بعد أزيد من أربع سنوات في السجن *** اعتصم المئات من شباب قوى (14 مارس) والحزب التقدّمي الاشتراكي والأحرار يوم الجمعة بالقرب من منزل الوزير السابق ميشال سماحة في منطقة الأشرفية وسط شعارات تنادي (إرهاب بسمنة وإرهاب بزيت) في دلالة واضحة على رفض هؤلاء الشباب للحكم الخاص بإطلاق سراح سماحة. ليس هذا فحسب بل قام بعض الشباب في مدينتي بيروتوطرابلس بقطع عدد من الطرقات وبدأ عدد من السجناء في سجن رومية المركزي إضرابا عن الماء والطعام وحتى الدواء اعتراضا على قرار إخلاء سبيل سماحة. كما قام عدد من سيدات أهالي الموقوفين الإسلاميين بقطع الطريق أمام سراي مدينة طرابلس للمطالبة ب (محاكمة أبنائهن الذين مرّ على توقيفهم عشرات السنوات من دون محاكمة وهم لم يرتكبوا جرما مقارنة بجرم سماحة). * ما هي القصّة؟ كانت محكمة التمييز العسكرية في لبنان قد قرّرت بالإجماع إخلاء سبيل الوزير السابق ميشال سماحة بكفالة مالية 150 مليون ليرة أي (حوالي 100 ألف دولار أمريكي) بعد أن اعتبرت المحكمة أن المتهم قضى فترة محكوميته السابقة. القرار شمل إلزام سماحة بالحضور في الجلسات المقبلة لمحاكمته بالإضافة إلى منعه من السفر لمدّة عام وعدم الإدلاء بأيّ تصريحات إعلامية حتى ولو كانت على وسائل التواصل الاجتماعي. قرار الإخلاء تضمن أيضا عدم قيام وكلاء الدفاع بالإدلاء بأي تصريحات أو إعطاء أي معلومات حتى انتهاء المحاكمة وصدور الحكم. وقد قام محامو سماحة على الفور بدفع الكفالة لموكّلهم الذي أصبح حرّا في ذات اليوم. وجاء الإفراج عن سماحة قبل أسبوع واحد من جلسة استجوابه المقرر لها يوم الخميس القادم في قضية نقل المتفجرات من سوريا والتخطيط لاستهداف شخصيات سياسية ودينية بالتعاون مع اللّواء السوري علي المملوك ومدير مكتبه. وكان سماحة قد نفذ عقوبة السجن التي أصدرتها المحكمة العسكرية الدائمة في حقّه والمتمثّلة في السجن لمدة 4 أعوام ونصف. محاكمة سماحة أمام محكمة التمييز العسكرية تأتي بناء على نقض تقدم به مفوض الحكومة ضد الوزير السابق طالبا نقض حكم المحكمة العسكرية الدائمة وإعادة المحاكمة وإصدار أقصى العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات طبقاً لأحكام المادة 257 عقوبات وبألا يتم منحه أيّ أسباب تخفيفية. ويذكر أن قرار إخلاء السبيل هو قرار غير قابل للطعن بأيّ شكل من الأشكال ليحضر سماحة بقية جلسات إعادة محاكمته كمتهم غير موقوف حتى صدور الحكم النهائي. * من هو سماحة؟ ميشال فؤاد سماحة هو سياسي لبناني انضمّ عام 1964 إلى حزب الكتائب وأصبح مسؤولا عن القطاع الطلاّبي داخله وكان أثناء الحرب الأهلية من بين المكلفين بالاتصالات بين الحزب وبين سوريا. في عام 1985 ترك سماحة حزب الكتائب بعد عام من تأييده لانتفاضة سمير جعجع وإيلي حبيقة ليصبح بعدها من المقرّبين للأخير في عام 1992 تمّ تعيينه وزيرا للإعلام والسياحة في حكومة رشيد الصلح ثم تم تعيينه وزيرا للإعلام في حكومة رفيق الحريري الأولى وفي نفس عام 1992 تمّ انتخابه في أول انتخابات برلمانية لبنانية بعد اتفاق الطائف نائبا بالبرلمان لكنه انهزم لاحقا في عامي 1996 و2000 أمام عضو الأمانة العامة لقوى 14 مارس السابق أنطوان حداد وفي عام 2003 تمّ تعيينه مرّة أخرى كوزير للإعلام حتى عام 2004 فقط وفي جوان 2007 أعلنت الحكومة الأمريكية قرارها بمنع دخول سماحة لأراضيها بصحبة عدّة شخصيات سورية ولبنانية بحجّة (التورّط أو إمكانية التورّط في زعزعة الحكومة اللبنانية ورعاية الإرهاب أو العمل على إعادة ترسيخ السيطرة السورية على لبنان وهو ما يلحق الضرر بمصالح الولايات المتّحدة). وفي ديسمبر 2012 أدرجت الولايات المتّحدة ميشال سماحة على لائحة الإرهاب ممّا يعني منع المواطنين الأمريكيين كأفراد أو مؤسّسات من عقد أيّ صفقات معه بالإضافة إلى تجميد أمواله. * القبض عليه في يوم 9 أوت 2012 تمّ إلقاء القبض على سماحة لتورّطه في نقل متفجّرات إلى لبنان بمساعدة رئيس الأمن السوري علي مملوك بغرض زعزعة أمن البلاد