لمن ستكون الغلبة في الصراع على النفوذ في العالم؟ بقلم: إبراهيم نوار الصراع بين الولاياتالمتحدةوالصين في عصر القوة الرقمية ليس على شاكلة الصراع الذي كان بينها وبين الاتحاد السوفييتي في عصر القوة النووية. الآن أصبحت القوة الذكية التي أساسها المعرفة هي السلاح القادر على اختراق الحدود بلا حروب لا باردة ولا ساخنة بينما تحولت الحرب الباردة بما لها من أدوات مثل سباق التسلح والاستفزازات العسكرية والحروب بالوكالة ثم الحروب التجارية والتكنولوجية والعقوبات الاقتصادية إلى لعبة خاسرة تستنزف أصحابها. المعركة التي تخوضها البشرية الآن للسيطرة على وباء كوفيد – 19 تقدم لنا درسا تتجلى فيه مقومات القوة الذكية للصين في مواجهة الحرب الباردة المتعددة الأبعاد التي تخوضها الولاياتالمتحدة ضدها. مع بداية انتشار الفيروس في ووهان في شهر ديسمبر 2019 طلبت الصين من الولاياتالمتحدة رسميا إجراء فحص لاعضاء البعثة الرياضية العسكرية الأمريكية التي شاركت في بطولة العالم العسكرية التي أقيمت في ووهان في شهر أكتوبر. وقالت الصين إنه من الضروري فحص السجل الطبي للمشاركين في البطولة للحد من احتمال انتشار الفيروس في الولاياتالمتحدة. لكن الولاياتالمتحدة لم ترد على الطلب الصيني. في السياق نفسه تناولت وسائل إعلام عالمية منها (رويترز) تفاصيل واقعة تتعلق بخبيرة أمريكية متخصصة في الأوبئة والأمراض المتوطنة هي الدكتورة ليندا كويك كانت تعمل ممثلة مقيمة لدى مركز الرصد والوقاية من الأمراض في بكين بتكليف من المركز المناظر CDC الأمريكي. وبعد أن قررت الإدارة الأمريكية إلغاء وظيفتها فإنها غادرت الصين وعادت للولايات المتحدة في شهر يوليو من العام الماضي قبل بدء ظهور الفيروس. بعد ذلك كشف المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الصينية عن تفاصيل تتعلق بمركز أبحاث الفيروسات والمختبرات الطبية التابع للجيش الأمريكي في فورت ديتريك (ولاية ميريلاند) الذي تموله وزارة الدفاع الأمريكية لأغراض تطوير فيروسات وجراثيم يمكن استخدامها أسلحة في الحروب البيولوجية. وقالت الخارجية الصينية إن المعهد جرى إغلاقه في شهر يوليو 2019 بعد أن تسربت منه مواد ملوثة إلى مياه الصرف بسبب فشل نظام تنقية المياه من التلوث. الصين رصدت ان سكان المناطق القريبة من المعهد تعرضوا لموجة انفلونزا شديدة في شهر أغسطس أدت لإصابة اكثر من عشرة آلاف شخص. الولاياتالمتحدة لم ترد على طلب الصين. في 29 مارس انضمت روسيا إلى الصين في طلب توضيحات من الولاياتالمتحدة بخصوص معامل الفيروسات والأوبئة التابعة لوزارة الدفاع الامريكية وأبلغت الوزارة الصحافيين بشكوى ضد مختبرات الأوبئة والحرب البيولوجية التابعة للبنتاغون في مناطق قريبة من الأراضي الروسية. ولم ترد الولاياتالمتحدة حتى الآن. ومع بداية انتشار الفيروس خارج الصين وحتى قبل ظهور أول حالة إصابة في الولاياتالمتحدة فإن الرئيس الأمريكي قلل كثيرا من احتمالات تعرض الولاياتالمتحدة للخطر وعزا ذلك إلى الإجراءات القوية لمنع المهاجرين من دخول البلاد. ولكنه بعد ظهور إصابات في البلاد هاجم الحكومة الصينية بعنف واتهم الحزب الشيوعي الصيني بتعمد التأخر في إبلاغ العالم بخطر فيروس كورونا المستجد. منذ ذلك الوقت قامت الولاياتالمتحدة بتحويل الوباء الذي يجتاح العالم إلى سلاح سياسي ضد الصين يغذي الحرب الباردة الجديدة التي تستخدم فيها أسلحة أخرى مثل الحرب التجارية والتكنولوجية. وبدأ واضحا في شهر مارس أن أركان الإدارة الأمريكية والحزب الجمهوري وعلى وجه الخصوص الرئيس ووزير خارجيته يتوسعون في تشديد الهجوم على الصين بترويج اتهامات بمسؤوليتها عن إنتاج الفيروس ونشره في العالم. هذا الهجوم ما يزال حتى الآن ينطلق من محركات سياسية وليس من حقائق علمية ثابتة. وتجد واشنطن في توجيه تلك الاتهامات إلى الصين فرصة لإضعاف جاذبية النموذج الصيني في تحقيق التقدم الاقتصادي وإلقاء اللوم على الحزب الشيوعي الصيني وعلى النظام السياسي هناك بشكل عام. وفي سياق حملة الهجوم الأمريكي على الصين تم إنتاج مصطلحات هجومية سهلة التداول مثل الفيروس الصيني أو كونغ فلو – على غرار كونغ فو . ووصف مايك بومبيو الحزب الشيوعي الصيني بأنه الخطر المركزي الذي يواجهه العالم في الوقت الحاضر وأنه مايزال يخفى عن العالم الكثير من المعلومات عن الفيروس . هذه الاتهامات في حقيقة الأمر تعتبر امتدادا لمدرسة الحرب الباردة السابقة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي التي استمرت لمدة خمسة وأربعين عاما. وتسعى الولاياتالمتحدة من خلال استخدام أسلحة الحرب الباردة المعروفة وابتكار أسلحة جديدة إلى تخريب الصين من الداخل وتكوين رأي عام يحاصر الصين عالميا. وفي سياق هذه الحرب الباردة تقوم الولاياتالمتحدة بزيادة مجهودها العسكري في المحيط الهادي وتحريك الكثير من قطع الأسطول السابع إلى بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان ومضيق ملقا إضافة إلى تكثيف الطلعات الجوية ونشر صواريخ باليستية متوسطة المدى في بلاد تحيط بالصين مثل أستراليا وكوريا الجنوبية. التطور الأخير في الحرب الباردة يتمثل في صدور (قانون تايبيه) في 26 مارس لتأكيد مساندة الولاياتالمتحدة لحكومة تايوان ضد مبدأ (الصين الواحدة) الذي تلتزم به الصين في علاقاتها مع دول العالم. بهذا القانون الذي وافق عليه الكونغرس فإن الولاياتالمتحدة ستدخل في حرب دبلوماسية غير مباشرة مع الصين بفرض عقوبات على الدول التي تقطع علاقاتها مع تايوان من أجل إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين. لكن الدعم الدبلوماسي الأمريكي لتايوان ليس بلا ثمن ففي مقابله يتعين على تايوان ان تشتري المزيد من الأسلحة الأمريكية والسلع المختلفة بما فيها مواد الطاقة والسلع الزراعية. ورغم أن الولاياتالمتحدة بدأت في تغيير لهجتها الدبلوماسية تجاه الصين بعد قمة الفيديو كونفرانس لزعماء مجموعة العشرين حيث أجرى الرئيس الأمريكي في اليوم التالي اتصالا هاتفيا بالرئيس الصيني وأثنى على التقدم الذي أحرزته الصين في مكافحة فيروس كورونا المستجد وطلب زيادة التعاون بين البلدين في هذا المجال فإن الولاياتالمتحدة فتحت الباب على مصراعيه لمجال جديد من مجالات الحرب الباردة ضد الصين هو مجال تجارة الأدوية والمعدات الطبية المستخدمة في مكافحة وباء كورونا بدءا من مستلزمات الحماية والوقاية الشخصية مثل القفازات وأغطية الوجه إلى الأجهزة الطبية الأكثر تقدما في غرف العناية المركزة. ونظرا لأن الصين هي أكبر منتج في العالم لمستلزمات الوقاية الشخصية والأجهزة والمعدات الطبية فإن الولاياتالمتحدة تعتمد عليها في سد احتياجاتها من أقنعة الوجه الطبية بنسبة 42 بالمائة ومن أجهزة حماية الأنف والفم بنسبة 70 بالمائة ومن القفازات الطبية بنسبة 39 بالمائة. ولكن بسبب توقف المصانع الصينية كليا أو جزئيا خلال شهري يناير وفبراير فإن واردات الولاياتالمتحدة من الصين انخفضت بشدة ما أدى إلى نقص هذه المستلزمات وغيرها في المستشفيات الأمريكية. ويقدر معهد بيترسون للعلاقات الاقتصادية الدولية أن واردات قطاع الرعاية الصحية من الصين بلغت نحو 26 بالمائة خلال الشهرين المذكورين وأن هذه الواردات تشمل أيضا أجهزة متطورة للفحص والأشعة المقطعية وأجهزة التنفس الصناعي ومستلزمات غرف العناية المركزة. ونظرا لأن الدور العالمي للصين في تجارة الأدوية ومستلزمات الرعاية الصحية ينمو بمعدلات سريعة تعادل ضعف معدل النمو العالمي فإن الولاياتالمتحدة تخشي ان تستحوذ على نصيب أكبر من السوق بسبب احتياجات الوقاية والعلاج من الفيروس. وتبلغ قيمة التجارة العالمية في قطاع الرعاية الصحية حاليا أكثر من عشرة تريليونات دولار أي ما يعادل خمسة اضعاف تجارة السلاح العالمية. فإذا كان دونالد ترامب حريصا على حماية مصالح شركات السلاح الأمريكية ومبيعاتها حول العالم فإنه لا يقل حرصا على حماية مصالح شركات الرعاية الطبية الأمريكية حول العالم في هذا القطاع الحيوي. وتعتبر الصين منافسا خطيرا للشركات الأمريكية والاوروبية في مجال إنتاج الاجهزة الطبية الأكثر تقدما التي تستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الاتصال المباشر بين الأجهزة الطبية وبعضها وإجراء الجراحات عن بعد وابتكار وتطوير العلاج الجيني. ولذلك فإن النغمة الأمريكية الجديدة في الحرب الباردة ضد الصين تتمثل في اتهام الشركات الصينية بالعمل على التربح من انتشار الوباء فى العالم وتحقيق أرباح استثنائية من استخدام أنظمة العلاج التي تم استخدامها بنجاح خلال الأسابيع الأخيرة. الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدةوالصين لم تتوقف بسبب انتشار وباء كورونا لكن الملاحظ هو أنه بينما الولاياتالمتحدة مشغولة بالهجوم على الصين دبلوماسيا واعلاميا وبواسطة الاستفزازات العسكرية فإن الصين تظل مشغولة بتطوير تكنولوجيا جديدة لمكافحة الوباء فى الصين. ونطرا لأن نجاحها في هذا الميدان يعتبر سلاحا من أسلحة الحرب الذكية فإن الولاياتالمتحدة تحاول ان تجردها منه. فهل ستنجح الولاياتالمتحدة في حربها الباردة ضد الصين؟ ام ستنتصر الصين في حربها الذكية على الولايات المتحدة؟