فوضى سياسية وسط واقع دموي ** تشير آخر الإحصاءات الرسمية الصادرة في بغداد بداية الاسبوع إلى تسجيل 13 حزباً سياسياً جديداً في مفوضية الانتخابات خلال هذا العام غالبيتها تأسست بعد انشقاق مجموعة أو أجنحة من أحزاب سابقة. ويرتفع بالتالي عدد الأحزاب والحركات والتجمعات السياسية الممثلة أو غير الممثلة في البرلمان إلى 300 حزب وكيان سياسي في العراق اليوم. ق. د/وكالات يظهر التكوين الفكري والسياسي لهذه الأحزاب أن 80 بالمائة منها يتسم بطابع ديني مثل حزب الدعوة الإسلامي والمجلس الإسلامي والتيار الصدري والحزب الإسلامي العراقي الذي يمثل الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين في العراق. ويتسم نحو 10 بالمائة من هذه الأحزاب بطابع قومي عروبي أو كردي أو تركماني كالحزب القومي الناصري والتحالف الكردستاني والكتلة التركمانية والأخرى ذات توجهات علمانية ووطنية ومدنية مستقلة كالحزب الشيوعي العراقي وحركة الأحرار والحركة الوطنية وغيرها. وبحسب بيانات سابقة لمفوضية الانتخابات العراقية فقد شارك 277 كيان وحزب وحركة سياسية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في نهاية العام 2014. مع العلم بأن عملية الاقتراع هذه لفها الكثير من اتهامات التزوير والتلاعب ودور رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بذلك وولاء أعضاء مجلس أمناء المفوضية للأحزاب. وأثار العدد الجديد للأحزاب والحركات السياسية لغطاً واسعاً في الشارع العراقي بشكل عام والبغدادي على وجه الخصوص بين من يعتبر استمرار تزايد أعداد تلك الأحزاب علامة فشل وتحول أغلبها إلى دكاكين مربحة وآخرين يصفونها بالظاهرة الصحية. وهناك فريق ثالث يؤكد على أن ذلك يمثل علامة على التشرذم والانقسام السياسي في العراق على مستوى أعضاء الحزب الواحد من الأحزاب الرئيسة القديمة في البلاد وزيادة خلافاتها السياسية وبالتالي سيؤدي في النهاية إلى اضمحلال الكثير منها حالما ينتهي التمويل أو الدعم المقدم لها. وتعتاش أغلب الأحزاب والحركات السياسية في البلاد وفقاً لتقارير محلية سابقة على الفساد المالي لأعضائها الذين يشغلون مناصب بالسلطة أو الدعم الخارجي من دول وجهات عدة مثل إيرانوالولاياتالمتحدة وبريطانيا. وكانت مفوضية الانتخابات أكدت أول من أمس الأحد على لسان رئيس مجلس المفوضين فيها كاطع الزوبعي تسجيل المفوضية لثلاثة عشر حزباً جديداً وأن هذه الأحزاب تطمح للمشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة لمجالس المحافظات التي من المقرر أن تجري العام المقبل. ويأتي ذلك مع إعلان لجنة النزاهة في البرلمان العراقي عزمها استضافة مفوضية الانتخابات لطرح مسألة الاتهامات الموجهة ضدها بقضايا فساد قبل أن يتم استجوابها رسمياً بذلك. وقد أكد مقرر اللجنة أردلان نور الدين في هذا الشأن أنه نظراً للملاحظات التي سجلت على مفوضية الانتخابات ولأنها غير مستقلة بفقدانها أهم شرط يجب أن تتميز به وهي الاستقلالية والحياد (نعلن عزمنا على استخدام حقنا الدستوري والقانوني ومنها الاستجواب). وبجردة سريعة على الخط التصاعدي لواقع الكيانات السياسية العراقية يمكن ملاحظة أن انتخابات العام 2006 شارك بها 152 كياناً سياسياً تنافسوا على 275 مقعد لترتفع في انتخابات العام 2010 إلى 181 حزب وكيان سياسي يتنافسون على 325 مقعداً قبل أن ترتفع في انتخابات العام 2014 إلى 277 حزب وكيان سياسي