لو لم يكن لفرنسا في حقّ الشعب الجزائري إلاّ جريمة 8 ماي 1945 لكفاها لأن تدان وأن يقتصّ منها، بل وأن تحارب وتقاتل ردّا لكرامة ودماء الأبرياء الذين قضوا غدرا وغيلة وإن اعتذرت على رأس الأشهاد، لقد تجاوزت جريمتها جميع الخطوط وفاقت جميع الجرائم التي ارتكبت على مرّ العصور والدهور وفي جميع الأمصار وعلى امتداد الكرة الأرضية حتى أن أثارها مازالت بادية للعيان ويشهد بها البشر والحجر والشجر، ناهيك عن التاريخ الذي يعدّ خير شاهد على المجزرة المروعة في حقّ الآمنين من الرجال والنّساء والأطفال والحيوانات· لكن لفرنسا آلاف الجرائم منذ أن وطئت أقدام عساكرها النّجسة تراب أرضنا الطيّبة، لا تحصى ولا تعدّ كان آخرها ما ارتكب خلال الثورة التحريرية المباركة، والتي ذهب جرّاءها فداء للوطن مليون ونصف المليون من الشهداء وما زالت الألغام المزروعة هنا وهناك من مخلّفات الحقبة الاستدمارية الفرنسية تقتل الجزائريين من حين إلى آخر إلى اليوم· فكيف ننسى كلّ هؤلاء؟ وكيف نغفر لفرنسا جرائمها التي تعدّ تصفية وإبادة للجنس البشري، وبالتحديد كلّ ما هو جزائري وعربي مسلم تعرّض للتنكيل والقتل والحرق دون هوادة ودون أدنى رحمة؟ ومن يقرأ تاريخ تلك المرحلة الهامّة في مسار الحركة الوطنية الجزائرية ونضال الشعب الجزائري يعرف جليا ويدرك مدى الحقد الذي كانت تكّنه فرنسا لهذا الوطن· مهما اعتذرت فرنسا وكانت بيننا علاقات لا يمكن أن نطوي هذه الصفحة أو ننسى تلك الجرائم، إنها جراح عميقة غائرة في قلب كلّ جزائري وطني حرّ لا يرضى عن هذا الوطن بديلا مهما كانت الصعاب ومهما كانت المغريات، خاصّة اليوم، حيث يتكالب أعداء الأمس على أجزاء من الوطن العربي وقد يحاولون وسوف يرون منّا ما لم يروه من أجدادنا وآبائنا الذين حرّروا هذا البلد الأمين وحافظوا عليه كاملا متكاملا واحدا موحّدا، وكذلك نبقى ونفعل فوق ما فعلوا، واللّه على ما نقول شهيدا·