اعتبر الأستاذ عبد القادر فضيل، الإطار البارز في وزارة التربية سابقا وعضو اللّجنة الاستشارية بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين حاليا، أن بكالوريا جوان 2015 كانت كارثية، خصوصا بعد الخطأ الفادح الذي ورد في سؤال مادة اللّغة العربية لعدّة شعب حين نُسبت قصيدة الشاعر السوري نزّار قبّاني للشاعر الفلسطيني مجمود درويش، كما رأى في هذا الحوار الخاصّ الذي أجرته معه (أخبار اليوم) أن نورية بن غبريط لا تصلح لأن تكون على رأس وزارة التربية الوطنية، وأن المستوى التعليمي في الجزائر في تدنّي مستمرّ ما لم يتمّ تداركه في أقرب الآجال. حاورته: عتيقة مغوفل * كنت مربّيا وإطارا سابقا في وزارة التربية كيف تفسّرون الانحلال الأخلاقي الذي وصلت إليه الجزائر في السنوات الأخيرة؟ وما هي المسبّبات الحقيقية في رأيكم؟ *** المجتمع هو خليط من الاقتصاد والدين والسياسة، وكذلك هو مظهر من الأخلاق التي تعبّر عن هوية وثقافة المجتمع، وما ساهم في صنع المشكلة الأخلاقية في الجزائر هي العائلة والمدرسة والمسجد ونظام المجتمع وقوانيه، فكلّ هذه المؤسسات هي التي تساهم في الحفاظ على أخلاق المجتمع ككلّ. فالأخلاق معنها السلوك المنسجم مع ذات الإنسان ومحيطه، والإنسان المستقيم هو ذاك الذي يظهر عليه من خلال سلوكه ومعاملاته مع غيره والدين المعاملة، وقد أثنى اللّه عزّ وجلّ على سيّدنا (محمد) صلّى اللّه عليه وسلّم حين قال له: {وإنّك لعلى خُلق عظيم}. فالخُلق هو مدرسة تُبنى على الأخلاق، لأن الشخص الذي يخرج من المدرسة هو إنسان اجتماعي بدوره يجب أن تكون له أخلاق، يعرف كيف يتعامل مع نفسه ومع والديه ومع محيطه ومع الحقائق التي يعيشها يوميا، لأنه يجب أن يكسب فكرة كيفية التعامل مع غيره، وهي مهمّة المدرسة، لكن المدرسة لا تكفي وحدها، لأن أوّل نواة طبيعية للإنسان هي الأسرة، وهي لا تكون بالمواعظ والأوامر، بل بالقدوة، لأن المواعظ هي أوّل ما يكتسبه الإنسان في حياته، فهو يقلّد والديه وأشقّائه الكبار، وإن كانوا لا يتصرّفون جيّدا أمامه فحتما فسيعلّمونه التصرّفات غير اللاّئقة، لذلك نطلب من المعلّمين أيضا أن يكونوا قدوة، فإن تكلّم عن الكذب يجب ألا يكون كاذبا، بل صادقا وهكذا دواليك، وإن تكلّم عن النظافة يجب أن يكون نظيفا في هندامه وفي أوامره وفي كلّ شيء يوحي به لغيره. فالعرب كانوا يقولون قديما لسان الحال أفصح من التعبير، وأن ترى شخصا متخلّقا أفضل من أن ترى شخصا مستقلاّ، لذلك وجب علينا تلقين القِيَّم لأبنائنا عوض أن نعطيهم الأوامر، لأن الولد حين يخرج إلى الخارج لن يجد تلك الأوامر بقدر ما يجد التعاملات والتصرّفات التي يجب أن يتعامل بها مع غيره، وهنا المشكلة، العائلة تعطي أوامر أخلاقية والمعلّم أيضا، في حين عندما يخرج الطفل إلى الشارع يجد تلك الأخلاق غير موجودة. أمّا الكذب فقد أصبح يتداول في بلادنا كما يتداول الخبز، خصوصا بعد ظهور الهاتف النقّال، فأولياء الأمور أصبحوا يكذبون على النّاس من خلال الهاتف على مرأى ومسمع أبنائهم، وهو ما يعلّم الأبناء صفة الكذب، وهذا يعني أن المشكلة الأخلاقية الآن هي مشكلة مجتمعية. * هناك من أصبح يتّهم المسجد بالتقصير في أداء دوره في بناء المجتمع، بل أبعد من ذلك، هناك من قال إن الخطاب المسجدي لا يؤدّي دوره، ما رأيكم؟ *** يجب أن نتساءل أوّلا عن وظيفة المسجد الحقيقة، هل وظيفته الحديث عن كيف كان قارون في زمانه وما كان يعمل؟ هل وظيفته أن يعالج التاريخ أم أنه يعالج المشاكل الحالية القائمة في زماننا؟ الآن أصبح الإمام يقول للنّاس في خطبة العيد إن الأضحية تقسّم إلى ثلاثة أقسام، جزء يُهدى وجزء يُصدّق وجزء يُحتفظ به. أحد الأئمة قال للنّاس نفس الكلام، وعندما انصرف إلى بيته بعد الصلاة رأى ابنه ذبح خروفين واحدا للعائلة والثاني أخذه ليتصدّق به، فسأل الإمام ابنه ماذا تفعل؟ فردّ الابن عليه بأنه سيتصدّق به مثلما سمعه يقول فردّ عليه الوالد: (ذاك الكلام قلته للنّاس وليس لنا)، وهذا يعني أن الإمام اليوم أصبح لا يؤدّي الدور المنوط به. ولا يتوقّف المشكل هذا عند الإمام فقط، بل تعدّاه إلى كبار المسؤولين في الدولة، لذلك تنعدم الثقة في مجتمعنا، وهنا بدأت المشكلة الأخلاقية الحقيقية في المجتمع الجزائري، هذا دون الكلام عن المسؤول الذي يتقاعس في أداء مهامه ولا يستقبل النّاس ويتحجّج بعدم وجوده حتى في أيّام الاستقبال، فالتقاعس في أداء المهام أكبر طامّة في مجتمعنا اليوم للأسف. فكم من مرّة وفي إطار النشاطات التي تقوم بها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين نسافر إلى العديد من ولايات الوطن من أجل بعض النشاطات الثقافية وقد لاحظت في كامل القطر الوطني أن عبارات الترحيب التي تكتب عند مخرج الولاية عبارة (الولاية الفلانية تشكركم عن زيارتكم) فيها خطأ نحوي فادح، فالصحيح أن نقول الولاية (تشكركم على زيارتكم)، وهو ما دفعني إلى تصحيح هذا الخطأ للعديد من المسؤولين المحلّيين في الكثير من الولايات، وكثيرون منهم لم يصحّحوا ذلك وتجاهلوا الموضوع. * طيّب يا شيخ إذا عدنا إلى تخصّصكم وسألناكم عن (بكالوريا جوان 2015) وخطأ امتحان مادة اللّغة العربية وغيره من الأخطاء التي تمّ إحصاؤها هذه السنة، كيف تقيّمون المسألة؟ *** للأسف أصبحت المنظومة التربوية في الجزائر لا تعتني بالامتحانات النّهائية كما يجب ولا توليها الاهتمام الكافي، لأن هذا الامتحان يفكّر فيه الأساتذة والمفتشون العامّون لمدّة ستّة أشهر قبل التاريخ النّهائي، وهناك أشخاص مرموقون من أجل التخطيط له واقتراح المواضيع التي تكون في الامتحان النّهائي ومع ذلك كان الخطأ وهو خطأ فادح ما كان يجب أن يكون، هذا دون الكلام عن تسرّب الأسئلة والحلول عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لذلك أصبحت البكالوريا الجزائرية دون مستوى للأسف. ففي كلّ سنة (تسهّل) الوزارة الأسئلة لتجعلها دون المستوى حتى ترفع نسبة الناجحين فقط، والدليل على ذلك أنه في شهادة التعليم الابتدائي كانت هناك دورة استدراكية حتى أننا كتبنا