بقلم: عماد ناصف* سوريا ممزقة الدماء فيها أكثر من حليب الأطفال .. صوت الرصاص الذى يسمع في شوارعها فاق صوت مطربها الكبير صباح فخري. عدد المسلحين الأجانب في طرقاتها أكثر من عدد صناديق البريد، نظام ومعارضة يتقاتلون، مسلحون يقاتلون الجميع. وفي العراق بلاد الرافدين والنخيل والحضارة، جثث النساء والأطفال تسد مجرى الفرات، دموع الأرامل حطمت رقماً قياسياً قديماً مسجلاً أيضاً باسم العراقيات منذ حرب الخليج الأولى، أوتار العود العراقي الشهير التي كانت ترقص على ألحانه العصافير، أصبحت مزيجاً من ألحان سنة وشيعة، أكراد وصفويون وزيديون وداعشيون. مدارس البصرة استبدلت تحية العلم في الصباح بصراخ وعويل ونواح، حتى العلم اللون الثالث طغى على الأبيض والأحمر. في لبنان الأرز والجمال والجبال الخضراء، تفتت عيون بيروت وتمزقت أوصالها، وأصبح كل (إنسان) يسير في شوارعها مشتبهاً به، إما حزب الله أو تيار المستقبل، تاهت ضحكاتها بين شمالها وجنوبها. وفي ليبيا العزة والفخر، لا صوت هناك يعلو على صوت الخراب، فجر وداعش وحفتر وكرامة ولا كرامة، انفجارات هنا، وطائرات تقصف هناك، أحلام ماتت وتاريخ حزين وشعب يرى أن عمر المختار لو كان حياً، لمات بينهم كمداً وهماً وغماً وحزناً وألماً كما ماتت ليبيا أو أوشكت. في السودان حسم الأمر الشمال شمال، والجنوب جنوب، والبشير مازال يبحث عن مكان جديد لرقصته القادمة بعصاه، التي يظنها عصى موسى. في الصومال الجوع والنار يتصارعان أيهما يأخذ أرواح الشعب المسكين. في جيبوتي وموريتانيا ما زلوا يتساءلون: من هؤلاء الحمقى الذين ضمونا إلى هذه الأمة التي تأكل نفسها؟ وفي فلسطين حدث ولا حرج، شعب مطارد، وأقصى أسير، ومازال الأطفال يبحثون عن أمهاتهم التي دكتها طائرات الصهاينة في غزة. في تونس الخضراء ثورة الياسمين ماتت من الخوف، وفي المغرب نار تحت الرماد ولكن صوت الأغاني ورائحة الحرية يعطونها مزيداً من الحياة. وجاء الدور على اليمن الذي لم يعد سعيداً ..فالخريطة مازال فيها مساحة خالية من الموت والسواد، ولابد إذن أن يذوق شعبه طعم الموت، ويسمعوا كغيرهم أزيز الطائرات وأصوات القنابل وهي تحصد كل شيء.. ويعزف اللحن البغيض سنة وشيعة. أما في مصر التي خرج منها الحلم العربي في الأمس البعيد شعارات وخطباً وألحاناً، مصر التي سقط فيها آلاف القتلى والجرحى، وأصبحت أصوات التفجيرات فيها تنافس (كركرة) الشيشة التي يهرب إليها الملايين على المقاهي، (تحيا) ولا شبر فيها إلا ويسكنه الموت ..(تحيا) والدماء فيها هي مشاهد (حصرية).. (تحيا) والقتل والخراب والانقسام والتفتت والتراجع يعيش في كل سنتيمتر في أرضها. أمة لم تشهد مثيلاً في هزائمها ولا تشرذمها ولا ظلمها ولا ظلماتها ولا تفتتها ولا الدماء، التي تغطي أراضيها ويهتف باسمها ثلاثاً (تحيا) (تحيا) (تحيا الأمة العربية )..بأمارة إيه ؟..بأمارة إيه ؟!! يا أمة ضحكت على (وكستها) وبالت على (خيبتها) الأمم..