يحتفل الجزائريون ليلة الاثنين إلى الثلاثاء بذكرى مولد النبيّ المصطفى محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، مؤكّدين بذلك حبّهم للرجل الذي كلّفه اللّه بإنارة طريقهم وإخراجهم من الظلمات إلى النّور ومجدّدين مرّة أخرى تمسّكهم بالدين الإسلامي الحنيف الذي لم يحيدوا عنه يوما رغم كلّ التحدّيات· ويعدّ ارتباط المجتمع الجزائري بإحياء المناسبات الدينية واحدا من المظاهر التي تميّز بها عبر تاريخه الطويل وساهمت في حفاظه على هويته، خاصّة خلال الفترة الاستعمارية· ويعتبر العديد من المؤرّخين أن إحياء ذكرى مولد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في 12 ريبع الأوّل من كلّ سنة هجرية "كان من بين وسائل الدفاع عن هوية الشعب الجزائري وقيمه ودينه" في الوقت الذي كانت فيه فرنسا الاستعمارية "لا تتورع عن حشو عقول أبناء الشعب ممّن أتيحت لهم فرصة دخول المدرسة بتاريخ فرنسا وعاداتها وعلماءها وشخصياتها عبر التاريخ"· في هذا الشأن يعتبر الباحث في علم الإنسان والأديان زعيم خنشلاوي أنه بالرغم من "سطوة المستعمر وعمله على طمس هوية الشعب الجزائري"، إلاّ أن أبناء هذا الوطن استمرّوا في إحياء هذه المناسبة التي شكّلت مظهرا من مظاهر تمسّكهم بهويتهم و"ردّا في الوقت ذاته على السياسة الاستعمارية التي سعت طيلة قرن و32 سنة إلى تكريس الأعياد المسيحية وفرضها على الشعب الجزائري"· وفي هذا السياق، نوّه الباحث بدور التصوّف والزوايا في الحفاظ على الهوية الوطنية طيلة الفترة الاستعمارية لأن غالبية الجزائريين - كما قال - "كانوا أميين ومن ثمّة فإن الإسلام استمرّ عبر إحياء المناسبات الدينية ومن بينها الاحتفال بالمولد النبوي الذي شكّل إحدى المناسبات للتعريف بقصّة ميلاد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّه أمنة بنت وهب ومرضعته حليمة السعدية وباقي شخصيات التاريخ الاسلامي العظام"، وذكر أنه بعد استقلال الجزائر انتظمت احتفالات ضخمة ومميّزة في كلّ الولايات خاصّة بالجزائر العاصمة بمناسبة ذكرى المولد النبوي، "ممّا يبيّن - كما قال - مكانة هذه المناسبة في نفوس الجزائريين الذين توارثوا الاحتفال بها جيلا عن جيل"· من جهة أخرى، يرجع السيّد خنشلاوي تمسّك الجزائريين واحتفالهم "المميّز" بذكرى المولد النبوي مقارنة بشعوب إسلامية أخرى لم تعرف ظاهرة الاستعمار بالشكل الذي عرفته الجزائر الى فترة الدولة الفاطمية، وقال إن الاحتفال وقتها كان "رسميا وشعبيا" في كامل أنحاء البلاد من خلال استعراضات عسكرية ونصب للخيم وإطعام للفقراء والمساكين، ناهيك عن تزيين المساجد وإقامة "الحضرة" وارتداء الأطفال لأزهى الملابس وإقامة حفلات الذكر وتوزيع الهبات· ويربط الباحث مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في الجزائر خلال العهد الفاطمي بتلك التي تتمّ بمصر الفاطمية، مشيرا إلى أن شراء وتداول "الفوانيس" في هذا البلد إلى غاية اليوم تعود إلى تلك الحقبة من الزمن، وتابع يقول بأن "جزءا من قبيلة كتامة الجزائرية التي كانت تتواجد بشمال الشرق الجزائري انتقلت إلى مصر وأقامت بها خلال العهد الفاطمي وهو ما يفسّر - حسبه - تشابه مظاهر الاحتفال ودرجة تعظيم هذه المناسبة في البلدين"· ويمتدّ هذا التشابه إلى غاية العصر الحالي، حيث تقوم العائلات المصرية خلال هذه المناسبة بإعداد "حلوى المولد" التي تعرض في المحلاّت وتتبادل أطباقها العائلات، والتي يقابلها في الجزائر طبق "الطمّينة" التي لا يستغنى عنها في هذه المناسبة· كما تقوم معظم الأسر الجزائرية في هذه اللّيلة بختان أولادها ويرتدي الجميع اللّباس التقليدي الذي تشتهر به كلّ منطقة وتقوم الأمّهات في ليلة المولد بتخضيب أيادي أطفالهن بالحناء وتشعل الشموع· ويؤكّد الباحث أن هذه المظاهر ما هي إلاّ "قطرة ماء في بحر" إذا ما قورنت بما كان يتمّ أثناء هذه المناسبة قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر، داعيا إلى الحفاظ على هذه العادات وإثراءها· وبعيدا عن مصر والجزائر وقلّة من البلدان الإسلامية، فإن العديد من الأشخاص الذين زاروا بلدانا عربية أخرى أكّدوا أن مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة تكاد لا تلاحظ·