أنه يمكن التخلّي عن الدورة الاستدراكية لأن التلميذ الرّاسب سيبقى في المدرسة ولن يكون هناك تخوّف من التسرّب لأنه يستطيع أن يعيد السنة، في حين أن الدورة الاستدراكية يجب أن تكون في شهادة البكالوريا لأن الطالب فيها إذا لم ينجح يمكن له أن يتسرّب إلى الشارع، والآن يقال إنه سيتمّ إلغاء امتحان التعليم الابتدائي وهو حلّ سليم للغاية، فالوزير السابق أبو بكر بن بوزيد هو من برمجه، ففي السابق كان الانتقال من هذا الطور إلى طور آخر عن طريق مجلس الأساتذة وتقييمهم لنشاط التلميذ طوال السنة. وقد حاولت بعض الأطراف في سنوات مضت أن تجعل امتحانات شهادة التعليم الابتدائي ولائيا، إلاّ أن السيّد بن بوزيد قرّر أن يكون وطنيا، لذلك أنا أثمّن قرار الوزيرة في أن يتمّ التخلّي عن شهادة التعليم الابتدائي. أمّا عن المواد التي يجب أن يمتحن فيها التلميذ فهي ليست مواد أساسية، فلماذا يمتحن التلميذ في التاريخ والجغرافيا وفي التربية الإسلامية وهي مواد يدرسها منذ السنة الأولى؟ فهو يمتحن في اللّغة الفرنسية التي يدرسها لسنتين فقط، بالإضافة إلى هذا لماذا لا يكون في امتحان اللّغة العربية الإملاء وهي أساسية حتى ينمّي التلميذ قدراته في التعبير والنّحو أيضا؟ وإن غابت الإملاء يمكن تعويضها بتشكيل النصّ. المشكل الأساسي في التعليم في الجزائر هو المنهج نفسه، فهو ليس على بناء صحيح، فهو إمّا فوق المستوى بكثير أو أنه دون المستوى. فمثلا تلميذ في الابتدائي نعلّمه التاريخ القديم وهو ما يزال في سنّ اللّعب وهذا غير معقول، بالإضافة إلى هذا كيف نعلّم التلميذ اللّغات الأجنبية وهو لم يتمكّن من اللّغة العربية بعد؟ وهو ما يؤدّي إلى خلط العديد من المفاهيم عنده. وهناك ما هو أسوأ من هذا، ففي السنة الأولى ابتدائي لديهم ثلاثة كتب وهم لا يحتاجونها أصلا، التربية التكنولوجيا، التربية المدنية والتربية الإسلامية، هذه ثلاث مواد لا أدري لماذا وجدت في برنامج تلميذ في السنة الأولى، والتلميذ لا يعرف الحروف حتى نعطيه كتبا مثلا هذه، فمن المفترض أن التلميذ في السنة الأولى يكون له كتاب في اللّغة وكتاب في التربية الإسلامية، أمّا الأمور الأخرى فمن الأفضل أن يتلقّاها شفويا، أمّا امتحانات شهادة التعليم المتوسّط أيضا فأجدها دون المستوى لأن مواضيعها تنحصر فقط في دروس السنة النّهائية ولا تنحصر في دروس السنوات الأربع. * ما هو تقييمكم لأداء وزيرة التربية نورية بن غبريط بعد سنة من تنصيبها؟ *** أنا أجد أن وزيرة التربية بعيدة تماما عن أن تكون على رأس الوزارة، تصوّروا أنها وزيرة دون صلاحيات ودون إمكانات، وهي لا تستطيع أن تحدث تغييرا جذريا في وزارتها، أمّا الإمكانات أن لها علما وفكرا يجب أن تطوّره حتى تستطيع التغيير، فمن الخطأ أن نحاسبها ونطلب منها تحسين الوضع دون أن ترجع إلى الحكومة، كما أن مستواها منخفض جدّا حتى تكون على رأس وزارة التربية، فهي مفرنسة أكثر من اللاّزم، وهو أمر غير مقبول تماما أن يكون هناك وزيرة التربية لا تتقن اللّغة