كما تمّ توجيه تهم أخرى له منها التحريض على الفتنة الطائفية في لبنان. وفي شهر ديسمبر 2012 ادّعى الصحفي الشيعي المؤيّد لقوى 14 مارس عقاب صقر وهو من الشيعة القلائل الذين يؤيّدون قوى 14 مارس وليس قوى 8 مارس الموجود به حزب اللّه اللّبناني والقوى المؤيدة للنظام السوري الحالي أن جميل السيّد وهو أحد أبرز المقرّبين من ميشال سماحة كان موجودا في سيّارة برفقة سماحة وشخص ثالث أثناء نقل المتفجّرات من سوريا إلى لبنان بهدف تنفيذ عمليات إرهابية. ويملك سماحة علاقات قوية مع مختلف المساعدين السياسيين في النظام السوري والمخابرات السورية بما في ذلك مستشارة الرئيس الأسد بثينة شعبان. وكان سماحة قد اعترف يوم 10 أوت 2012 بفرع المعلومات التابع للأمن الداخلي اللبناني أن الرئيس السوري بشّار الأسد كان يريد إحداث تفجيرات في لبنان. وقال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في سبتمبر 2012: سماحة اعترف بتورّطه في التخطيط لهجمات إرهابية في لبنان) وطبقا لبعض محاضر الاستجواب التي تسربت فقد ذكر سماحة أن المتفجّرات كانت ستستهدف القادة اللبنانيين المسيحيين بهدف زيادة التوترات الطائفية في البلاد. ويذكر أن فرع الاستخبارات التابع للأمن الداخلي اللّبناني برئاسة وسيم الحسن الذي تمّ اغتياله يوم 19 أكتوبر 2012 لعب دورا محوريا في إلقاء القبض على ميشال سماحة وقد ادعى السياسي اللّبناني البارز سمير جعجع أن الحسن قد تمّ اغتياله بسبب تورّطه في عملية القبض على سماحة. * ردّ سماحة لم يتضمّن حكم المحكمة أيّ مساسا بحرمان سماحة من حقوقه المدنية وبعد أن أنجز فريقه القانوني إجراءات الإفراج عنه تم نقل سماحة من سجن الريحانية إلى منزله في الأشرفية حيث كانت بانتظاره وسائل إعلام لبنانية وأجنبية لكن سماحة دخل من باب موقف السيارات وليس من الباب الرئيس بعيداً عن أعين وسائل الإعلام. بعد وقت قصير على وصوله تمّ السّماح لوسائل الإعلام بالدخول إلى المنزل والتقاط الصور له حيث بدا مبتسما وسط ابنتيه. وتهكّم سماحة على مراسل قناة (إم تي في) اللّبنانية التابعة لقوى 14 مارس مؤكّدا أنه لن يتحدّث إليه لأن (محطته لن تتغيّر). وشدّد سماحة على أنه سيعاود عمله السياسي بشكل طبيعي لافتا إلى أن الإفراج عنه هو حقّه القانوني. * ردود الفعل الغاضبة وزير الداخلية اللّبناني نهاد المشنوق اعتبر أن قرار إطلاق سراح ميشال سماحة هو (إدانة واضحة ومؤكّدة لمحكمة التمييز العسكرية بكل المعايير الوطنية والقانونية والمنطقية) مؤكّدا أنه (سيكون لنا كتيار سياسي موقف من الذين ما زالوا يتصرّفون على قاعدة إلغاء الوطن لصالح القتلة أمثال سماحة). وزير العدل اللّواء أشرف ريفي قام بالتذكير اللّواء وسام الحسن الذي تمّ اغتياله بعد فترة من اعتقال سماحة قائلا: (بئس الزمن الذي يتآمر فيه قاض وضابط على وطنه) مؤكّدا: (لقد قمت بواجبي الوطني يوم كنت مديرا عامّا لقوى الأمن الداخلي بضبط العبوات التي كان ينقلها سماحة) وندّد العديد من السياسيين بهذا الحكم. عضو كتلة الكتائب في البرلمان اللّبناني نديم الجميل أكّد أن الأشرفية لا تركع لا لحزب اللّه ولا لغيره مؤكّدا أنهم يرفضون (كل المساومات التي حدثت في الآونة الأخيرة). ورأى رئيس حركة اليسار الديمقراطي النائب السابق إلياس عطا اللّه أن (القانون في لبنان يجمّل وجه المجرم الذي أقرّ أنه أدخل مواد متفجّرة من أجل اغتيال لبنانيين وأنه كان يريد إشعال الفتنة في البلاد وقال إنه (في حال عجزت السلطة المهترئة عن تصحيح الخطأ الذي ارتكبته المحكمة العسكرية فإن الشعب اللّبناني مطالب باسترداد وكالته من القضاء وتصحيح صورته أمام العالم فلا يجب أن يقاصص الشهيد البطل ويكافئ المجرم). وانتقد رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريري قرار المحكمة بإخلاء سبيل سماحة قائلا في تغريدة له: (مهما كانت أوجه التعليل لقرار محكمة التمييز العسكرية بإطلاق ميشال سماحة فإنه قرار بإطلاق مجرم متورّط في واحدة من أقذر الجرائم في حقّ لبنان).