خطبة المسجد النبوي: رمضان.. شهر تهذيب وتربية على الرحمة تحدّث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ عن فضل التحلّي بالقيم الأخلاقية والاتصاف بمحاسن الخلق التي حثّ عليها الدين الحنيف في التعاملات والممارسات بما يشيع الرحمة والمودة والألفة في المجتمع. وبيّن أن للقيم الأخلاقية والمبادئ في الإسلام القدر الأعظم والشأن الأتمّ حيث تواترت النصوص الشرعية بالحثّ على محاسن الأخلاق وجميل الخلال قال تعالى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم مشيراً إلى أن العبادات المشروعة على تنوّعها تحمل في مضامين مقاصدها وغاياتها المختلفة ما يبعث المسلم على التحلّي بالأخلاق الفضلى ويتّصف بالمثل العليا لتقوم حياة المجتمع ككل في إطار منظومة أخلاقية نبيلة وسجايا جميلة تجعله مجتمعاً سعيداً راقياً تعبق فيه الفضائل بشتى أشكالها والمكارم بمختلف صورها. وقال فضيلته: شهر رمضان شُرع فيه من العبادات والتقربات ما يربي النفوس ويزكيها ويهذّب الجوارح ويصلحها مما يعود على المسلمين جميعاً بتربية تقود إلى خير المسالك وأنبل القيم فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) متفق عليه. وأوضح أن في صوم رمضان تربية الخلق على البعد عن الرذائل المتنوعة والنأي بالنفس عن المساوئ والخلال القبيحة قال صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم). ولفت الشيخ حسين آل الشيخ النظر إلى أن في رمضان تربية المسلم على الرحمة بجميع صورها ومختلف أشكالها ومن مظاهر ذلك مما جاء فيه من فضل الصدقة وتفطير الصائم وإطعام الجائع وسدّ خلة المحتاج وبهذا يتذكّر المسلم أن صفة الرحمة بأوسع معانيها وأشمل صورها وأجمل مسالكها هي صفة يجب أن يتحلى بها في جميع أزمانه وتعاملاته كافة لقوله تعالى: ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (وترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) متفق عليه وفيها أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء). وبيّن فضيلته أن الرحمة صفة أخلاقية جليلة ومقصد عظيم من مقاصد التربية بسائر العبادات قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ وقال عز وجل: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ . وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن رمضان موطن لاجتماع الناس وتزاحمهم في صلوات الفرض والقيام وفي اجتماعهم على الإفطار وفي عبادة الاعتكاف وفي أداء العمرة فالواجب الحرص الأكيد على أن تظهر تلك المواطن أجمل صور التراحم والرفق والسكينة والطمأنينة وسائر التعاملات النبيلة والممارسات الجميلة التي تظهر عظمة هذا الدين العظيم. وأشار فضيلته إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر المؤمنين أن تنفك تصرفاتهم عن هذه الصفة الجميلة في جميع مواطنهم ومناشط حياتهم وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يرحم الله من لا يرحم الناس) متفق عليه إنه حين تغيب عن المسلم في تصرفاته وعلاقاته هذه المنظومة الجميلة يقع في الشقاء والخسار قال صلى الله عليه وسلم: (لاتنزع الرحمة إلا من شقيّ) رواه الترمذي. وأكد فضيلته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت إنه صلى الله عليه وسلم: (كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشدّ مئزره).