(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) [ص: 9] 3 مرات الوهاب: الكثير المواهب والهبات المصيب بها مواقعها يقسِّمها على ما تقتضيه حكمتُه المتفضِّل والمنعم بالعطايا لا عن استحقاق عليه ولا طلب منه لثواب من أحد. والهبة: هي العطيةُ الخالية عن العوض. أثر الإيمان بالاسم: - الإقرار لله باسمه (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) هو في حقيقته ثناءٌ وتمجيدٌ لله فكان من دعاء أهل العلم الرَّاسخين فيه ممَّن عرفوا سرَّ مناجاة الله بأسمائه الحسنى: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8] سألوه الثباتَ والرَّحمةَ (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 7] ومعرفتُهم لهذا السِّرِّ جاءت تأسِّيًا منهم بدعاء الأنبياء. - حيث دعا سليمان ربَّه مضمِّنًا دعاءه اسمَ (الوهَّاب) (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَد مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [ص: 35] فاستجاب الله له (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ) [ص: 36] ثم قال - عز وجل: (هَذَا عَطَاؤُنَا) [ص: 39] حيث لم ينقص من عطائه في الآخرة (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَب ) [ص: 40]. - وكما أنَّ المُلكَ والسلطان هبةٌ من الله فالنُّبوَّةُ والكتاب هبةٌ من الله يختص بها من يشاء من عباده كما قال تعالى على لسان موسى - عليه السلام: (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء: 21]. - جاءت هبات الله للأنبياء في القرآن على صور عديدة فقد دعا إبراهيم - عليه السلام - ربَّه أن يعوِّضَه بالذُّرِّية عن قومه الذين كذَّبوه: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات: 100] فأجاب الله دعاءه: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) [إبراهيم: 39] فلمَّا حمد الله على نعمه زاده منها فرزقه حفيدَه يعقوب بن إسحاق وجعلهما من الأنبياء (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) [الأنعام: 84]. - وأشهرُ الأنبياء في دعاء الله بالذُّرِّيَّة زكريا - عليه السلام: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران: 38] ثم ألحَّ على الله بالدُّعاء بلسان حاله وهو أبلغ من المقال: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) [مريم: 5]. - قد يملك الخلقُ أن يهبوا مالًا في حال دون حال لكنَّهم لا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم ولا ولدًا لعقيم ولا هدى لضال ولا عافية لذي بلاء لأنَّ اللهَ هو مَن يملك جميع ذلك يَهَب ما يشاء لمن يشاء وأكثر الخلق إنَّما يهبون من أجل عوض ينالونه إما في الدنيا بمدح بين الناس أو طلبًا لمودة وإما لأجل الثواب في الآخرة.