العربية، فهي لا قدرة لها على التفكير العلمي الصحيح، ومن الخطأ تنصيبها على رأس قطاع حسّاس مثل هذا. كما أن وزيرة الثقافة السابقة كان يحقّ لها المنصب الذي كانت تحتلّه لا من حيث الهبة ولا من حيث تكوينها العلمي، ونحن لسنا هنا لنقارن. * حاولت وزيرة التربية أن تبرّر الأخطاء التي وقعت في امتحانات شهادة البكالوريا بالقول إن هناك أشخاصا يكيدون لها حتى يسقطوها من مكانها، فما رأيكم في حججها؟ *** هذا صحيح، هناك أشخاص يحاولون إسقاط السيّدة بن غبريط من مكانها، ومع ذلك فهي مخطئة، فهي لا تفكّر في البحث عن حلول حقيقة وجذرية في القطاع لأنها لا تستعين بأناس حقيقيين يعينونها على إصلاح المنظومة التربوية، فهي تمنع كبار الأساتذة والمختصّين من إقامة محاضرات لأنها تخاف أن تنتقد في المنهاج الذي تعمل وفقه وهو أمر لا يروق لها، لذلك هي لا تسمح لكبار المختصّين في ميدان التربية والتعليم بأن يقتربوا من قطاعها، لكن ومع ذلك أعود وأرجع إلى ضرورة إحداث دورة ثانية في شهادة البكالوريا من أجل تدارك جميع الأخطاء التي يمكن لها أن تكون في الدورة الأولى، وبالتالي تسهيل على الطالب النّجاح، كما أن الأسئلة التي تطرح في البكالوريا هي أسئلة سطحية لا يمكن لها أن تعالج مضمون كلّ ما أخذه الطالب في السنوات الثلاث في الجامعة، وحتى تحسّن المنظومة التربوية يجب تحسين تكوين الأستاذ في الجامعة، لذلك وقعت وزارة التربية في خطأين كبيرين، الأوّل تخلّيها عن تكوين الأساتذة بطرقة صحيحة وقد تمّ إلغاء 60 معهدا كان في السابق لتكوين الأساتذة وتمّ الاعتماد فقط على الأستاذ المتخرّج من الجامعة، بالإضافة إلى هذا المدرسة العليا لتكوين الأساتذة الواقع مقرّها ببوزريعة الأخطاء فيها حدّث ولا حرج. فأستاذ التعليم الابتدائي يخدع بتكوين لثلاث سنوات وأستاذ التعليم الابتدائي يكون لأربع سنوات، أمّا أستاذ التعليم الثانوي فيكون لخمس سنوات، في حين من المفترض أن أستاذ التعليم الابتدائي يجب أن يكون لمدّة خمس سنوات لأنه هو أستاذ القاعدة فهو من يدرّس التلميذ العديد من المواد في المدرسة الابتدائية، بالإضافة على هذا يجب الاشتراط على الأستاذ الذي يلتحق بهذه المدرسة أن يكون له معدل 14 من عشرين عوض أن يكون له معدل 12. * سؤال أخير.. ما هو تقييمكم لقطاع التربية الوطنية في الظروف الرّاهنة؟ *** قطاع التربية في تدنّي مستمرّ وسيستمرّ هذا التدنّي لو لم يتمّ تداركه في أقرب الآجال، وإن أردنا فعلا تداركه وجب أن تكون هناك هيئة عُليا للتعليم هي التي تخطّط لهذا القطاع الحسّاس، ويجب أن تكون هذه الهيئة فوق الوزارة وهي التي تخطّط كيف تسير الوزارة. ثانيا: المسؤولون عن وضع البرامج يجب ألا يكون أيّ شخص كان، يجب أن يكون هناك اختصاصيون في مختلف البرامج، كأن يكون هناك العالم والرياضي ومختصّ في علم النّفس وغيرهم، فهم يقرّرون وضع البرامج الخاصّة بكلّ مادة تقترب من تخصّصهم حتى تكون هذه الأخيرة مبنية على أسس منهجية صحيحة من شأنها أن ترفع من مستوى التعليم في الجزائر.