسط العام، و كل ما افترق عن ذلك يكون لافتا للنظر، و هذا ما نجده عند الارتحال بين البلدان؛ فحجاب بلاد الشام مثلا غير حجاب الجزيرة العربية في الشكل الخارجي، و قد يشكل ذلك فتنة أو مشكلة في التعامل، و ذلك أمر ملحوظ و ملموس؛ فالحجاب عرف محمود في شكله بعد كونه فريضة ربانية في أصله و تفاصيله. للحجاب فقه يجب أخذه و دراسته؛ لتطبيق الفرض و العبادة في أحسن صورها؛ فالصلاة لا تكتمل و لا تقبل ما لم نعلم كيفية إقامتها التي تسبق الوقوف لأدائها، و تأدية حركاتها، و كذلك الحجاب هناك لوازم فكرية و قلبية لارتدائه؛ فهو ليس خرقة قماش تتشكل بحسب الأزمان و الموضات، و إنما عقيدة و دعوة و أعظم عبادات المرأة المسلمة. هل من الخطأ إذن أن أكون جميلة و مقبولة بالحجاب أم علي أن أهمل في الترتيب حتى أحقق الستر؟! إن منطق طخه أو اكسر مخه لا يرسخ عقيدة، و لا ينشر دينا؛ فالمرأة عمود الرفق، و الحجاب يجب ان يعزز كل أشكال الرفق و السماحة و الجمال؛ و لكن مربط الفرس أكثر عمقا و اختفاء لا يظهر للعين، و لا يعلمه إلا ناظر القلب سبحانه، و هنا تكمن خصوصية الحجاب، و علاقة المرأة المسلمة بربها في هذا الأمر؛ و هذه جوابها لله، و السؤال لك لماذا لونت أو لم تلوني؟ لماذا ضيقت أو وسعت أو خصرت؟ هل تستحضرين نية الحجاب كلما تلبسينه؟! هل يحقق لباسك صفات الحجاب، و يؤدي دوره في المجتمع؟! و في الوقت الذي ننشغل فيه بهذه الأسئلة البسيطة التي يعدها بعضهم حاصل تحصيل؛ بل لا نجد أية مشكلة في ارتداء الحجاب حتى أصبح للكثيرات عادة لا عبادة، ننظر إلى أخريات؛ يكون الحجاب عندهن كالجهاد، رسالة يجب الدفاع عنها كل يوم بشكل مرهق و مدم للقلب، ففي إنجازات تركيا الأخيرة كان يحتفى بوصول المحجبات إلى القصر الرئاسي و الجامعات بعد سنوات من حظره و تجريمه كما يحتفى بالإنجازات السياسية و الاقتصادية. في الوقت الذي تفكر بناتنا بالحجاب، و تؤجل قرارها، و تقدم قدما و تؤخر الأخرى؛ تقتل الطبيبة يسر أبو صالحة في أمريكا من أجل إسلامها و حجابها فيكون من آخر كلامها: الحجاب مجاهدة و مصابرة تذكر النساء أننا لا نعيش فقط لهذه الدنيا، و أرجو الله أن يثيبنا على الصبر على هذا الامتحان اليومي. في الوقت الذي نستسهل تناول الحجاب لارتدائه، و نعتبره أمر بدهيا؛ تخوض بعض المسلمات حربا للدفاع عن حق ارتدائه، و للدفاع عن صورته و سماحته و طهره و الدين الذي يمثله. في الوقت الذي نملك رفاهية الجدل حول اللون و الشكل، و ما أريد، و لا يعجبني؛ تأتي رسالة مبكية من بلاد تدعي الديمقراطية بينما الحرب على الدين و الحجاب فيها على أشدها، و حياة المحجبات فيها نضال متصل: تقول جنى أحمد الأخرس: أشدُّ الحجاب بحزم أكثر وألملم شعث نفسي و أتأهب وأشاهد الأخبار بحثا عن تلك الكلمات المتفجرة: إرهابي مسلم متطرف أشد حجابي اليوم بحزم أكثر وكأنه مرساة نجاتي وأبكي دمعة لكل امرأة مسلمة عليها أن تعتذر لمن أساء للدين باسم الدين للإعلام الذي لم يفرق بين المجرم و الضحية، ولأولئك الذين نظروا إلي اتهاما و شزرا في ذلك اليوم، لأولئك الذين جعلوني أشد حجابي بحزم أكثر: ضياء، يسر و رزان أرجو أنكم تذكروهم في دعائكم؛ فموتهم لم يكن حدثا عرضيا، و إنما هو حصاد عملية ممنهجة لشيطنة المسلمين، و رفع صفة الإنسانية عنهم. كنت أرتدي حجابي كتاج و لكني اليوم أشده بحزم أكثر... في كل مرة تقفين أمام المرآة تذكري هؤلاء، و خذي النعمة بتمامها و حسن أدائها؛ عندها سيضيء الحجاب بك، و سترتقين بالحجاب كهوية و رسالة و نظام حياة؛ فشدي الحجاب بحزم أكثر.