بقلم: عميرة أيسر* يتبنى دونالد ترامب منذ توليه سدَّة الحكم في الولاياتالمتحدةالأمريكية نفس القيم السِّياسية الليبرالية والأخلاقية التي أقام عليها سلفه المحافظ جورج بوش الابن فلسفته السِّياسية وأركان حكمه سواء فيما يتعلق برسم سياساته الداخلية أو الخارجية إذ أن البناء النظري لكلا الرئيسين اللذان خرجا من مشكاة مدرسة سياسية واحدة متوافق وهي المدرسة الشتراوسية التي ينتمي إليها أركان السِّياسة الأمريكية المحسوبين على تيار المسيحية المحافظة الجديدة أو تيار المحافظين الجدد كبول وولفوتيز أو ستيفن كابل أو حتى محرر جريدة ويكلي ستاندر وليام كريستل أو ستيفن هادلي أو المارشال بلنغسيا مساعد وزير الدفاع للعمليات الخاصة والضعيفة الشدة في عهد وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بالإضافة إلى كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي والصديقة الحميمة لجورج بوش الابن فهؤلاء الذين شكلوا أهم نقاط القوة في عملية اتخاذ القرارات الإستراتيجية في حكومة بوش الابن و تأثروا بفلسفة المدرسة الشتراوسية التي تؤكد بأن أعمال الفلاسفة القدماء وخاصة فيما يتعلق منها بالجوانب السِّياسية تحتوي على رموز سرية على الباحثين إعادة اكتشافها من جديد وإسقاط ذلك على رؤيتهم العميقة لكيفية صياغة السّياسة الخارجية الأمريكية والتي يجب أن تقوم على اعتبار القوة وكيفية استعمالها ببراعة أهم الوسائل التي يجب على الرؤساء أتباعها من أجل حماية الديمقراطيات الحرة من خطر التهديدات الخارجية سواء كانت تعود لدول أو منظمات إرهابية أو إجرامية مثلما جاء ذلك في كتاب الصحفي والكاتب والأكاديمي الأمريكي الشهير سيمور هيرش في كتابه المسمى القيادة الأمريكية العمياء من 11 أيلول إلى سجن أبو غريب وذلك في الصفحة رقم 214 باعتبار أن العالم كمكان تتعرض فيه الديمقراطيات التحررية المنفصلة لخطر داهم ودائم من طرف عناصر معادية في الخارج وتواجه تهديدات تجب مجابهتها بقوة وبقيادة قوية . فالمقاربة الأمنية في صياغة العلاقات الدولية التي اعتمد عليها جورج بوش الابن في شنّ حروبها ضدَّ كل من أفغانستانوالعراق بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م. هي نفس المقاربة التي يعتمد عليها كل من ديفيد فريدمان وجيرالد كوشنر و جيمس ماتيس وكل أركان إدارة ترامب من أجل تبرير سياساته الخارجية التي تقوم على الأحادية السِّياسية في فهم المواضيع الدولية والتعامل مع المنظومات والفواعل السِّياسية الأخرى سواء كانت عبارة عن منظمات دولية أو دول غربية صديقة أو دول تدخل ضمن نطاق وتعريفات ومحاور الشر الأمريكية وهي تلك السمات الكلاسيكية التقليدية لدى المحافظين الجدد فكل من لا يؤيد الرؤية الأمريكية للمقاربات الإستراتيجية السِّياسية أو الاقتصادية أو حتى العسكرية لترامب ويبدي نوعاً من الاستقلالية الذاتية في عملية اتخاذ القرارات المصلحية السِّياسية الوطنية للدول يكون مصيره تسليط العقوبات العسكرية والاقتصادية عليه كما هو الحال بالنسبة لفنزويلا أو كوريا الشمالية أو الصين وحتى دول الاتحاد الأوروبي وكندا اللذان يعتبران منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من التوابع الكيانية التي تدور في فلك الإستراتيجية الأمريكية الدولية لرسم سياسة العالم بما يتماشى مع مصالح العم سام أو حتى التلويح بشنِّ الحروب ضد أعداء أمريكا التقليديين كإيران أو حزب الله مثلاً. فدونالد ترامب الذي قام باتخاذ العديد من القرارات الدولية ودون الرجوع إلى الشرعية الدولية كما فعل سلفه جورج بوش الابن عندما ذهب منفرداً إلى غزو العراق سنة 2003م ودون الحصول على تفوض من مجلس الأمن الدولي وذلك تحت البند السابع الذي يخول للدول الدائمة العضوية فيه شنَّ الحروب وبمباركة دولية وبالرغم من المعارضة الدولية الشديدة لهذا القرار وبالمثل فعل دونالد ترامب عندما انسحب من الاتفاق النووي مع إيران المعروف باتفاق 5+1 وهو الاتفاق الذي وقعه الرئيس الديمقراطي باراك أوباما كما أنه قام بإعلان القدس عاصمة أبدية للصهاينة بالرغم من الاعتراض الأممي على هكذا قرار ضارباً بذلك كل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية عرض الحائط ومكرساً بالتالي للنظرية الواقعية الميكيافلية في السِّياسة الخارجية الدولية والتي تؤكد بأن من يمتلك القوة السِّياسية أو الاقتصادية أو العسكرية هو فقط من يحق له توجيه دقة السِّياسية الدولية بما يخدم مصلحة دولته القومية وهي النظرية التي يطبقها ترامب حالياً وقبله بوش الابن وبحذافيرها. وبالرغم من الشبهات السِّياسية والضغوطات الإعلامية التي يتعرض لها ترامب فيما يخص شبهات تحول حوله وحول الكثير من المسئولين الكبار في البيت الأبيض فيما يخص تلقيهم رشاوى وعمولات مالية نقدية كبيرة من منظمات يهودية صهيونية كمنظمة آيباك في مقابل إعلان القدس عاصمة أبدية لإسرائيل أو في ما يخص تعاونهم مع المخابرات الروسية لإنجاح ترامب لكي يصل إلى سدَّة الحكم في واشنطن وبالمثل لاحقت العديد من التهم أركان قيادة جورج بوش الابن ومن بينهم مالك شركة هاليبرتون البترولية ديك تشيني بأنهم ذهبوا للحرب مع العراق بدون تفويض دولي ومع علمهم بعدم وجود أسلحة الدمار الشامل ولكن إرضاء للوبي المالي النفطي في أمريكا. فترامب إذن ينتهج نفس سياسة بوش الابن فيما يتعلق باعتبار أن القوة وحدها هي التي يجب أن تكون لغة التخاطب في السِّياسة الخارجية الدولية وهو مستمر في انتهاج نفس السياسة رغم كل الانتقادات وتهم الفساد التي تطاله كما فعل جورج بوش الابن تماماً مادام أن المجتمع الدولي بكل فواعله السِّياسية ومنظوماته القانونية الردعية عاجز عن التصدي له ولمخططاته الامبريالية التوسعية في الكثير من مناطق العالم المهمة وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط.