بقلم: إسماعيل بوزيدة هل محكوم علينا هكذا كعالم ثالث وكأمة عربية أن نبقى متخلفين؟ وهل سنبقى دائما نلوك تلك التبريرات الواهية عن أسباب تخلفنا؟ فتارة نرجع ذلك للاستعمار وندعي أنه السبب المباشر والمؤكد الذي أغرقنا في التخلف إلى يومنا هذا وتارة نحصر تخلفنا في ضعف المجال الاقتصادي ونعتقد أن التنمية هي سبيلنا للانعتاق من هذا المشكل وبين هذا التبرير وذاك تطالعنا الأمم المتقدمة كل يوم بإنجازاتها واكتشافاتها وسمو علومها وتفكيرها ورقيها في أساليب الحياة في حين مازلنا نعاني من مشاكل تجاوزها الزمن منذ عقود بل منذ قرون. لابد أولا وقبل الخوض في هذا النقاش أن نفهم جيدا معنى التخلف ومفهومه وكيف يمكننا اعتبار كيان ما أو دولة ما أو شعب ما ضمن هذا النطاق فالتخلف حسب تعريفه ظاهرة كلية وشمولية يتلخص في عدم قدرة الإنسان على استغلال الإمكانيات المتوفرة حوله وتطويرها فهو مرادف للفشل والتراجع والجمود والرداءة ونقص المعرفة والذكاء وعدم التطور في كل الجوانب بما يعود سلبا على كل النواحي الإنتاجية في المجتمعات البشرية من الاقتصاد إلى السياسة إلى العلم والتفكير والتقنية وغيرها ومن الخطأ أن نعتبر أن التخلف اقتصادي فقط أو تقني وتكنولوجي بل هو شامل ومتعدد ويمس كل مناحي الحياة والتخلف بمعنى آخر هو غياب البيئة العلمية التي تسمح بالمواكبة والازدهار والإنتاج وأوروبا عندما قامت بنهضتها في القرن الخامس عشر كانت انطلاقتها ببناء أرضية شاملة مبنية على العلم ونجحت في إيجاد البيئة العلمية وترسيخها وتثبيتها وتعميمها بعدها وبمرور الوقت بدأت تحصد ثمار هذا العمل وفي كل المجالات فكانت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر وكان التمهيد لها عبر أربعة قرون من الترسيخ المعرفي لإيجاد البيئة العلمية التي كانت قاعدة لكل الإنجازات ثم تلا كل ذلك الثورة التكنولوجية التي يشهدها قرننا الحالي وإذا أمعنا جيدا في دراسة التجربة الغربية أو التجربة اليابانية أو الصينية الحالية فسنستخلص الكثير من الدروس والعبر ولابد أن نراجع أنفسنا كعالم ثالث عموما وكعالم عربي خصوصا ونعالج أخطاءنا التي ارتكبناها منذ سنوات طويلة نحن الذين كنا نعتقد في خمسينيات القرن الماضي أنه يكفينا نيل استقلالنا السياسي والشروع في التنمية للحاق بالركب وكان البعض يظن أن الاشتراكية أو غيرها من الأنظمة والإيديولوجيات أو حتى مجرد برنامج اقتصادي وزراعي قوي يستطيع نقلنا إلى عداد العالم المتقدم وهاهي قد مرت السنوات وباءت كل محاولاتنا بالفشل ولم نجن غير الخيبات والانكسار صحيح أن كثيرا من الدول حاليا رغم أنها من الدول المتخلفة ولكنها تعيش في رفاهية وترف باعتمادها على مداخيل من موارد معينة كالنفط مثلا لكن في الحقيقة الأمر لا يعدو سوى أن يكون تغطية للشمس بالغربال ولابد أن الأمر وقتي ولحظي وسرعان ما ستتحرك الأرض ولن يصمد إلا البناء الصلب المتين وقد بدأ يتضح جليا ومع مرور السنوات أن تخلفنا مزمن ولا علاج له ولا شفاء منه فنحن لا زلنا وسنبقى عاجزين ولسنوات طويلة من إنتاج أبسط الأشياء كقطعة دواء أو صناعة طائرة أو سفينة أو تكنولوجيا متطورة أو غيرها لأننا أصلا عاجزون عن امتلاك الفكرة والتقنية المؤدية إلى ذلك وهذا كمثال بسيط فنحن لم نمتلك القاعدة العلمية والقاعدة المعرفية لكي نقوم بمثل هذه الأشياء ومخطئون من يظنون أننا نستطيع مجاراة العالم المتطور إذا استوردنا التكنولوجيا وكل ما هو متطور إلى بلداننا ومن هنا نكون ارتقينا لأننا في هذه الحالة لسنا منتجين بل مستهلكين وسنظل نراوح مكاننا إذا لم نسارع إلى التغيير والبناء المجتمعي العلمي. نحن لا ننكر الجهود التي بذلت وتبذل منذ سنوات طويلة من الكثير من الدول التي تسعى جاهدة للتخلص من التخلف واللحاق بركب الأمم المتطورة ولكن باءت كثير من المحاولات بل جلها بالفشل أما أن نعلق تأخرنا على شماعة الاستعمار فهذا غير منطقي وما حدث خلال سنوات الاستقلال خير دليل فالتخلف كما وصفه المفكر مالك بن نبي هو تلك القابلية للاستعمار التي وقعنا فيها في فترات كثيرة من تاريخنا ورغم أن هناك شعوبا استطاعت الإقلاع من هذا المستنقع ونجحت في الانفلات بخطوات ثابتة من دوامة التخلف ولكن الغالبية العظمى من دول العالم الثالث مازالت تراوح مكانها رغم مرور سنوات من نيلها لاستقلالها وخلاصة القول أن الخروج من دائرة التخلف صعب جدا ولا يكون بين عشية وضحاها وربما نحتاج إلى أجيال وأجيال وجهود جبارة ومتفانية وتغيرات عميقة في العقليات والتفكير حتى ننجح في الرقي إلى مصاف الأمم المتقدمة والمزدهرة فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.