تقرير أمريكي يكشف المستور هذه تفاصيل تزوير الأمم المتّحدة للتقارير الإنسانية في سوريا تبدو الأمم المتّحدة متواطئة ضمنيا مع النّظام السوري تحديدا في تقاريرها الإنسانية عن جرائم التجويع والحصار القاتل الذي يفرضه النّظام على المدن الخارجة عن سيطرته. في هذا السياق كشفت مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية أن الأمم المتّحدة زوّرت تقاريرها الإنسانية لفائدة النّظام الذي سمحت له بإدخال تعديلاته (التجميلية) عليها قبل نشرها مشوَّهة لتخفيف من نبرة إدانته. وتظهر ازدواجية الأمم المتّحدة واضحة في التعامل مع الملف السوري خصوصا في سياق تعاطيها مع نظام بشّار الأسد والمليشيات المتحالفة معه. ففيما يوجّه مسؤولون أمميون اتّهامات لحكومة النّظام السوري بعدم السّماح بإيصال مساعدات إنسانية إلى سوريين في بلدات محاصرة تتوالى التقارير التي تكشف كيف سمحت المنظّمة للنّظام السوري بإجراء تعديلات على خطّتها الإغاثية الإنسانية في سوريا لعام 2016 قبل نشرها. ولقد كشفت مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية أنها حصلت على النسخة الأصلية من خطّة الأمم المتّحدة الإغاثية الإنسانية في سوريا لعام 2016 قبل أن يتولّى نظام بشّار الأسد تحريرها وتعديل بعض محتوياتها لحجب معلومات عن حصار بعض المناطق. وأجرى الكاتب والمحلّل في المجلة روي غوتمان الموجود حاليا في إسطنبول مقارنة سريعة بين محتويات التقرير النّهائي المنشور في 64 صفحة والتقرير الأصلي الذي لم يحدّد الكاتب عدد صفحاته فوجد أن من بين الفروق محو عشرات الفقرات القوية من التقرير الأصلي فضلا عن اختفاء إشارات في أكثر من عشرة مواقع مختلفة من الخطّة الأصلية تتعلّق بالحصار المفروض على المدنيين في أكثر من بلدة سورية. ولفت غوتمان إلى أنه تأكّد له من طبيعة الوقائع والأحداث المحذوفة ومن الصيغة التي ظهرت بها التعديلات أن الأصابع التي تولّت نسجها تابعة لحكومة النّظام السوري وربما أن الغرض الرئيسي من تلك التعديلات هو الحيلولة دون استعمالها لاحقا كأدلّة ضد مرتكبي الجرائم الإنسانية. * أرقام مغلوطة وصفت (فورين بوليسي) الخطّة الدولية بأنها ركيكة العنوان وجافة المحتوى ومع ذلك فإن الأرقام الواردة فيها كانت كافية لأن تتحدّث عن نفسها وتعكس حجم الكابوس الذي تمرّ به سوريا وفظاعة الكارثة الإنسانية التي يعاني منها السوريون. وتغطّي الخطّة الفترة من الأوّل من جانفي حتى الحادي والثلاثين من ديسمبر المقبل وتهدف -حسب ما ورد في مقدّمتها- إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية في كلّ المحافظات السورية. وشبّهت (فورين بوليسي) سوريا بمريض أصبح في غرفة الإنعاش محذّرة من أن عدد السوريين الذين أصبحوا بحاجة إلي المساعدات الإنسانية العاجلة وصل إلى 13 مليونا وستمائة ألف مواطن. كما اقتبست المجلة من التقرير الأممي إشارة لافتة إلى أن نسبة التشرّد في سوريا أصبحت تمضي بمعدل 50 أسرة في الساعة الواحدة. وحسب أرقام خطّة الإنقاذ الدولية فإن من بين ملايين القاطنين في مخيّمات النزوح الداخلية يوجد مليون نازح على الأقلّ لا يتلقّون أيّ عون من المجتمع الدولي إطلاقا. وكان تقرير العام الماضي قد تضمّن معلومات لا تقلّ فظاعة أشارت إلى أن من يعانون من انعدام الأمن الغذائي وصل إلى قرابة العشرة ملايين نسمة منهم حوالي سبعة ملايين نازح طفل. ومع التسليم بأهمّية هذه الأرقام وخطورتها إلاّ أن الكاتب روي غوتمان يعتقد أن (الأكثر بشاعة وبُعدا عن الإنسانية) في التقرير الإنساني هو في المعلومات التي حُجبت عن صيغته المنشورة وفي تفاديه ذكر الحوادث والجرائم المتعلّقة بالحصار المفروض على المدنيين في العديد من المدن السورية. ومن الوقائع التي أزيلت من التقرير عقب عرضه على حكومة النّظام السوري حوادث وفاة ناتجة عن الحصار والتجويع من بينها وفاة 23 شخصا في بلدة مضايا السورية قبل أن تصل إليها قافلة مساعدات دولية الشهر الحالي. وكشف غوتمان أن الخطّة الأصلية قبل تعديلها تضمّنت معلومات عن برامج دولية لإزالة الألغام الفردية والذخائر التي لم تنفجر من التجمّعات السكّانية المدنية وكذلك إزالة البراميل التي ألقاها النّظام على السكّان ولم ينفجر بعضها لكنها ما تزال تشكّل خطرا عليهم. ومن المفارقات أن الجهود الدولية بدلا من أن تباشر العمل لإزالة هذه القنابل القابلة للانفجار في أيّ لحظة استعاضت عن ذلك بإزالتها من التقرير السنوي حماية للنّظام السوري على ما يبدو وليس لأنه قدّم أدلّة تنفي ارتكابه تلك الجرائم حسب تقرير (فورين بوليسي). وأقرّ مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأنه جرى (التشاور) مع الحكومة السورية ردّا على سؤال عن حذف بعض العبارات حول (الحصار) من الخطّة الدولية زاعما أن هذا الإجراء يتمّ اتّخاذه في كلّ البلدان وليس في سوريا وحدها حيث يتمّ التشاور مع حكومة البلد التي يرتكب مسؤولوها مثل تلك الجرائم. وجاء تعليق المكتب في رسالة إلكترونية صادرة عنه وجّهها ل (فورين بوليسي) مع رفض إتاحة الفرصة لأيّ مسؤول في مكتب الإغاثة للردّ على التساؤلات والشكوك التي أوردتها المجلة الأمريكية. ولأن أزمة مضايا لم تنته بعد فقد لجأ بعض المتحدّثين الدوليين إلى التحجّج بذلك لتبرير حذف أسماء بعض الأفراد والمنظّمات السياسية التي شاركت مع النّظام السوري في جرائم تجويع مواطنين سوريين فارّين من منازلهم ومواطنين فلسطينيين فارّين من مخيّمات اللّجوء إلى مخيّمات اللّجوء.