عندما شرع الدين الإسلامي الزواج سعى إلى الحفاظ عليه من جميع جوانبه؛ من أجل المحافظة على استمراريته وبقائه، وحتى يملأ جوانبه المودة والسكن، ولكن هناك من السلوكيات التي يقوم بها الزوجان ويجهلان ما يمكن أن يترتب عليها من مشاكل جسيمة على الجانب الاجتماعي ومخالفات شرعية على الجانب الفقهي. وتأتي على رأسها ما يقوم به بعض الأزواج من إفشاء لأسرار العلاقات الزوجية الخاصة بين أصدقائهم وجيرانهم، وكلما جاءت فرصة لتجمعات كثرت المناقشات والحكاوي عن مثل هذه الأمور كما لو كانت أمورا عادية! فإذا كان من الأمانة أن يحفظ المرء كلام من يحدثه حديثًا وهو يعتبره من الأسرار، فإن من الأولى أن تكون أسرار »الفراش« محاطة بسياج من الكتمان، والله »حيي ستير« يحب الحياء والستر. والخيانة عكس الأمانة، وقد عدها الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي في كتابه »الكبائر« من الكبائر، وقال في شأن الخيانة: قال الله تعالى: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ«. الأنفال:27 مع إفشاء هذه الأسرار تنكشف أسرار البيوت، وتجعلها على ألسنة العامة، يعرفون عنها أكثر مما يعرف ساكنوها، فتتلطخ حرمات البيوت، ويرتفع عنها الأمن والسكينة، ويسهل بذلك عوامل الهدم والتصدع! ولعظم هذا الفعل تقول الدكتورة ماجدة محمود هزاع أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أنه محرم من المحرمات التي يأتي بها الزوجان حينما يفشيان أسرار العلاقات بينهما. ولجرم هذا الفعل شبّه الرسول الكريم من يأتي بمثل هذه الأفعال بالشيطان! فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: »لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟!«، فأرم القوم يعنى سكتوا ولم يجيبوا، فقلت: »أي والله يا رسول الله، إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون«. قال: »فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون«! وأضافت أستاذ الفقه المقارن أن الأساس في العلاقة الزوجية الستر كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: »ما رأيت منه ولا رأى مني«، مما يدل على الخلق العظيم وواجب الستر بين الزوجين، فما بالنا إذا كانت هذه الأمور على الملأ وأمام الجميع، فيجب على من يقوم بنشر هذه الأسرار الإسراع في التوبة والاستغفار وعدم الرجوع إلى مثل هذه الأفعال. وترى الدكتورة فتحية النادي أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية، أن من يقدم على مثل هذه الأفعال هو من قبيل خائن للأمانة، فتقول: »إن الأسرار الزوجية تُعد صورة من صور الأمانة التي يجب على المسلم حفظها وصيانتها وتأديتها على النحو الذي يرضي الله عنها«. وتأتي على قمة هذه الأمانات الأسرار بين الزوجين من أمور خاصة؛ فلا يجوز لأي منهما إفشاؤها؛ لأنها من أدق أنواع الأمانات التي يجب صيانتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها«. ومعنى الحديث أن من أعظم خيانة الأمانة خيانة الرجل الذي يفضي إلى امرأته، أي يصل إليها ويباشرها، ثم ينشر سرها وما جرى بينه وبينها من أمور الاستمتاع، لذا فإن فساد هذه الأسرار ونشرها يُعد من أعظم صور خيانة الأمانة. وترى الدكتورة مهجة غالب أستاذ ورئيس علوم القرى بكلية الدراسات الإسلامية، أن الأساس في العلاقة الزوجية المودة والسكن، فيقول الله تعالى: »وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً«. وأضافت أن المشرع جعل للزوجين واجبات وحقوقاً تأتي على رأسها حفظ الأسرار الزوجية بين الشريكين، لذا نجد أن الرسول شدَّد على حرمة هذا الفعل، ووصف السيدة والرجل اللذين يفشيان أسرارهما بالشيطان والشيطانة كما ورد بالحديث الشريف. والإنسان إذا نظر بعقله إلى الزوج الذي يفشي أسرار زوجته بدلا من أن يكون الحامي لها، سيجد أنه لا يستحق أن يكون في هذه المنزلة من تحمل مسؤولية أسرة وبيت وأولاد، لذا فنجد العادات والتقاليد تنفّر من هذه الأفعال، والأديان تحرمها، وتدعو غالب من يقومون بهذه الأفعال إلى التوبة وعدم الرجوع لهذا الأمر والاستغفار. وأكد الشيخ يوسف القرضاوي أن مثل هذه التصرفات من قبيل خيانة الأمانة؛ فلا يجوز للرجل أن ينشر سر زوجته خصوصاً في علاقات العشرة بينهما، ولا للمرأة أن تذيع أسرار العلاقة بينها وبين زوجها، فهذا من الأمانات الأدبية التي يجب رعايتُها.