الشيخ: قسول جلول لقد لعبت التويزة دورا رائعا في أوساط أمتنا وهي ميزة اجتماعية تهدف إلى تخفيف الأعباء على الشخص الواحد وتشجعه على الاندماج فهو مع الجماعة أقوى تعد التويزة من المظاهر الاجتماعية المستحبة التي ترسخت في المجتمع االجزائري وبقيت كممارسة اجتماعية تضامنية تعاونية تكافلية رغم التطورات السوسيولوجية الحاصلة لتبقى بذلك موروثا ثقافيا يثبت روح التآزر والتآلف بين أفراد المجتمع الواحد. والتويزة علامة من علامات التضامن الاجتماعي المتوارث عبر الأجيال حيث يتخذ منها الجزائريون على غرار العديد من بلدان العالم وسيلة للقيام بأشغال تعود بالنفع على الفرد والمجتمع وتبرز التويزة كظاهرة تحمل دلالات اجتماعية عميقة من بداية كل موسم حرث أو حصاد أو درس وحتى عند جمع المحاصيل وجني الثمار وكل عمل يحتاج إلى الجهد الجماعي وكذلك في التحضير لمختلف المناسبات والأشغال والمبادرات المحلية التي تتطلب التعاون والتضامن كحملات النظافة والتطهير والتشجير.. ولكن للأسف بدأت تتراجع تدريجا في هذا الزمان الذي طغت فيه المادة والفردية على الأخلاق عند كثير من الناس ولتفعيل هذه السنة الحميدة في المجتمع نعود إلى مدلول الكلمة في المنظور الديني وثوابها عند الله. التويزة.. فطرة التعاون بين الناس أمر ضروري لا يمكن الاستغناء عنه وهي فطرة وجبلة جبل الله عليها الخلق صغارهم وكبارهم ذكورهم وإناثهم أغنياؤهم وفقراؤهم فلا يمكن الاستغناء عن الآخر أو يواجه متاعب الدنيا بنفسه وقد جاءت النصوص في كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم تحدث على تعاون الخير وأنواع البر قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) فيأمر الله عباده بالتعاون على البر على أنواع الخيرات والأعمال الصالحة وينهاهم عن المنكرات بالتعاون على التقوى وينهاهم عن التعاون على الآثم والمحارم وانتهاكها ويقول الله جلَّ وعلا: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فهذه الولاية بين المؤمنين تقتضي التناصر والتعاون على كل خير وعمل صالح قال تعالى: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) فبعضهم يوصي بعضاً بالحق ويعينه عليه بأقواله وأفعاله يتواصون بالحق فيما بينهم دعاة إلى الخير والأعمال الصالحة ويقول صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ). قال ابن بطال رحمه الله: كل تعاون بين المسلمين فيما يصلح دينهم ودنياهم أمر مستحب مرغب فيه لدلالة هذا الحديث عليه ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كمَثَلُ الْجَسَدِ الواحد إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالْحُمَّى والسَّهَرِ) والتعاون بين المسلمين سمة من سمات المجتمع المسلم والمسلمون مضطرون إلى التعاون بينهم فكل فرد مسؤول عن التعاون على قدر مسؤوليته ومكانته فالعالم بعلمه والغني بماله وذو الإعلام بقلمه وكتابته والشجاع بشجاعته والخبير بخبرته وذوي الفكر برأيه وفكره الصائب والتعاون بين المسلمين له صور شتى وأمور متعددة فمن التعاون: التعاون في إعلان شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنَّ التعاون على هذه الشعيرة العظيمة من أخلاق الأمة: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ) إذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقضي على المنكرات ومساوئ الأخلاق والأعمال والله جل وعلا قد جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلق هذه الأمة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) والمؤمن بقدر إمكانه لا يرضى بالمنكرات ولا يقرها يهيئها بيده إن يكن ذا سلطة وقوة أو بلسانه ببيان الحق والتحذير من الباطل أو بقلبه ليعلم الله بغضه وكراهيته لهذه المنكرات ومن أنواع التعاون على البر: التعاون في قضاء حاجات المسلمين مثل مايعرف بالتويزة كظاهرة تحمل دلالات اجتماعية عميقة وكل عمل يحتاج إلى عمل يحتاج إلى الجهد الجماعي. تفريج للكرب ومن التعاون أيضا: تنفيس حاجات المسلمين يقول صلى الله عليه وسلم: (عَلَى كُلِّ مُسْلِم صَدَقَةٌ) قال: أرأيت إن لم أجد قال: (تعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ) ومن التعاون تفريج كرب المكروبين يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمِن كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فرج اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ومن التعاون أيضا: الشفاعة للمحتاجين وإبلاغ حاجاتهم لمن يقضيها يقول صلى الله عليه وسلم: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ) ومن التعاون على البر والتقوى: نصر المظلوم يقول صلى الله عليه وسلم: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قال: (تردعه عنَ الظُّلْمِ كذَلِكَ نَصْرُك إياه) فأنت مع أخيك المسلم إن رأيته ظالما ردعته عن الظلم وحذرته من عقوباته ونتائجه السيئة وإن رأيته مظلوما وقفت تعينه على رفع مظلمته على قدر استطاعتك بالطرق القانونية ومن أنواع التعاون: التعاون على الإصلاح بين الناس وتقريب وجهات النظر وحل المشاكل بالطرق السلمية يقول الله جلَّ وعلا: (لا خَيْرَ فِي كَثِير مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَة أَوْ مَعْرُوف أَوْ إِصْلاح بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) ويقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ) قَالُوا بَلَى. قَالَ: (إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فإن فَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِىَ الْحَالِقَةُ تَحْلِقُ الدِّينَ ولاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ) فالإصلاح والسعي في ذلك من الأمور المحببة التي رغب الشارع فيها. ومن أنواع التعاون: تعاون الأبناء والأسرة الواحدة فيما بينهم على الخير ودفع السوء والقضاء على أسباب الفرقة والاختلاف تعاون الرحم فيما بينهم في تأكيد صلة الرحم والبعد عن قطيعتها تعاون القبيلة والعشيرة في رفع الظلم والعدوان بعيدا على العصبية الجاهلية بل ينطلق من منطلق الإيمان والعمل الصالح والتعاون. ومن أنواع التعاون: تعاون الشركاء الاقتصاديين فيما بينهم والفلاحون فيما بينهم والعلماء والمعلمون فيما بينهم ليحقق أمنها الثقافي والفكري واجتماعي واقتصادي والتعاون علي اجتماع الكلمة. ومن أنواع التعاون: التعاون على نظافة الطرق وسلامتها من الآفات والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعَلاهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) وقال: (وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ومن التعاون المطلوب: تعاون الجامعات ورجال العلم والفكر في حل المشاكل المعاصرة حلًا سليما يهدف إلى توجيه الناس إلى الفضائل والمثل والمبادئ.