الشيخ: قسول جلول في هذه الأيام المتأزمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا أزدهر سوق الكلام والمناقشات والتحاليل في القنوات والإذاعة وعلى المباشر كلها تهدف إلى توضيح واقناع المشاهد الكريم والمستمع الفاضل ينبع هذا الكلام من باب النصح تارة وأخرى من باب الإشاعات واضعاف الخصم حتى ولو بالكذب . كنا نخاف من كذبة أفريل ونقول للناس أنها عادة الكفرين فلا يجوز للمسلمين لكن هذه المرة الكذب طول السنة وهو السلعة الرائجة وبأثمان باهضة علما أن الكذب حرام في أفريل وفي غيره فإن الله تعالى ذكر الكذب في محكم كتابه في نحو مائتي آية كلها إما على سبيل الذم وإما على سبيل تبيان سوء عاقبة الفاعل. والكذب هو الإخبار بالشيء بخلاف ما هو عليه على وجه العلم والتعمد. وهو كبيرة تجر صاحبها -والعياذ بالله- إلى النار كما في الحديث المتفق عليه: إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً . ويؤدي إلى اللعن والطرد من رحمة الله قال تعالى: ( قتل الخراصون ) أي لعن الكذابون وقال (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) وهو من خصال أهل النفاق كما جاء في صحيح مسلم : آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان . وبالجملة فإن الكذب محرم.. وهو على عدة أقسام: منه الكذب على الله ورسوله وهذا متعاطيه مقعده محجوز له في النار كما في الحديث المتواتر : من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار . ومنه الكذب على الناس كي يضحكهم أو يجلب أنظارهم إليه ونحو ذلك ومنه أن يقول: رأيت في منامي كذا وهو كاذب وهذا قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري : من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل . والحديث عن الكذب يطول ولم يرخص في شيء منه إلا في مواطن ثلاث: في الحرب وإصلاح ذات البين وحديث الرجل إلى امرأته وحديث المرأة إلى زوجها كما في زيادة مسلم في حديث أم كلثوم حيث روى عنها أنها قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: تعني: الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. وأضرار الكذب لا شكّ بأنّ الله -تعالى- لم ينهَ عن فعل أو أنكره إلّا لقبح ذلك الفعل أو لسوء يلحق صاحبه وذلك ينطبق على الكذب وأهله أيضاً وزيادةٌ على أنّ الكاذب قد احتوى صفةً من صفات المنافقين فإنّ أضرار الكذب العائدة على الكاذب كثيرةٌ في الدنيا والآخرة انعدام الأمن والطمأنينة في الدنيا فإنّ الصدق طمأنينةٌ والكذب ريبةٌ وترقّبٌ وشكٌ واضطرابٌ وخوفٌ من انكشاف الحقيقة التي سعى الكاذب إلى إخفائها. الكذب يمرّض القلب فإنّ صاحبه يعاني من الضغط النفسي. الكذب يمحق البركة وينقص الرزق ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (فإن صَدَقَا وبَيَّنَا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما وإنْ كَتَمَا وكَذَّبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بيَعْهِمَا) فإنّ الكذب والخداع والتدليس سبب في محق الله -تعالى- البركة وإن كان البيع الظاهر رابحاً. الكذب يؤذي الملائكة ويبعدها عن الكاذب ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إذا كذب العبدُ تباعد الملَكُ عنه مِيلًا من نتنِ ما جاء به). الكذب سببٌ لبغض الناس وسببٌ لسقوط الكاذب من أعين الناس وضياع هيبته بينهم