عاد الهدوء نسبيا إلى مختلف مدن الوطن، ومنها مدن ولاية الجلفة بعد أعمال شغب واسعة مسّت أغلبها، خصوصا مدينة حاسي بحبح 50 كيلومتر شمال عاصمة الولاية الجلفة، التي اندلعت بها المواجهات بعد صلاة الجمعة وتواصلت إلى غاية صبيحة أمس الأحد، وتمّ خلالها تخريب عدّة مؤسسات وحرق بعضها كبريد الجزائر، سونلغاز، الضرائب، الدائرة والبلدية، كما تمّ نهب عدّة مؤسسات أخرى· الانطلاقة الحقيقية للمواجهات بولاية الجلفة انطلقت من حاسي بحبح، أين اجتمع المحتجّون في الطريق الوطني رقم واحد وأحرقوا العجلات المطاطية لتندلع مواجهات بالرّشق بالحجارة مع رجال الشرطة تواصلت إلى غاية الواحدة صباحا تمّ خلالها حرق مقرّي مؤسسة سونلغاز بالطريق الوطني رقم واحد ومصلحة الضرائب، حيث أتت ألسنة اللّهب على كلّ الأثاث والمحتويات، بالإضافة إلى الأسقف والأبواب، أمّا المؤسسات الباقية كبريد الجزائر والبلدية والدائرة فتعرّضت للتخريب والنّهب من طرف المشاغبين الذين حوّلوا المدينة الهادئة إلى دمار· من جهة أخرى، عرفت المؤسسات التربوية (ثانوية عبد الحميد بن باديس، متوسّطة بوعافية الجديدة، متوسّطة الشهيد القندوز، ابتدائية بختي عطية ومتقن محمد موفقي) عمليات تخريب ونهب واسعة لكن مع تجنّد جميع الفاعلين عرف قطاع التربية بحاسي بحبح دخولا عاديا وهذا بعد تصليح وترميم كلّ ما خرب· وفي صبيحة أمس الأحد وعلى الساعة الثانية ونصف صباحا اقتحم ملثّمون متوسّطة بن رشد بحاسي بحبح، ودخلوا في عراك مع الحارس اللّيلي وطعنوه بالخناجر نقل بعدها مباشرة إلى المؤسسة العمومية الاستشفائية العقيد أحمد بوفرة من طرف رجال الحماية المدنية. كما تعرّضت المدرسة الابتدائية بختي عطية للتخريب مجدّدا وذلك بحرق الإدارة عن آخرها، حيث تمّ تدخّل رجال الحماية المدنية وتمّ إخماد الحريق وشهدت المؤسسة كذلك دخولا عاديا بحضور مدير التربية· المحتجّون وأثناء المشادّات اقتحموا مخزنا خاصّا بالمحجوزات وعثروا على كمّية معتبرة من الخمور واستولوا عليها، حيث أشارت بعض المصادر إلى أن الخمور منتهية الصالحية وقد تسبّبت في وفاة أحد مواطني المدينة وجثّته الآن في مصلحة حفظ الجثث بالمؤسسة العمومية الاستشفائية العقيد أحمد بوفرة· وقد أدّت المواجهات بحاسي بحبح إلى إصابة 34 شرطيا و6 مدنيين· وبالجلفة عاصمة الولاية قام المحتجّون بحرق وتخريب عدّة مؤسسات تابعة للدولة، وتمّ خلالها تدخّل عناصر الشرطة الذين تمكّنوا في وقت وجيز من التحكّم في الوضع، لكن أيدي الإجرام تحوّلت إلى تخريب أملاك مؤسسات كوكالة جيزي للاتّصالات ووكالة نجمة، بالإضافة إلى ثانوية ابن خلدون. وفور اشتداد المواجهات بين عناصر الشرطة والمحتجّين تكوّنت فورا مجموعات من المواطنين العقلاء من جمعيات ومنظّمات المجتمع المدني وأئمة وتكفّلت بحماية المؤسسات والممتلكات· وأمّا ببلدية عين معبد التابعة إداريا لدائرة حاسي بحبح فقد قام المحتجّون بغلق الطريق الوطني رقم واحد، لكن تدخّل قائد الفرقة الإقليمية للدرك الوطني مع أعيان وكبار المدينة حال دون مواصلة غلقها وتمّ فتحها أمام حركة المرور· من جهتها، بلدية حد الصحاري بولاية الجلفة عاشت على وقع الاحتجاجات، حيث خرج مئات الشباب معبّرين عن غضبهم هذه المرّة ليس بسبب غلاء الأسعار وإنما من أجل التنديد بالسياسة التي تنتهجها السلطات المحلّية وما تعرفه البلدية من نقائص فادحة في جميع الميادين، وقد قام المحتجّون بغلق الطريق الوطني رقم 89 الذي يتوسّط المدينة بواسطة الحجارة والمتاريس الحديدية وأضرموا النّار في العجلات المطاطية في عدّة نقاط هاتفين بضرورة تنحية المير قبل أن يتنقّل رئيس الدائرة رفقة عناصر الدرك الوطني إلى مكان الاحتجاج بالمخرج الشرقي للمدينة من أجل احتواء الوضع للحيلولة دون امتداد موجة الغضب إلى باقي الأحياء الأخرى، إلاّ أن الشباب الغاضبين اتجهوا بعدها مباشرة إلى مقرّ الدائرة وحاولوا اقتحامه إلاّ أن تدخّل قوّات الجيش الوطني الشعبي رفقة عناصر الدرك الوطني حال دون ذلك، واكتفى المحتجّون برشق المقرّ بالحجارة قبل أن يتّجهوا نحو مركز البريد حيث قاموا بتحطيم أجهزة الإعلام الآلي وتكسير زجاج النوافذ وأضرموا النّار عند المدخل الرئيسي للمركز. واستمرّت موجة الغضب إلى غاية ساعة متأخّرة من اللّيل، حيث لم يتمكّن الشباب الغاضب من اقتحام الإدارات العمومية نتيجة انتشار عناصر الدرك الوطني وعناصر من الباتريوت من أجل حماية الإدارات العمومية ومراقبة الوضعية من بعيد· ويلاحظ في الأخير أن المواجهات التي عرفتها ولاية الجلفة كشفت عن ضعف أداء دور المنتخبين في هذه الحالات، بالإضافة إلى الغياب الكلّي لممثّلي الجمعيات ومنظّمات المجتمع المدني التي كان من المفترض أن تلعب دورا في تهدئة الشارع الغاضب·