تنافسوا على 228 مقعد. ودخلت غالبية تلك الأحزاب والحركات السياسية في ما يعرف بالتحالفات التي تتشكل أثناء الانتخابات أو قبلها كالتحالف الوطني الذي ضم نحو 30 حزباً أو ائتلاف قوى يغلب عليها الطابع الطائفي واتحاد القوى العراقية والتحالف الكردستاني والقائمة العراقية وغيرها إلا أنها تبقى كياناً مستقلاً بحد ذاته على المستوى السياسي وفقا لما يؤكده في كل مناسبة القائمون على تلك الأحزاب. أحزاب طائفية وفي الثامن والعشرين من شهر أوت الماضي صوّت البرلمان العراقي على قانون تنظيم عمل الأحزاب في البلاد بعد تعطيل دام لعشر سنوات كاملة نص على جملة من البنود غالبيتها لا تنطبق على الأحزاب الموجودة حالياً أو تلك التي تشكلت عقب صدور القانون. وبحسب القانون المقر فإنه (لا يجوز تأسيس الحزب على أساس العنصرية أو التعصب الطائفي أو العرقي أو القومي) كما ينص على منع امتلاك الحزب جناحا عسكريا مسلحا أو مليشيات بأي شكل من الأشكال فضلاً عن إلزام الحزب بالكشف عن مصادر تمويله. والقانون يمنع انتساب العسكريين وعناصر قوى الأمن الداخلي إلى تلك الأحزاب وهو ما يخالف بشكل صريح واقع الأحزاب العراقية اليوم التي تمتلك 60 بالمائة منها أجنحة مسلحة أو مليشيات تنشط على الأرض. وتتبنى تلك الأحزاب بشكل علني نشاط أجنحتها المسلحة فضلاً عن تعدد مصادر التمويل وانتماء غالبية قادة الجيش والشرطة إليها واستمرار البذخ الكبير في الأموال التي تصرفها تلك الأحزاب دون أن تكشف عن ذممها المالية أو مصادر تلك الأموال. هذا الأمر يجعل من غالبية الأحزاب فاقدة لقانونية وجودها بالبلاد غير أن هذا القانون شأنه شأن القوانين في البلاد لا يتخطى رفوف الأرشيف في أروقة المحاكم ومكاتب المسؤولين العراقيين. في هذا الصدد يقول الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور مروان قبلان إن وجود 300 حزب في بلد مثل العراق لا يمكن أن يعتبر حالة صحية على الإطلاق. ويضيف قبلان أنه بالعادة في المراحل الأولى التي تعقب انتهاء الأنظمة غير الديمقراطية تكون هناك فوضى أحزاب سياسية ومعظم الناس يتحمسون لتأسيس أحزاب وتنظيمات وبالعادة فإن أغلبها تكون بلا قاعدة شعبية واسعة ولا يتمكنون من الوصول للجمهور وليس لها موارد. ويتابع أنه حتى تكون لدينا ديمقراطية فاعلة يجب أن يكون هناك نوع من تنظيم الحياة الحزبية وفي النهاية ستبقى الأحزاب التي تثبت نفسها واصفا الحالة العراقية بأنها حالة تفتت غير طبيعية لها مخاطرها. ويشير قبلان إلى أن بعض الأحزاب الصغيرة عادة ما تكون مرجعتيها خارجية والبعض منها يحصل على تمويل من الخارج وهذا يمثّل خرقا للبلاد. بدوره يشير الخبير بالشأن السياسي العراقي الأستاذ بجامعة صلاح الدين عمر الأيوبي إلى أنه في الحالة العراقية فإن الأحزاب الكبيرة هي الموالية للخارج وهي من يتلقى أموالا من الخارج وينفذ أجندات الخارج وليس العكس مضيفاً أن الولاياتالمتحدة حالياً غير مستعدة لدعم كيان صغير ولد للتو في خضم هذا التلاطم بل تحاول أن تجذب الأحزاب الكبيرة الفاعلة وكذلك إيران. ويلفت الأيوبي إلى أنه في نفس الوقت فيمكن ملاحظة على سبيل المثال أن حزب الدعوة الإسلامية بزعامة المالكي دخل العراق بجسد واحد واستمر بالتفتت والتحول لأحزاب تحت مسميات عدة مثل حزب الدعوة تنظيم الداخل وحزب الدعوة الإسلامية وجبهة الإصلاح وفي داخل الأحزاب الثلاثة هناك أجنحة متخاصمة وكذلك الحال لكثير