على مقربة من حلول شهر رمضان المبارك بدأت حمّى (الفتاوى الرمضانية) تتصاعد في الجزائر، حيث أن المرتاد للمساجد والمتابع للمواقع الالكترونية لأشهر المشايخ الجزائريين يلاحظ كمّا هائلا من الأسئلة الشرعية المتعلّقة بالشهر الكريم، فيما لم تغب صفة الغرابة وتوجّسات الحرارة وطول فترة الصّيام عن أغلب تساؤلات المواطنين. يتزامن شهر رمضان الفضيل هذه السنة وموسم الحَرّ، ويُنتظر أن يحلّ الشهر الفضيل علينا في حدود 18 جوان الحالي، حسب بعض الحسابات الفلكية، فيما تقدّر ساعات الصّيام ب 14 ساعة، بينما تشير التنبّؤات الموسمية لشهري جوان وجويلية إلى ارتفاع في معدلات الحرارة، هذه المعطيات كان لها وقع كبير على تساؤلات الجزائريين الشرعية، والتي ظهر فيها نوع من التوجّس والخوف رغم ما يقابله من أجر كبير إن شاء اللّه لمن صام (إيمانا واحتسابا)، فيما حضرت كالعادة أسئلة في منتهى الغرابة والشذوذ. أسئلة رمضانية (حيّرت) أئمة المساجد! تلقّى أئمة المساجد عبر الوطن خلال الفترة الأخيرة كمّا هائلا من الأسئلة المتعلّقة بأحكام الصّوم والمفطرات، ويقول في هذا الصدد الشيخ محمد الأمين غزالي، إمام مسجد (التوبة) بالعاصمة: (لقد وردت إليَّ أسئلة كثيرة وتتكرّر كلّ عام في مثل هذا الوقت وهو قرب حلول شهر رمضان المبارك عن حكم التهنئة بقدوم شهر رمضان؟ فأقول مستعينا باللّه إن التهنئة بقدوم شهر رمضان جائزة ولا شيء في ذلك، ولعلّ ذلك من المباحات، وإن كان بعض العلماء قال إنه مسنون، والأدلّة على الجواز كثيرة من السُنّة وأقوال السلف والعلماء قديما وحديثا). ويضيف الشيخ غزالي في تصريح ل (أخبار اليوم) أنه علاوة على الأسئلة الكلاسيكية التي تطرح كلّ سنة مع حلول الشهر الكريم مثل حكم استنشاق رائحة السجائر واستعمال البخّاخة ومداعبة الزّوجة أثناء الصّيام، ظهرت بعض الاستفسارات الجديدة من قِبل المصلّين في شاكلة حكم رؤية صور إباحية على (الفايس بوك) دون قصد خلال نهار رمضان وسؤال آخر يطلب صاحبه إجازة للإفطار خلال أيّام امتحانات الاستدراك في الجامعة بحجّة عدم قدرته على التركيز. سؤال للشيخ فركوس: هل يجوز الإفطار لإنقاذ غريق في البحر؟ من أغرب الأسئلة التي رصدتها (أخبار اليوم) من الموقع الرسمي للشيخ علي فركوس استفسار في حكم صائم في رمضان ظهر له في بعض شواطئ البحر أن أحد الصيّادين يصارع الغرق ووجد في نفسه ضعفا بدنيا عن إنقاذه إذا لم يتناول شيئا ليتقوّى به على إنقاذه، فهل يجوز له أن يبطل صومه من أجل هذا الغرض؟ فكان جواب الشيخ فركوس على النّحو التالي: مَن لا يمكنه تخليص المشرف على الهلاك من الغرق أو نحوه إلاّ بالإفطار وجب عليه الفطر لإنقاذه ويأثم إن لم يفعل ويلزمه القضاء ولا تلزمه الفدية، لأن المنقد للغريق في حكم الغريق ويلحق بالمريض والمسافر في وجوب القضاء دون الفدية لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. ونبّه شيخ التيّار السلفي في الجزائر قائلا إن القادر على إنقاذ غيره لتوفّر أسباب الإنقاذ ووسائله كالقارب والحبل ونحوهما ممّا هي داخلة في إمكانه واستطاعته وامتنع عن استعمالها عمدا فإنه يأثم على تركه ويضمن ديته على الصحيح من قولي العلماء، لأن الترك -على التحقيق- فعل على ما هو مقَرّر في موضعه، ومثّل الشنقيطي رحمه اللّه بفروع كثيرةٍ في المذاهب فقال: (كمَنْ منع مضطرّا فضل طعام أو شراب حتى مات، فعلى أن الترك فعل فإنه يضمن ديته، وعلى أنه ليس بفعل فلا ضمان عليه، وكمن منع خيطا ممّن به جائفة حتى مات ومَن منع جاره فضل مائِه حتى هلك زرعه ومَن منع صاحب جدار خاف سقوطه عمدا عنه حتى سقط ومَن أمسك وثيقة حقّ حتى تلف الحقّ، وأمثال هذا كثيرة جدّا في الفروع، فعلى أن الترك فعل فإنه يضمن في الجميع). سؤال للشيخ شمس الدين: هل تناول (الزلابية) في رمضان حرام؟ من جهته، تلقّى الشيخ شمس الدين الجزائري سؤالا غريبا يبحث صاحبه عن حكم تناول (الزلابية) في شهر رمضان فما كان من الشيخ شمس الدين إلاّ الردّ بالقول إن المباح لا تتوقّف إباحته على الأمر به، بل على عدم النهي عنه وليس في شريعة اللّه ما يدلّ على تحريم (الزلابية) أو غيرها من حلويات رمضان أو العيد. ثمّ إن (الزلابية) المصنوعة عندنا -يقول الشيخ- (حلال مائة في المائة وهي من العادات والتقاليد وهي ثقافة وفنّ ارتبطت برمضان)، ثمّ أردف متهكّما: (اليوم الزلابية حرام وغدا قلب اللّوز بدعة وبعد غد الوسيكي حلال ولحم الخنزير مستحبّ). رأي المختصّين في الظاهرة يؤكّد الشيخ علي عيّة، إمام أستاذ بالمسجد الكبير وشيخ الزاوية العلمية لتحفيظ القرآن وعضو المجلس العلمي، أن التطوّر التكنولوجي وتعقيدات الحياة الحديثة جعلت الكثير من الجزائريين يتوهون وراء الفتاوى العشوائية حول الصّيام المنتشرة عبر وسائل الإعلام وصفحات الأنترنت والصادرة من بعض الأئمة، وقال: (حان للوزير محمد عيسى فتح خطوط هاتفية أو رقم أخضر للردّ على انشغالات المواطن خلال الشهر الكريم). ومن جهته، يرى الأمين العام للتنسيقية الوطنية للأئمة الشيخ جلول حجيمي أن الفتاوى الاجتهادية الحديثة تستدعي برنامجا مكثّفا عبر وسائل الإعلام والمساجد لتجنّب المواطن الوقوع في الخطأ، مع تثمين الجهود المتعلّقة بالعبادة.