ق. حنان قد لا يتوقف الحديث عن تجارة الأعشاب الطبية، ومدى الثقة التي تحظى بها لدى شريحة واسعة من الناس، انطلاقا من القاعدة التي يعتقد بها الكثير منهم، وهي أنها إن لم تنفع فلن تضر بكل تأكيد، والغريب أن بعضا منهم، يتناولها لعلاج كل ما قد يطرأ عليه من أعراض، دون العودة إلى استشارة الطبيب، هذا من جهة، أما من جهة أخرى، وهو الأدهى فان هنالك بعضا من المواطنين للأسف الشديد، لا يترددون في استعمالها لأبنائهم، حتى الرضع منهم، بدعوى أنها خلطات عشبية، تساعدهم على النوم، أو على معالجة بعض الإصابات كالإسهال أو الإمساك، أو آلام الأسنان، وما إلى غير ذلك من الحالات التي تصيب الأطفال عادة، إضافة أيضا إلى ما يمكن أن يوصف للام المرضعة، من خلطات أعشاب مختلفة، لدر الحليب، أو علاج عدد من الأمراض الأخرى، ولا يخفى على احد أن ما تتناوله الأم المرضعة، يمر مباشرة في حلبيها إلى طفلها، ويمكن أن يؤدي به إلى أضرار كثيرة، فيما يعتقد بعض الناس انه وبخلاف الأدوية الكيماوية، ليست للأعشاب أية أضرار جانبية. ولأنها أضحت مهنة من لا مهنة له، فإننا صرنا نصادف العديد من الأشخاص الذين فتحوا محلات في هذا الإطار، وهم لا يفقهون شيئا في عالم الأعشاب الطبية، هذا العالم الواسع، والمعقد أيضا، الذي يحتاج بدوره إلى دراسة وخبرة كبيرة، كما أصبحت طاولات البيع المنتشرة بالأسواق الشعبية، وعلى الأرصفة، اكبر من أن تعد أو تحصى، حيث يمارس أصحابها، تجارة الأعشاب والخلطات الطبيعية، دون حسيب أو رقيب. وان كانت مخاطر الخلطات العشبية الموجهة لاستهلاك الكبار، بدعوى علاج عدد من الأمراض الظاهرية والباطنية، حتى تلك التي عجز الطب الحديث عن إيجاد علاج فعال وناجع لها، يمكن تخيل مدى الضرر الذي تسببه للطفل أيضا، سواء كانت موجهة إلى استهلاكه المباشر، أو يكون تأثيرها عليه من خلال الحليب الذي يرضعه من والدته، وفي كل الأحوال، يؤكد الأطباء أن الأدوية ووصفات ما يعرف بالطب البديل تشكل خطرا على الأطفال بل وربما تكون مميتة إذا أخذت بديلا للأدوية الطبية التقليدية. وبخلاف ما هو شائع من انه لا وجود لعواقب أو آثار جانبية سلبية للأعشاب الطبية على صحة الطفل، على عكس الأدوية، فقد أثبتت الدراسات أن لوصفات الطب البديل تأثيرات جانبية أشد وأقوى وأن بعضها يعرض حياة الأطفال للخطر، بل إن بعضها مميت بالفعل، وهي غالبا الوصفات التي يتم توجيهها عادة لعلاج بعض مشاكل الجهاز المعوي وعسر الهضم، وغيرها. أما الأدهى من كل ذلك، فهو أن كثيرا من تلك الأعشاب والخلطات، يتم عادة شرائها، عن طريق كميات صغيرة بالميزان، من لدى هؤلاء الباعة، بناء على نصائحهم، وخبرتهم في الميدان، أو اقتنائها جاهزة في علب أو أكياس ورقية صغيرة، دون أن تحمل هذه الأخيرة أية إشارات عن محتوياتها النباتية ولا المركبات الكيميائية التي يعزى إليها التأثير الدوائي ولا نسب المواد الفعالة، كما لا يذكر عليها أي تحذير مثل استخدامها من قبل النساء الحوامل والمرضعات والأطفال ، وكذا تاريخ إنتاجها ومدة صلاحيتها، ولا حتى الجهة المنتجة لها، وهو ما يمكن أن يؤدي – في حال استعمالها بالنسبة للأطفال في سن حديثة جدا- وبطريقة عشوائية، إلى عدد من الإصابات والتعقيدات الصحية ، كمشكلات في النمو أو عدم تحمّل هضمي، وإقياءات معنّدة، و حساسيات أو اندفاعات جلدية، وكذا تأثيرات عصبية متعددة، خاصة وان هنالك بعض الخلطات التي تعطى كمهدئات للأطفال لتنويمهم ولا يدرك الأهل مخاطر الأعشاب على صحتهم كونها أعشاب طبيعية، والاعتقاد السائد أنها لن تضرهم في شيء، وان أجدادنا وآبائنا قد تربوا بها، ولم يحدث لهم شيء إطلاقا. وإذا ما علمنا أن كثيرا من العطارين وباعة الأعشاب الطبية والطبيعية، يجهلون التركيبات الخاصة بكل نبتة، وتفاعلاتها مع مكونات النباتات الأخرى، فلا يمكن بالتالي الثقة مطلقا بالخلطات العشوائية التي يقومون بصنعها وبيعها، ويكفي دليلا على جهلهم بنسب المكونات في كل عشبة، وضرورة احترام الكمية المحددة، استخدماهم في تحضير خلطاتهم حفنة اليدين أو قبضة اليد أو ملء الفنجان.