يتلاقى الزمان والمكان على صفحاته فيجوب بقارئه بين مآذن التوحيد في رحلة تستوضح عمارة المساجد من البدايات وحتى الآن (المساجد.. مدائن التوحيد) كتاب من ثمانية فصول للدكتورة ماجدة سعدالدين الأستاذ المساعد بأكاديمية الفنون وتوزيع (مؤسسة الأهرام). فالمسجد -بحسب مؤلفة الكتاب- كتلة رائعة في فراغ الكون تنطلق مئذنته تطلعًا وحبًا إلى الله ليدور ثمة حوار ما بين السماوات والأرض أما عمارة المساجد فهي نداء إلى الواحد القهار ذلك لأن المعمار نابض حي يسبح لله. وفي شرحها لفلسفة عمارة مدائن التوحيد ترى الكاتبة أن ثمة روح تكمن في المبنى ظاهره وباطنه ومن أهم سمات تلك العمارة البساطة والوضوح والنقاء بعيدًا عن التعقيد.. معمارًا واضحًا لا غموض فيه وهي ذاتها السمات المنشقة عن الدين الإسلامي. وفي قبة المسجد فلسفة كونية مرتبطة بحركة الكون من خلال دورانها اللانهائي وكأنها حركة طواف وسعي.. دائرة لا نهائية للوصل مع الله ويأتي المحراب كرمز على شكل القواقع واللآلئ والأصداف موجودات في الكون خلقها الله تعالى ليتمم الكون جمالًا وجلالًا.. وكأن القواقع والأصداف على الشطآن محاريب كونية تردد صدى حب الله. وتشبه الأعمدة الفصول الدراسية وفي فلسفة عمارتها ربط السماء والأرض من خلال المعرفة والعلم والدراسة وصولا إلى الله أما المئذنة فهي قادرة على ربط الأذان السمعي بالعمارة ليتآلف الاثنان معًا للتوحيد. مفاهيم وبحسب الكتاب فإن مفهوم المكان في عمارة المساجد مرتبط بالقبلة ذلك لأن كل الأمكنة تتوحد في لحظات زمنية وقت الصلاة مع هذا المكان توحدًا روحانيًا وماديًا. وقد انتشرت العمارة الإسلامية كمسجد ومنزل ذلك لأن فكر الدين الإسلامي للدين والدنيا على خلاف العمارة المصرية القديمة والعمارة المسيحية التي احتفظت لنا فقط بالعمارة الدينية كما في المعبد المصري القديم والدير والكاتدرائية. كما يطرح الكتاب فلسفة جديدة لتحليل زخارف الأرابيسك المكوّن الرئيسي في عمارة المساجد ترتكز هذه الفلسفة على أن الأرابيسك زخارف هندسية وأشكال لا نهائية توحي لنا بلا نهائية المكان والزمان لتصل بنا إلى الله صاحب الزمان والمكان. واستفاضت مؤلفة الكتاب في شرح جماليات عمارة مسجد ومدرسة السلطان حسن قائلة: صحن مفتوح على السماء.. الجلال والجمال يسودان المكان والحوائط الممتدة إلى السماء تهفو إليها المكان يصلي وكأنه يخشع في ملكوت الله والصحن يوحد الله بأحجاره ومصليه من زمان بعيد. مسجد ومدرسة السلطان حسن أنشأه السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون في عصر دولة المماليك البحرية ويوجد الآن بمنطقة الخليفة جنوبالقاهرة. أما مسجد قرطبة الكبير فقد وصفه الكتاب بأنه لم يعد روحًا تنادي الوصل لأن كونية عمارة المساجد في إقامة الصلاة ورفع الأذان وإقامة الصلاة والمحراب المتجه إلى القبلة وصفوف المصلين وإلا أصبح المسجد أطلالًا كما هو الحال في مسجد قرطبة وقد أضيفت عليه المحاريب وأغلقت الأقواس فمات النور وذهبت بهجة الروح والتطلع إلى الله. يشغل هذا المسجد مكانة في تاريخ الفن الإسلامي تقارب ما للمسجد الأموي الكبير في دمشق وهو كما يصفه أحد المؤرخين (اللحظة الأولى للقاء الغرب بالإسلام وهو واحد من أعظم الروائع في العالم).