أساطير كرة القدم الجزائرية (الحلقة الثالثة) الأسطورة رشيد مخلوفي.. غزال البحر الأبيض المتوسط بعد الراحل حسن لالماس وعبد الحميد صالحي سنتوقف في حلقة اليوم مع أسطورة من أساطير كرة القدم الجزائرية انه ابن مدينة عين الفوارة سطيف العالي رشيد مخلوفي الملقب بغزال البحر الأبيض المتوسط اللاعب الذي قال عنه أب الكرة الفرنسية ميشال هيدالغو: مخلوفي تحفة فنية رائعة أحسن من زيدان وبلاتيني .. ترى من هو رشيد مخلوفي وكيف شق طريقه إلى عالم الشهرة في زمن المستعمر ولماذا يصفه النقاد الرياضيين انه بيلي عصره؟ تلكم من بين الأسئلة التي سنجيبكم عنها في حلقة هذا العدد. ولد في 12 أوت 1936 هكذا نجا مخلوفي من الموت على يد فرنسا ولد رشيد مخلوفي في 12 أوت 1936 بمدينة سطيف بعد بلوغه على غرار جل الشباب الجزائري بدأ رشيد مخلوفي مداعبة الكرة بين الأزقة والأحياء وعمره لا يتعدى الثامنة كانت كرة القدم شغله الشاغل لا ينام الا أن يقبلها. في غمرة حبه لكرة القدم شهدت الكثير من المدن الجزائرية الشرقية وفي مقدمتهم مدينة عين الفوارة سطيف موجة عارمة من الاحتجاج ضد السياسة التي كان ينتهجها آنذاك المستعمر الفرنسي في حق الشعب الجزائري. الصغير شيد مخلوفي لم يكن يتعدى من العمر التاسعة خلال أحداث الثامن ماي 1945 ورغم ذلك فقد خرج وبعفوية رفقة أبناء حييه إلى الشوارع للتظاهر الأمر الذي كان أن يودي بحياته جراء القتل والدمار الذي تعرض له الجزائريون آنذاك حيث لم يرحم البوليس الفرنسي كل من وجده في الطريق فقتل الكبير والصغير الأطفال والنساء. يحكي رشيد مخلوفي ورغم صغر سنه آنذاك إلا أنه لازال يتذكر تلك المشاهد المروعة كيف خرج إلى شوارع مدينة سطيف وهو يردد الجزائر جزائرية تسقط فرنسا وهي الكلمات التي كادت أن تودي بحياته لولا لم يمسكه أحد الشباب على بعد مترين من دبابة العدو التي كادت أن تدوسه بعجلاتها الحديدية. ولعه بكرة القدم أبعده عن مقاعد التعليم من شوارع سطيف.. إلى فريق الاتحاد لم تمنع الصور البشعة ابن الهضاب العليا من مواصلة حبه وعشقه بمحبوبته الأبدية كرة القدم ويقول رشيد مخلوفي في حوار مطول يروي سيرة حياته لمجلة فرانس فوتبول الصادرة بتاريخ 12مارس 1974 حبي وولعي لكرة القدم جعلني ابتعد عن مقاعد التعليم فرغم الظروف المعيشية لعائلتي آنذاك الا أن والدي رحمه الله كان يكد ويتعب من اجل تعليمي لكن جميع محاولاته باءت بالفشل إلى أن استسلم والدي للأمر الواقع وتركني على حالي الأمر الذي أعطاني الحرية التامة في تفجير طاقتي المكبوتة فكنت نجم فريق الحي الذي أسكنه . تألق رشيد مخلوفي في مباريات مابين الأحياء كان بمثابة الطريق وجسر عبور إلى فريق الاتحاد السطايفي الذي كان يعد آنذاك احد أقطاب الكرة الجزائرية. أول إجازة رسمية لرشيد مخلوفي في مسيرته الكروية كانت ضمن أشبال الاتحاد السطايفي وعمره لا يتعدى الرابعة عشر لكن وبالرغم من بنيته الفورمولوجية الضعيفة حيث يقول رشيد مخلوفي عن تلك الأيام ودائما لمجلة فرانس فوتبول