بلغ عددُ المختلين عقلياً بداية سنة 2010 ثلاثمائة ألف مجنون، ولأن المستشفيات والمصحات اكتظت بشكل رهيب وصارت لا تستوعب المزيد فلم يبقَ أمام تلك الفئة من مكان يؤويهم إلاّ البيت أو الشارع، وهو ما صرنا نلاحظه يومياً، حيث نراهم في طرقاتنا معرضين إلى كافة أنواع الأخطار. لعل ما يجعل بعض عديمي الضمير يعتدون على تلك الفئة من البشر والتي لا حول ولا قوّة لها في رد الأذى عن نفسها، هو معرفتهم بأنها لن تستطيع التحدث أو الإبلاغ، بل قد لا تفهم شيئا مما حدث لها، ويصل الغباء بالبعض أن يحسبوا أن المختلين عقليا لا يشعرون بالاعتداءات التي تلحق بهم. وإن كان التحرش بالمختلين عقلياً الذين يجوبون الشوارع بثياب رثة، لا يعون لا ما يفعلون ولا ما يقولون عن طريق بعض التعليقات الساخرة التي يطلقها هذا أو ذاك، والتي قد تتطور أحيانا فتتحوّل إلى مناوشات باليد وربما الضرب كذلك، إن كانت كل تلك التصرفات قد صارت اعتيادية في مجتمعنا، لأنك إن رأيت »عاقلا« مجتمِعا إلى »مجنون« لحسبت أنّ العاقل مجنون والمجنون عاقل، وهناك بعض الممارسات تجعلنا نقف عند الأمر بشكل أكثر جدية وندق ناقوس الخطر، حيث أن تلك الفئة تتعرض لأكثر من مجرد المضايقات السخيفة، حيث تكون مطمعا للشواذ جنسيا، سواء بالنسبة للبنات أو الذكور، حيث لا يتوانى البعض من أن يمارس شذوذه على هؤلاء المساكين، ثمّ الهرب والتملص من المسؤولية، وقد يضيف على جريمته تلك جريمة التخلص من الضحية بالقتل أو حتى التهديد. بعض الأشخاص أبوا إلاّ أن يبلغونا عن تلك الممارسات حتى يفضحوا بعض عديمي الضمير، ومنهم السيدة »ق«، والتي وبقدر ما أبقت حكايتها أو حكاية ابنتها سرا في البداية، بقدر ما راحت بعد مرور مدة من وقوعها، تحاول أن تحكي تفاصيلها لجميع معارفها حتى يتعظوا ويحاربوا معها هذه الظاهرة الدخيلة، أو التي كانت وإلى وقت قريب دخيلة على مجتمعنا وطبائعنا. تقول »ق« إن ابنتها مختلة عقليا، وأنها ولاختلافها عن إخوتها وأخواتها أحبتها أكثر منهم، أو على الأقل أصّرت على أن توفر لها الرعاية اللازمة والضرورية بالنظر إلى حالتها، ولأنها كانت فائقة الجمال فقد كانت تخشى عليها من الشارع، لكنها مع ذلك رفضت أن تتركها سجينة في البيت، وكانت الفتاة التي بلغت سن الواحدة والعشرين كلما خرجت اعترض سبيلها بعض أبناء الحي، وهو الأمر الذي لاحظته الأم في إحدى المرات، لكنها مع ذلك لم تعتقد أن يجرؤ أحدهم على تجاوز حدوده والاعتداء عليها... إلى أن وقع المحظور. عادت الفتاة إلى أمها يوما تبكي وتنتحب، وفهمت الأم سريعا أنّ كارثة حلت بالعائلة، وبعدما أفحصت ابنتها أدركت ما وقع لها، فقامت بإجبارها على البوح لها باسم الفاعل، فأشارت لها بمكانه من الشرفة، حيث كان يجلس بكل وقاحة مع أبناء الحي كما لو أن شيئا لم يحدث، أو كما لو كان مطمئنا أنه لن يكشف أمره، ورغم ذلك فقد فضلت التزام الصمت خوفاً من الفضيحة ومشاكل أخرى، وبقت كذلك ثلاثة أشهر كاملة إلى أن اصطدمت مرة وهي عائدة إلى البيت بالجاني، وكان يتحرش بفتاة أخرى مختلة تسكن في الحي، وحينها قرت كشفه وأبلغت عنه حتى لا يرتكب جريمته في حق أخريات، كما قررت أن تحكي تفاصيل قصتها لجميع معارفها حتى يتعظوا، ويحاربوا معها هذه الظاهرة الدخيلة. وليس الذكور بمنأى عن هذه الظاهرة، فهم كذلك معرضون إلى مثل تلك الاعتداءات من طرف فئة الشواذ الذين يترصدونهم للاعتداء عليهم في الطرقات، وهو ما حدث ل»ن« المراهق المريض عقلياً، والذي اعتدى عليه شاب من الحي أكثر من مرة واحدة، ولم يكتشف أمره إلاّ بعد مدة، حيث سمع أخو المريض بالأمر، فرفع شكوى ضد الجاني والذي كان يهدد ضحيته حتى لا يكشف أمره، وهو ما جعل حالة »ن« تزداد سوءاً يوما بعد يوم، وتتشكل عنده أكثر من عقدة، فأصبح، وهو الذي كان يحب الخروج والبقاء في الشارع أطول مدة ممكنة يخاف الخروج إلى الناس، حتى لا يقابل أشخاصا مثل ذلك الذي اعتدى عليه، وهم وللأسف كثيرون.