وهوانه عليهم وزهدهم فيه. الكذب يحرم صاحبه هداية الله -تعالى- وتوفيقه ودليل ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ). الكذب سببٌ لحلول اللعنة على صاحبه فتكون النتيجة بذلك الطرد من رحمة الله عزّ وجلّ ودليل ذلك قول الله تعالى: (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِين) الكذب يوصل صاحبه إلى الفجور وهو الميل عن الحقّ والاحتيال في رده ويرشد الكذب إلى سوء الخاتمة بسبب العادة السيئة التي تمسك بها صاحبها على الدوام فكانت عاقبة الكاذب أن يُختم له بسوء جزاءً لقبح عمله وما من شكّ أنّ تلك الدلالات توصل إلى خاتمة العذاب في الآخرة أيضاً فإنّ النبي _صلّى الله عليه وسلّم- قرن في حديثه بين من يكذب ويكون الكذب ديدنه وبين خاتمة السوء في الآخرة وهو عذاب جهنم ودليل ذلك قول النبي: (وإنَّ الكذِبَ يَهدي إلى الفُجورِ وإنَّ الفجورَ يَهدي إلى النَّارِ وإنَّ الرَّجُلَ ليَكذِبُ حتَّى يُكتَبَ عندَ اللَّهِ كذَّابًا). إنّ الله -تعالى- لا يكلم الكاذب ولا ينظر إليه يوم القيامة بغضاً له ولقبيح صنيعه ودليل ذلك قول الله تعالى: (ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم اللهُ يومَ القيامةِ ولا ينظرُ إليهم: رجلٌ حلف على سلعة لقد أعطى بها أكثرَ مما أعطى وهو كاذبٌ ورجلٌ حلف على يمين كاذبة بعد العصرِ ليقتطعَ بها مالَ امرئ مسلم ). أنواع الكذب إنّ للكذب أشكالٌ عديدةٌ أعظمها وأشدّها عقوبةً ونقمةً عند الله تعالى الكذب عليه سبحانه أو على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو كتاب الله وذلك لأنّه تشويهٌ للدين وتضليلٌ للحقّ وتجرّؤٌ على شرع الله تعالى ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْه شَيْءٌ) وفيما يأتي بيان بعض صور الكذب المختلفة: الخداع والاحتيال والتملق بالباطل وقد يكون سبب ذلك تحقيق مصالح شخصية أو إفساد ذات البين أو غير ذلك ولقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك النوع من الكذب حيث قال: (إنَّ شرَّ الناسِ ذو الوجهَينِ الذي يأتي هؤلاءِ بوجه وهؤلاءِ بوجه ) الكذب في البيع والشراء لتسويق سلعة أو كسب ربح دون وجه حق وقد ذُكر في ذلك ما يوضح عظم ذلك النوع من الكذب وتحريمه. شهادة الزور في المحاكم وإنّ ذلك من أشد أنواع الكذب لأنّ تلك الشهادة يترتب عليها إصدار أحكام بحقّ أشخاص فقد تُجرّم بريئاً أو تبرّئ مجرماً فتقلب الباطل حقاً ولقد عدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك النوع من الكذب من أكبر الكبائر التي قد يأتيها المرء. كذب الحاكم على رعيته وعدم بسْط الأمور بواقعيتها أمامهم فتقع الشعوب في الفتن والشائعات التي تضر بمصالحهم فيكون بذلك حاكمهم غاشاً لهم وقد حذّر النبي -عليه الصلاة والسلام- ولاة الأمور من ذلك الكذب والغشّ حيث قال: (ما مِن عبد يَسترعيهِ اللَّهُ رعيَّةً يموتُ يومَ يموتُ وَهوَ غاشٌّ لرعيَّتِهِ إلَّا حرَّمَ اللَّهُ علَيهِ الجنَّةَ). الكذب في الرؤيا فبعض الناس يروي كذباً أنّه رأى رؤيةً وذلك محرّمٌ في الإسلام لأنّه كذبٌ على الله عزّ وجلّ والرؤيا الصادقة هي رؤى الصالحين والمؤمنين فهي تعد جزءاً من ست وأربعين جزءاً من النبوة فلا يجوز لأحد أن يتأولها وهو لم يرها ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ من أَفْرَى الفِرَى أن يُرِي عينَه ما لم تَرَ)