كان وزني لا يتعدى الثلاثين كلغرام لكن كنت أمتاز بالسرعة الفائقة الأمر الذي عوضت ضعف بنيتي . مدرجات قصاب كانت تمتلئ في الحصص التدريبية من أجله ثلاثة مواسم في الاتحاد السطايفي ثلاث مواسم في الاتحاد السطايفي ال USMS كانت كافية لرشيد مخلوفي أن يبهر المتتبعين خاصة الفرنسيين منهم فرغم قلة وسائل الإعلام آنذاك إلا أن مخلوفي استطاع أن يفرض مكانته في الكرة الجزائرية حيث بات محل إعجاب الجميع إلى درجة ان ملعب قصاب كان يملئ عن آخره في الحصص التدربيبة لفريق الاتحاد لا لشيء وإنما لرؤية ذلك الشبل الصغير رشيد مخلوفي خاصة وانه كان يتفنن حتى في الحصص التدريبية الأمر الذي كان ينال رضا الجميع. في مثل هذه الأيام من سنة 1994 مخلوفي.. من عين الفوارة إلى سانت إيتيان يعد أن تمكن رشيد مخلوفي من فرض مكانته في الاتحاد السطايفي وسنه لم يتجاوز الثامنة عشر وكان وراء انتقاله إلى فرنسا غيوفروي غويشارد الذي كان يعد آنذاك اختصاص في اكتشاف المواهب الشابة في دول المغرب العربي. كان من البديهي أن ينال رضا الفرنسيين فمباشرة بعد انتهاء الموسم الرياضي 1953/1954 إقترحه أحد لاعبي سان إيتيان على مدرب الفريق المشهور جان سنيلا سنة 1954 وبعد إجرائه التجارب لنصف ساعة فقط تمكن مع إمضاء العقد مع نادي سان إيتيان وعمره 18 سنة. شهرة مخلوفي رافقته إلى فرنسا قبل إمضائه على العقد حيث تكلمت عنه كبريات الصحف والمجلات المختصة وفي مقدمتها مجلة فرانس فوتبول حيث أوردت في موضوع مطول في العدد الصادر في الرابع من شهر جويلية عام 1954 رشيد مخلوفي نجم فرنسا الصاعد أول مقابلة لرشيد مخلوفي مع نادي سانت ايتيان كانت ضد نادي تور وتألق بشكل لافت للانتباه وسجل 3 أهداف كما أهدى لسانت ايتيان. لم يجد صعوبة في التأقلم مع أجواء الاحتراف الغزال الذي أفرح أنصار سانت ايتيان على عكس الكثير من اللاعبين المغتربين لم يجد رشيد مخلوفي أدنى صعوبة في التأقلم مع أجواء الاحتراف فرغم أن الفريق الذي أمضى له اسمه نادي سانت ايتيان وما أدراك بهذا النادي آنذاك إلا أن مخلوفي فرض نفسه وبات في ظرف جد قصير اللاعب الذي يهابه الحراس والمدافعون.. كان مخلوفي مهاجما خطيرا وقناصا بارعا يسجل الأهداف كما يحلو له تارة بالرجل اليمنى وتارة بالرجل اليسرى وتارة برأسه حتى سمي بغزال البحر الأبيض المتوسط كما سماه البعض بالشبح حيث كان يستحيل على أي لاعب مراقبته مما مكنه من إهداء أصحاب اللون الأخضر والأبيض لقب البطولة الفرنسية أكثر من مرة لكن أول لقب حاز عليه ابن الهضاب العليا كان في عام 1957 لقب الدوري الفرنسي وقبل ذلك توج بلقب أحسن هداف لنادي سانت ايتيان رغم أن عمره كان لا يتعدى العشرين مما أسال لعاب الساهرين على المنتخب الفرنسي وبما أن الجزائر كانت تحت رحمة فرنسا المستعمرة كان من البديهي أن تتم المناداة لمخلوفي لتدعيم منتخب الديكة استعدادا لمونديال 1958 الذي احتضنته السويد. لعب 4 مقابلات مع المنتخب الفرنسي مخلوفي في منتخب الديّكة لم يتأخر رشيد مخلوفي