بقلم: عميرة أيسر يعيش رئيس الوزراء الصهيوني حالياً أزمة سياسية إقليمية وداخلية غير مسبوقة وخاصة مع دول كانت تعتبر حتى وقت قريب من أهم حلفائه في المنطقة كالأردن أو تركيا أو روسيا التي كانت تغض الطرف ولو ضمنياً على الهجمات الصاروخية التي كانت تقوم بها طائرات العدو الصهيوني فوق الأجواء السورية مستهدفة قوافل الصواريخ والأسلحة الإيرانية المتجهة لحزب الله اللبناني الذي وباعتراف صهيوني أصبح رقماً صعباً جداً في المعادلات السِّياسية والإقليمية الجيواستراتيجية في المنطقة بل أضحى جيشه المكون من أكثر من 50 ألف مقاتل ثاني أقوى جيش منظم ومسلح بعد الجيش الصهيوني في الشرق الأوسط فالصهاينة قاموا منذ سنة 2011م بمئات الطلعات الجوية في سوريا والتي غضت عنها موسكو الطرف ضمنياً لأنها كانت حتى وقت قريب تتفهم حاجة تل أبيب في الحفاظ على معادلات الردع الإستراتيجية القائمة بينها بين حزب الله في سوريا ولبنان ولكن بعد أن قامت الطائرات الإسرائيلية باستهداف الدفاعات الأرضية الجوية السورية والتي وعد وزير الحرب الصهيوني أفيغدور ليبرمان بتدميرها بالكامل وأدت إلى ردِّ سوري بصواريخ أس 200 القديمة الطراز نوعاً ما والتي يتجاوز مداها 300 كلم تقريباً وكانت الحصيلة هي تدمير طائرة تجسس روسية من نوع أيل 20 ومقتل كل طاقمها والبالغ عددهم 15 ضابطاً استخباراتياً وهذا ما أدى إلى غضب روسي مزلزل لم يطفئه قيام نتنياهو بإيفاد قائد سلاح الجو الصهيوني رفقة وفد عسكري رفيع للعاصمة الروسية موسكو ولقائه بوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو فاللقاء الذي لم يدم سوى 20 دقيقة كان عال النبرة وفهم منه الجانب الصهيوني بأن الروس لم يغفروا لهم فعلتهم هذه وسيجعلونهم يدفعون ثمنها غالياً والبداية كانت بتعهد الجانب الروسي بتسليم السوريين منظومة صواريخ آس 300 الباليستية وهذا ما كانت تعارضه إسرائيل بشدَّة بالإضافة إلى تحذير الإسرائيليين من مغبة استهداف الأراضي السورية مرة أخرى دون علم الروس والتنسيق معهم وكذلك قيام الجانب الروسي بتدريب كوادر الدفاع الجوي السوري على استخدام أحدث تقنيات الرصد وجمع المعلومات و ذلك من أجل التصدي الناجح مستقبلاً لمناورات الطائرات الصهيونية وربما إلغاء اتفاقية التعاون الاستخباراتي والأمني الموقعة قبل سنوات بين الجانبين الصهيوني والروسي. فنتنياهو الذي يعيش في حالة هلع وقلق داخلي بسبب المطالبات المتكررة من طرف زعماء المعارضة له بتقديم استقالته بعد إخفاقه في تنفيذ وعوده الانتخابية وازدياد السخط ضدَّه بعد إقرار الكنيست مشروع القومية الجديد والذي سيجرد مئات الآلاف من المواطنين الصهاينة من جنسياتهم ويحرمهم من حقهم في العمل في وظائف معينة فالقانون الذي صوت لصالحه حوالي 62 نائباً في الكنيست مقابل معارضة 55 نائباً يحصر الشعب الصهيوني في الطائفة اليهودية فقط وبالتالي فهذا القانون الذي كرس العنصرية الممارسة ضمنياً منذ أكثر من 70 عاما ضدَّهم وشرعنها قانوناً ينفي عن عرب 1948م وأكثر من 100 ألف درزي صفة كونهم