من الأحزاب مثل المجلس الأعلى والتيار الصدري والحزب الإسلامي العراقي. انطلاقاً من ذلك يعتبر الأيوبي أن 300 حزب وكيان رقم كبير بل مخيف وهو تشتيت أصوات الناخبين وتداخل الأهداف والشعارات بشكل يصل إلى حد النسخ واللصق فضلاً عن أن ذلك يعني لنا زيادة الأصوات الطائفية والعنصرية التي تتكسب شعبيتها من شعارات الثأر والانتقام بروح طائفية واصفاً الأحزاب الوطنية والعلمانية بأنها كالأيتام على مائدة اللئام. من جهته يحذر النائب عن تحالف القوى العراقيّة خالد العلواني من كارثة قد تطاول الواقع السياسي العراقي بسبب زيادة عدد الأحزاب في البلاد. ويقول العلواني خلال حديثه مع العربي الجديد إنّ زيادة عدد الأحزاب خطير للغاية وله آثار سلبية على الواقع في البلاد مطالباً بتعديل جديد على قانون الأحزاب. بدوره يرى النائب عن التحالف الكردستاني حسن جهاد أنّ تسجيل أحزاب جديدة قد يصب بصالح العمليّة السياسيّة في حال استطاعت الوصول إلى السلطة وإحداث تغيير في الحكم. ويقول جهاد إنّ الأحزاب الجديدة في حال استطاعت استغلال الظرف والفشل الحكومي والفوز بالانتخابات والاستفادة من أخطاء الحكومات قد تحدث تغييراً في البلاد وقد تكون إيجابيّة للبلاد. واقع دام ووسط هذه التجاذبات السياسية المتطرفة تغرق البلاد في دوامة الدماء فلقد وثّقت بعثة الأممالمتحدة لمساعدة العراق (اليونامي) مقتل وإصابة 1966 عراقي بأعمال عنف وقعت خلال شهر جويلية المنصرم بينما أكّدت أنّ العاصمة بغداد هي الأكثر تضرراً بين المحافظات الأخرى. ورصدت البعثة في بيان صحافي مقتل ما مجموعه 759 عراقي وإصابة 1.207 آخرين جراء أعمال الإرهاب والعنف والنزاع المسلّح التي وقعت في العراق خلال شهر جويلية لافتةً إلى أنّ هذه الإحصائية استثنت محافظة الأنبار لعدم تسني البعثة من الحصول على حصيلة بعدد الضحايا بين صفوف المدنيين لهذا الشهر من مديرية صحة المحافظة. وأوضحت أنّ عدد القتلى المدنيين في شهرجويلية بلغ 629 شخص من بينهم 10 قتلى من منتسبي الشرطة الاتحادية ومنتسبي الدفاع المدني من الصحوة وكذلك من منتسبي الحمايات الشخصية وشرطة حماية المنشآت ومنتسبي الإطفاء مضيفة أنّ عدد الجرحى المدنيين بلغ 1.061 شخص من بينهم 13 منتسباً من الدفاع المدني والحمايات الشخصية وشرطة حماية المنشآت ومنتسبي الإطفاء. إلى ذلك بيّنت البعثة في بيانها أن عدد القتلى في صفوف القوات الأمنية بلغ 130 عنصر من ضمنهم أفراد من قوات البشمركة وقوات المهام الخاصة والمليشيات التي تقاتل إلى جانب الجيش العراقي مع استثناء عمليات الأنبار فضلاً عن جرح 146 آخرين. وأشارت إلى أنّه وفقاً لأعداد الضحايا التي سجلتها البعثة للشهر الماضي كانت محافظة بغداد الأكثر تضرراً إذ بلغ مجموع الضحايا المدنيين 1.400 شخص بينهم 513 قتيل و887 جريح. من جهته جدّد المبعوث الأممي في العراق يان كوبيش دعوته لجميع الأطراف العراقيّة ببذل كل جهد ممكن لحماية أرواح المدنيين. وقال كوبيش بحسب البيان إنّ أعداد الضحايا نتيجة الإرهاب والعنف والصراع في العراق مازالت مرتفعة مستنكراً في الوقت ذاته تردي الوضع الأمنيّ في العراق وفق تلك الإحصائيات وأنّه غير مقبول. ويشهد العراق أزمة أمنيّة خطيرة فمع القتال في الجبهات المعروفة فإنّ المليشيات والعصابات المنفلتة تمارس أعمال قتل واختطاف وتهجير وسلب بشكل يومي بينما تعجز القوات الأمنيّة عن التصدي لها ووضع حدّ لتلك الأعمال.