للعب للمنتخب الفرنسي حيث حمل الرقم 10 وهو في الثاني والعشرين من العمر حيث لعب 4 مقابلات مع المنتخب الفرنسي بين سنتي 1956 و1957 وكان أحد أكبر آمال الكرة الفرنسية قبيل كأس العالم 1958بالسويد توجيه الدعوة لرشيد مخلوفي إلى المنتخب الفرنسي لم يفاجئ أحدا فهو هداف فريقه سانت ايتيان والدوري المحلي حظي رشيد مخلوفي أمام المنتخب الفرنسي بإشادة جميع الفرنسيين حيث لم يخل أي لقاء لعبه مخلوفي الا وتغنوا به خاصة وأنه لم يبخلهم بفنياته الرائعة وبأهدافه الجميلة. ذات يوم تعرض رشيد مخلوفي إلى إصابة على مستوى الكتف ليحدث حالة من الطوارئ لدى الفرنسيين إلى درجة ان بعض الصحافيين طالب بمعاقبة المعتدي على مخلوفي بحرمانه من اللعب إلى غاية نهاية الموسم. مخلوفي يفضل منتخب الجبهة في عز التألق في عز تألق رشيد مخلوفي سواء مع فريقه نادي سانت ايتيان أو مع المنتخب الفرنسي وقبل شهرين من انطلاق نهائيات كأس العالم بالسويد وبالضبط في 14 أفريل 1958 قرر رشيد مخلوفي الالتحاق بفريق جبهة التحرير الوطني مفاجئا بذلك الرأي العام الفرنسي وذلك استجابة منه لنداء الوطن حيث فضل التضحية بمستقبله كلاعب حبا في الوطن والتزاما بندائه. ولقد حذى حذوه لاعبون جزائريون آخرون ينشطون في البطولة الفرنسية واقتصر نشاطهم بعد ذلك على إجراء مباريات ودية عبر العالم للتعريف بالقضية الجزائرية حتى الاستقلال. بعد الاستقلال العودة إلى سانت إيتيان بعد الاستقلال عاد اللاعبون الجزائريون إلى البطولة الفرنسية ولدى دخول مخلوفي للملعب تخوف الكثير من ردة فعل الأنصار تجاهه بعد مغادرته المنتخب الفرنسي لكن العكس حدث فعند أول لمسة له للكرة انفجر الملعب كله لأنه فرحا بعودته للنادي ورغم نقص المنافسة لمدة تجاوزت الأربع سنوات إلا أنه لم يفقد شيئا من فنياته ومهاراته حيث أعاد البسمة لأنصار الفريق الأخضر والأبيض بمرور الوقت أصبح رشيد مخلوفي محبوب الجمهور بسانت إيتيان. في الموسم الموالي 1963/1964 أضاف رشيد مخلوفي لقبا آخر في سجله وهو البطولة الفرنسية ليتحصل على لقب أفضل لاعب بفرنسا متفوقا على الكثير من اللاعبين وكانت من أقوى الأندية هجوما بتسجيل 53 هدفا أضاف ابن سطيف العالي في موسم 1966 / 1967 لقبين دفعة واحدة الدوري الفرنسي وكأس فرنسا بتغلب سانت ايتيان على بوردو. بالرغم من مرور أكثر من أربعين سنة على مغادرته لنادي سانت ايتيان الا أن رشيد مخلوفي لا يزال إلى حد الآن يعد هداف الفريق لكل الأوقات حيث سجل 106 أهداف في 213 مقابلة لعبها منها 104 أهداف في 205 مباريات في البطولة الفرنسية وهدفان في كأس أوروبا للأندية البطلة حيث لعب 8 مقابلات. في صائفة 1968 في باستيا.. بداية خريف مخلوفي بالرغم من الإنجاز التاريخي الذي حققه لنادي سانت ايتيان في صائفة عام 1968 بانتزاعه الثنائية الدوري والكأس إلا أن رشيد مخلوفي قرر مغادرة فريق الأخضر والانتقال إلى نادي إلى باستيا حيث لعب له لموسمين بعدها أشرف على تدريبه لمدة سنة واحدة ليعلن في بداية السبعينيات