كأس الجزائر ... حكاية 53 سنة (الجزء الأول) ** بمناسبة إقامة نهائي كأس الجزائر الأحد المقبل بين الجارين المولودية والنصرية بملعب 5 جويلية سنختصر مسيرة 53 سنة وسنغوص في كل هاته السنوات لنقدم لكم القصة الكاملة لكأس الجزائر ومن خلال هاته السلسلة ستجدون فيها الكثير من الأرقام والحقائق التي تنشر لأول مرة فرحلة سعيدة عبر دهاليز كأس الجزائر. انطلقت أولى الأدوار التصفوية لكأس الجزائر بعد الاستقلال في شهر أكتوبر من سنة 1962 أي بعد أشهر قليلة من الاستقلال وشهدت الانطلاقة إجراء المباريات الجهوية وبعدها تم تحديد الأندية ال64 التي مثلت الدور ال32. الأدوار التصفوية حملت مباريات الدور ال32 مفاجأة بإقصاء شبيبة القبائل بأرضها على يد وفاق عين البنيان بضربات الجزاء بعد انتهاء المباراة في وقتها القانوني 3/3. بقية المباريات حملت تأهل الأندية التي كانت تسمى بالقوية نذكر منها وفاق سطيف ومولودية سعيدة واتحاد البليدة ومولودية العاصمة واتحاد العاصمة ولا ننسى عملاق الغرب ترجي مستغانم. واصلت الأندية القوية مسيرتها المضفرة بنجاح بل بدون معاناة حيث سجل سقوط الأندية المصنفة في المستوى الثاني وما دون كما تتساقط أشجار الخريف لكن مع مرور الأدوار بدأت تتضح معالم الأندية القوية والتي سرق أضواءها كل من وفاق سطيف وترجي مستغانم بتأهلهما إلى المباراة النهائية بامتياز ودون عناء. وفاق سطيف وترجي مستغانم في اول نهائي لم يشكل وصول كل من وفاق سطيف وترجي مستغانم إلى أول نهائي لكأس الجزائر بالمفاجأة بالنظر النتائج الكبيرة التي حصدها الفريقين في الأدوار التصفوية. استعد الفريقان إلى اللقاء النهائي بشكل جيد فوفاق سطيف دخل في تربص مغلق بفندق سركوف المتواجد بالقرب من مدينة عين طاية فيما اختار فريق ترجي مستغانم نزل الكيتاني بباب الواد بالعاصمة. وكان كل فريق يتجسس عن الآخر لمعرفة نقاط قوته وضعفه وظل المدرب الفرنسي للترجي يشبه لاعبي الوفاق بالذئاب الجائعة وهي التسمية التي رد عليها الراحل مختار عريبي حيث شبه لاعبي الترجي بقطعان من الغنم الذي تشتهي ذئابه أكل لحومها الأمر الذي جعل اللقاء يأخذ طابعا تنافسيا خاصة في ظل الحرب النفسية التي كان يحسن شنها مدربي الفريقين. لعب أول نهائي لكأس الجزائر يوم 28 افريل من عام 1963 بملعب العناصر 20 أوت حاليا والذي كانت ميدانه ترابية لكن أجمل ما فيه أن الجمهور كان يتسنى له متابعة اللقاء على بعد متر واحد من خط التماس دون سياج على شاكلة ما نشاهده اليوم في الملاعب الانجليزية. الانطلاقة في يوم ربيعي لم تتعد درجة الحرارة عن ال25 وعلى الساعة الثالثة ونصف أعطى الحكم خليفي الذي ساعده على خطي التماس كل من بن قنيف وشكايمي إشارة الانطلاقة أمام جمهور فاق عن ال15 ألف متفرج غالبيته من أنصار الكحلة والبيضاء جاءوا من مدينة عين الفوارة وما جاورها لمناصرة زملاء كوسيم وماتام وبن كاري والأخوين بولكفوف وغيرهم من نجوم الوفاق آنذاك