من القابلية للإستعمار إلى القابلية للتحضر.. نظرة في فكر مالك بن نبي
بقلم: نور الدين مباركي منطقيا مفهوم القابلية للإستعمار يفقد مسوغات وجوده بعد عمليات التحرر إلا أن هذا المفهوم الذي لم يعد المعلم والمعيار لفهم الذات العربية إلا انه يريد فرض وجوده الحاضر والمستقبلي بنظرة تاريخية في الفكر العربي حتى ان هذا الاخير لا يستغني عن هذاه القابلية وذلك نظرا لعدم الإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي في المنطقة العربية. هذا التوتر المستحدث من طرف القوى الغربية التي تفرض سياساتها وإديولوجيتها على الفكر العربي مما تدفعه إلى الإرتباط ايديولوجيا بذلك المفهوم والقابلية للإستعمار. في حين يجب علينا اليوم أن نفكر في مفهوم القابلية للتحضر لان هذا الأخير يفرض مسوغات وجوده عكس الاول حسب المفكر مالك بن نبي... كوننا نعيش الألفية الثالثة التي يسودها نوع من الوعي التاريخي والحضاري يدفع هذا الجيل إلى تأصيل ذاته وعصرنتها. من الناحية اللغوية إن مفهوم القابلية للإستعمار يحمل مغالطة لغوية واصطلاحية فكلمة استعمار مشتقة من فعل عمر يعمر ومنه التعمير والإستعمار ومن خلال المعنى اللغوي تصبح القابلية للإستعمار مفهوما إيجابيا لكونه يحقق معنى الإستخلاف. أما المعنى الذي أراده مالك بن نبي من خلال قصده هو القابلية للإحتلال والتي تعني الإستلاب وتقبل الهزيمة وغلبة الآخر تقبلا نفسيا وهذا ما استقاه المفكر من مقدمة ابن خلدون أن المغلوب مولع أبدا بالإقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحتله وسائر أحواله وعوائده والسبب في ذالك أن النفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب فإذا غالطت بذلك واتصل لها اعتقادا فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به . و بنظرتنا التي تتوافق ونظرة مالك بن نبي أرى أن الذات العربية سعت منذ استقلالها وانتزاع تحررها إلى تحقيق القفزة والتحول الإيجابي وأصبحت أكثر تحديا لأوضاعها الراهنة فبنظرة اجتماعية نرى أن جيل الألفية الثالثة يرغب في تشكيل مجتمع مدني جديد قائم على مبادئ حضارية تتناسب وطبيعة التحدي التي ينتجه وضعه الإجتماعي والعالمي معا. إن القابلية للتحضر هي تلك الرغبة ومحاولة توفير الطاقة الحيوية والروحية من أجل وضع الذات في وضع التحفز والتأهب للولوج إلى العالمية. إن الدخول للعالمية لن يكون إلا بتحررنا من تلك الاديولوجية والعقيدة المغلطة التي تشوش أفكارنا وتجعلها حبيسة الماضي والتاريخ الذي لا يتوانى عن الظهور والتدخل في كل مرحلة حتى أصبح أداة لتعطيل تقدمنا نحو المستقبل. ودخولنا للعالمية يكون أيضا وخاصة بفرض وجودنا الإجتماعي والسياسي والإقتصادي وهذه العوامل مرتبطة ببعضها البعض كارتباط العقل بالمنطق. فالمنطق هو تصور وهو عملية ذهنية تبين حقيقة ما على انها حقيقة مؤكدة أو بالدليل وهذا التأكد والتصور يحلله ويؤكده العقل هذا الإرتباط أساسي وطبعا هو عملية يمكن تسميتها بالآلية. فالرقي الإجتماعي والحضاري تسيره إيديولوجية ناشئة عن مبادئ وقيم وإن تكلمنا عن المبادئ والقيم فطبعا ليس هناك أفضل وأحسن معيار من القيم والمبادئ الإسلامية التي تكون الذات والروح وتزود العقل بكل المقومات والأفكار وبمعنى شامل تزوده بإديولوجية صحيحة وسليمة خالية من كل الشوائب والغموض الفكري.