اعتزاله الملاعب تاركا وراءه سجلا حافلا بالألقاب والكؤوس مع نادي سانت ايتيان لازالت جماهير هذا النادي تتذكره إلى يومنا هذا. من لاعب ومدرب في المنتخب الوطني مخلوفي رئيسا للفاف لعب رشيد مخلوفي إضافة لفريق الجبهة مع المنتخب الوطني وذلك في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات لكنه ونظرا لتقدمه في السن حيث كان على أبواب الخامسة والثلاثين اضطر الى اعتزاله الملاعب نهائيا ثلاث سنوات بعد الاعتزال عين رشيد مخلوفي مدربا للمنتخب الوطني العسكري وهو المنتخب الذي شكل النواة الحقيقة لمنتخب 1982. قاد رشيد مخلوفي المنتخب الوطني بامتياز الى منصة التتويج لدورة الألعاب البحر الأبيض المتوسط التي احتضنتها بلادنا عام 1975 حيث انتزع أول وآخر ميدالية لهذه الألعاب بعد الانتصار التاريخي على المنتخب الفرنسي ب3/2 بعد الوقت الإضافي. بعد تأهل المنتخب الوطني الى مونديال إسبانيا عام 1982 أسند لرشيد مخلوفي مهمة مدير فني للمنتخب لكن مباشرة بعد لقاء الشيلي قدم مخلوفي استقالته من منصبه لتكون آخر محطة له مع الخضر . انتخب رشيد مخلوفي عام 1988 رئيسا للاتحادية الجزائرية لكرة القدم لكن سرعان ما غادر قصر دالي إبراهيم بعد أن تأكد له أن بقائه على رأس الاتحادية مضيعة للوقت ليحمل حقائبه ويعود من حيث قدم الى تونس حيث تولى تدريب أكثر من نادي هناك. مخلوفي مدربا لنادي النجمة اللبناني وعضو في الاتحاد الإفريقي درب رشيد مخلوفي نادي النجمة اللبناني لأكثر من عشر سنوات حتى كاد يرتبط اسمه بهذا الفريق العريق في لبنان الشقيق قاده لسبع مرات متتالية الى انتزاع لقب الدوري اللبناني ليغادر عالم التدريب قبل اربع سنوات من ألان وقبل اعتزاله التدريب انتخب رشيد مخلوفي ضمن أعضاء الاتحاد الإفريقي لكرة القدم وذلك في دورة مالي عام 2000 ولا يزال ابن الهضاب العليا احد ركائز الاتحاد الإفريقي. في زمن النسيان اليونسكو تكرّم مخلوفي بوسام الاستحقاق رغم ما قدمه رشيد مخلوفي للكرة الجزائرية إلا أنه وللأسف منذ استقالته من على رأس الاتحادية الجزائرية في نهاية الثمانينيات تعرض إلى النسيان الأمر الذي جعل الكثير من الجزائريين يتناسوه. واعتراف منها لما قدمه للمنتخب الجزائري سلمت هيئة اليونيسكو لرشيد مخلوفي جائزتها الرياضية لسنة 2004 وذلك في الندوة الدولية الرابعة للتربية البدنية و الرياضة وقد أوضحت المنظمة التابعة للأمم المتحدة أن هذه الجائزة التي تم استحداثها سنة 2002 تمنح كل سنتين لأشخاص كمكافأة لهم على ما قدموه من خدمة للتربية البدنية وللرياضة. ويعد رشيد مخلوفي من أبرز لاعبي كرة القدم الجزائرية وكان عضوا في تشكيلة فريق جبهة التحرير الوطني قبل استقلال الجزائر ومدربا قاد المنتخب الجزائري للفوز بالميداليتين الذهبيتين لدورتي العاب البحر الأبيض المتوسط بالجزائر سنة 1975 والألعاب الإفريقية سنة 1978 بالجزائر أيضا كما كان ضمن الطاقم الفني الذي قاد المنتخب الوطني الجزائري خلال نهائيات كأس العالم لسنة 1982 بإسبانيا.