من سكان شعب الكيان الصهيوني فالمحكمة العليا في إسرائيل ملزمة قانوناً بتفضيل الهوية القومية اليهودية عن القيم الديمقراطية في حال وقوع تضارب بينهما في الواقع وهذا ما سيحرمهم بالتأكيد من ممارسات كافة حقوقهم الاجتماعية والسِّياسية المضمونة لهم قانوناً. و كذلك فإن هذا القانون يعترف باللغة العبرية لغة وحيدة رسمية للدولة ويقصي العربية تماماً من التداول على نطاق واسع داخل مؤسسات الكيان الصهيوني كما كانت قبل إقرار هذا القانون ويشجع الاستيطان ويدعمه ويشرعنه. وهذا ما أثار حفيظة النواب العرب داخل الكنيست وقاموا بتمزيقه علناً. بالإضافة إلى الخلاف الحكومي الداخلي بين من يريد الحسم في غزة وبين من يريد التهدئة السِّياسية وتخفيف الضغط على القطاع المحاصر منذ سنوات خوفاً من انفجاره الكارثي ويأتي كل هذا بالتزامن مع الانسداد الكبير في الوضع داخل الكابين الحكومي المصغر بعد رفض الجانب الأردني إقامة منطقة فدرالية صهيونية فلسطينية أردنية تكون لإسرائيل اليد الطولى فيها وهو الخلاف الذي توسع واشتد منذ إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها فنتنياهو الذي تلقى صفعة مدوية مؤخراً داخل مبنى الأممالمتحدة بعد أن فضح الإعلام الإيراني ادعاءاته الكاذبة بشأن مواقع مدنية عادية قال نتنياهو في خطابه الذي ألقاه في مقر مبنى تلك المؤسسة الأممية والتي تسيطر عليها واشنطن بأنها مصانع لإنتاج الأسلحة النووية وهو ما زاد من حجم الضغوطات الممارسة عليه داخلياً. إيران التي تعتبر من أهم أعداء تل أبيب في المنطقة والتي عقدت اتفاقا مع تركياوروسيا لتجاوز العقوبات الأمريكية التي تستهدفها بعد إلغاء الرئيس دونالد ترامب الاتفاق النووي معها من جانب واحد وتهديده لكل الدول التي تحاول اختراق تلك العقوبات بالويل والثبور وعظائم الأمور ترى في إسرائيل الخطر الرئيسي المهدد لبقاء نظامها السِّياسي الإسلامي في المنطقة وعدو الأمة الذي يحتل أماكنها المقدسة والذي قتل وشرد الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني وأزهق أرواح عشرات الآلاف من الجنود العرب في حروبها المتتالية مع دول الطوق العربي. فكل المؤشرات والدلائل وتورط نتنياهو في قضايا فساد أخلاقي ومالي وسياسي و الضغط الداخلي والإقليمي المستمر ضدَّه ومخالفة الكثير من ضباط المؤسسة العسكرية الكبار لأوامره الموجهة لهم بعدم تناول ما حدث مع الطائرة الروسية فوق الأجواء السورية إعلامياً أو تعليقهم على خطاب السَّيد حسن نصر الله الأخير الذي تحدى فيه إسرائيل علناً حين أعلن بأنها ستواجه ما لم تتوقعه إطلاقاَ إذا قررت شنَّ عدوان جديد على بلد الأرز وكشف في ذات السِّياق عن نقاط ضعف الكيان الصهيوني الكثيرة التي بات الحزب يعرفها أكثر من أي وقت مضى. تؤكد بأن الأزمات والمشاكل السِّياسية الكبرى التي تواجه نتنياهو حالياً قد تطيح به من رئاسة الوزراء وتنهي مستقبله السِّياسي قريباً كما يتوقع الكثيرون في إسرائيل ومنهم رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إيهود باراك.