فيما حضر جمهور متواضع من عشاق ترجي مستغانم هذا الفريق الذي كان يقوده الفرنسي كلافي والكهل ولد الباي الذي كان مساعدا في ان واحد للمدرب الفرنسي اوفوستان. أدار اللقاء ثلاثي تحكيم متكون من السادة خليفي بمساعدة بن قنيف وشكايمي في تام الساعة الثالثة ونصف أعطى خليفي صافرة البداية والتي كانت للفريق السطايفي حتى راح لاعبو هذا الأخير يشنون الهجمة تلو الأخرى لكن جميع الفرص باءت بالفشل لكن مع بداية الربع الأول من الشوط الأول وعلى اثر هجمة مضادة للاعبي الترجي قادها الثلاثي خليل والفرنسي كلافي وسوداني كاد هذا الأخير أن يسكن كرته في شباك الحارس فرشيشي لولا تدخل في آخر لحظة المدافع بوروبة الذي أنقذ مرماه بأعجوبة من هدف محقق اسكت أفواه السطايفيين. لقطة واحدة كانت كافية لفريق الترجي أن تدخل الرعب قلوب لاعبي الوفاق ومدربهم الراحل مختار لعريبي الذي طالب من أشباله عدم المغامرة حتى لا يكلفهم غاليا بعد العودة القوية للاعبي الهجوم وهي العودة التي كان ان يجسدها اللاعب خليل بهدف جميل في الدقيقة ال24 فرغم خروجه وجها لوجه مع الحارس فرشيشي إلا أن قذفته جانب بضع سنتيمترات من شباك هذا الأخير رد عليها مهاجم الوفاق كوسيم بقذفة قوية في الدقيقة ال 29 كادت ان تجد طريقها الى شباك الحارس المستغانمي ولد موسى. تواصلت الهجمات من الجانبين الأمر الذي جعل الجمهور الغفير يتجاوب مع كل لقطة لكن في الوقت الذي كان فيه الحكم خليفي يتأهب لإعلان نهاية المباراة لاعب الترجي وعلى اثر خطا فادح في المراقبة من احد مدافعي الوفاق مع حارسه فرشيشي يتمكن خليل من فتح باب التسجيل وهو الهدف الذي أفرح أنصار الترجي فيما خيّم سكوتا رهيبا وسط عشاق الكحلة والبيضاء لم يتأخر بعدها الحكم خليفي من إنهاء الشوط الأول بفوز الترجي بهدف دون رد. بعد ربع ساعة من الراحة عاد لاعبو الفريقين إلى أرضية الميدان وسط تصفيقات حارة من الجمهور الحاضر الذي أعجب بما قدمه لاعبو الفريقين خلال المرحلة الأولى لم يختلف أداء اللاعبين خلال الشوط الثاني حيث راح كل فريق ينتهج خطة وفق ما يناسبه. النهائي المعاد كوسيم وماتام يُدخلان الوفاق التاريخ التقى الفريقان من جديد يوم 12 ماي بملعب 20 أوت وأمام نفس العدد من الجماهير التي حضرت النهائي الأول ومرة أخرى طغى على مدرجات الملعب اللونين الأسود والأبيض وهما اللونان الرسميان لفريق الوفاق على غرار اللقاء الأول احتفظ كل مدرب بنفس العناصر التي لعبت اللقاء الأول بينهما وقد تقرر الاحتفاظ بنفس طاقم ثلاثي التحكيم الذي أدار اللقاء الأول والمتكون من الثلاثي خليفي في الوسط بمساعدة شكايمي وبن فنيف. اتضحت ملامح المقابلة منذ البداية على ان الفوز سيكون حليف الوفاق بالنظر إلى دخوله المباراة بكل قوة بغية الوصول الى شباك الحارس ولد موسى الذي قاوم لوحده الكثير من محاولات زملاء ماتام الذي فرضوا أسلوب أدائهم وهذا بفضل حنكة المدرب الراحل مختار لعريبي الذي درس جيدا قوة وضعف فريق الترجي الأمر الذي مكنه من فرض أسلوبه الذي تفوق على أسلوب المدرب الفرنسي للترجي افوستان. بعد أكثر من نصف ساعة من اللعب دون أن يتمكن أي فريق من الوصول إلى منافسه جاءت الدقيقة ال33 التي أفرحت أنصار الوفاق بعد أن تمكن اللاعب ماتام من فتح باب التسجيل إثر خطأ من الحارس ولد موسى الذي فشل في التقاط الكرة لتجد اللاعب كوسيم بودعها بطريقة بديعة الشباك معلنا عن افتتاح باب التسجيل وسط فرحة عارمة لأنصار الوفاق وبهدف دون رد انتهى الشوط الأول. شهد الشوط الثاني استفاقة ملحوظة من جانب لاعبي الترجي يشنهم خطة هجومية كادت أن تجد طريقها في أكثر من مرة إلى شباك الحارس قرشيشي الخطة الهجومية لفريق الترجي كلفته قبل دقيقتين من صافرة النهاية هدف ثانيا وقعه اللاعب ماتام كان بمثابة ضربة قاضية لمحاولاتهم لتعديل النتيجة لم يتأخر بعدها الحكم خليفي من إعلان النهاية بفوز وصف بالمستحق لفريق الوفاق بنتيجة هدفين دون رد وبذلك ينتزع الوفاق أول كأس للجزائر المستقلة. 1964 وفاق سطيف 2 مولودية قسنطينة 1 حافظ وفاق سطيف بحبه للسيدة الكأس فالتتويج الأول بفوز زملاء لونيس ماتام بقيادة المدرب المرحوم مختار لعريبي على ترجي مستغانم سمح للفريق من بلوغ المباراة النهائية فوجد نفسه في المحطة النهائية أمام الموك بقيادة نجمه زفزاف وتحت قيادة المدرب رواج. لعبت المباراة بملعب 20 اوت يوم 15 ماي تحت أنظار أكثر من 10 آلاف متفرج وأدار المباراة الحكم شكايمي وكان الفوز حليف الوفاق بهدفين لواحد من توقيع بن كاري في الدقيقتين ال15 و46 للوفاق وبودماغ في الدقيقة الأخيرة من المرحلة الأولى. اللقاء تابعه هذه المرة رئيس الجمهورية آنذاك المرحوم احمد بن بلة وبعد أفراح لاعبي الوفاق جراء إنهائهم اللقاء بالفوز بهدفين لهدف لم يتمالك العشرات من أنصار الفريق أنفسهم وراحوا يقتحمون أرضية الميدان طمعا بالحضور على أحد قمصان اللاعبين الأمر الذي اضطر رجال الأمن للتدخل وإخراجهم من الميدان. بعد أن هدأت الأمور راح لاعبو الفريقين واحدا تلوى الآخر يصعدون الى المنصة الشرفية لملعب 20 أوت وكما هو الحال تقدم لاعبو الفريق المنهزم للحصول على الميداليات الفضية وبعدها كان الدور للاعبي الفريق المتفوق ونعني بهم الوفاق لتأتي اللحظة التي يتمناها الجميع وهو حمل الكاس الغالية هذه المرة أهداها رئيس الجمهورية المرحوم احمد بن بلة الى قائد الوفاق وبعد أخذهم صور تذكارية نزل الى أرضية الميدان لينفجر أنصار الوفاق كالبركان الهائج فرحا باحتفاظ فريقهم بالكأس لتنطلق بعدها الأفراح بمدينة عين الفوارة فيما راح أنصار الموك يمسحون عيونهم من دموع الخسارة. وقبل ان نترك هذا النهائي نشير أن لاعب الوفاق بن كاري بات أول لاعب يسجل هدفين في مباراة نهائية رافعا رصيد أهدافه في النهائيات الى خمسة أهداف. 1965 مولودية سعيدة 2 ترجي مستغانم 1 بعد أن توج به مرتين متتاليتين غاب وفاق سطيف عن النهائي الثالث الذي نشطه فريقين من الغرب الجزائري فريق يصل للمرة الأولى الى النهائي ونعني به مولودية سعيدة بقيادة لاعب منتخب جبهة التحرير الوطني سعيد عمارة أطال الله في عمره وفريق سبق له وان بلغ النهائي الأول لكن الحظ خانه في المباراة المعادة بسقوطه أمام الوفاق بهدفين لصفر. على غرار النهائيين الأول والثاني جرت المباراة النهائية بملعب 20 أوت في التاسع ماي من سنة 1964 وأداره الحكم خليفي وحضره حوالي 15 ألف متفرج. بالرغم من البداية القوية لفريق مولودية سعيدة حيث أهدر لاعبوه أكثر من فرصة لافتتاح باب التسجيل وهزّ ّشباك الحارس مزياني إلا أن جميع محاولات زملاء سعيدة عمارة والهداف الأسطوري للمولودية تلمسان اصطدمت بدفاع قوي يقودهم الرباعي بن محمود وعصمان وحنيفي وزيدان وتماشيا مع المثل القائل: (إن لم تسجل يسجل عليك) جاءت الدقيقة ال20 لتهتز شباك مولودية سعيدة بواسطة اللاعب رزقان لكن وقبل ان تجف دموع أفراح أنصار الترجي وعلى اثر هجوم مباغث من طرف هجوم مولودية سعيدة ونظرا لسرعة اللقطة أخطا لاعب ترجي مستغانم حنيفي بإبعاد الكرة عن منطقة مرماه وإذا به يسكنها خطا في مرمى حارس فريقه مزياني معدلا النتيجة هدفا وصف بالمنطقي بالنظر للسيطرة الكلية التي كان قد فرضها الفريق السعيدي على منافسه وبوقع نتيجة التعادل هدف لمثله انتهت المرحلة الأولى. الشوط الثاني وعلى عكس الأول دخله لاعبو مولودية سعيدة بقوة فلم تكن تنقضي الدقيقة الأولى حتى تمكن اللاعب بوفلجة من مضاعفة النتيجة هدف أخلط أوراق فريق الترجي ورغم محاولات لاعبيه من اجل تعديل النتيجة إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل لينتهي اللقاء بفوز مولودية سعيدة بهدف دون رد. وعلى عكس النهائي الثاني حضر المباراة رئيس الجمهورية آنذاك احمد بن بلة رحمه الله وسلم الكأس الغالية لقائد المولودية السعيدة وبذلك يكون هذا النهائي الأخير الذي يحضره الرئيس احمد بن بلة بعد أن أطاح به الرئيس المرحوم هواري بومدين في التاسع عشر جوان من نفس السنة. وقبل أن ننتقل الى النهائي الموالي بودنا أن نشير أن فوز مولودية سعيدة بالطبعة الثالثة لكاس الجزائر هو الأول والأخير في تاريخ هذا النادي علما ان النتيجة النهائية التي انتهت بها المباراة 2/1 بلغ عدد أهداف الدور النهائي 10 أهداف سجل نصفها وفاق سطيف فيما سجل فريق ترجي مستغانم هدفين ومثلها فريق مولودية سعيدة وهدف واحد لفريق مولودية قسنطينة لكن الى حد هذا النهائي حافظ لاعب الوفاق لونيس ماتام بلقب أحسن هداف بتوقيعه لهدفين. يتبع... التعاليق على الصور: الصورة الأولى: وفاق سطيف الذي نشط أول نهائي لكأس الجزائر 1963 الصورة الثانية: ملعب 20 أوت بالعاصمة بعد الاستقلال اول من احتضن نهائي كأس الجزائر سنة 1963 الصورة الثالثة: فرحات عباس رحمه الله أول من سلم كأس الجزائر للفريق المتوج عام 1963 الصورة الرابعة: فرحة لاعبي الوفاق بتتويجهم بالكأس الأولى عام 1963