قبل مئة عام في مؤتمر "سان ريمو" هكذا تقاسمت فرنساوبريطانيا كعكة الشرق الأوسط لا يكاد النقاش عن تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط بين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى يذكر حتى تذكر اتفاقيات سايكس بيكو التي وُقعت بين فرنساوبريطانيا وتضمنت خرائط الدول العربية الواقعة شرقي المتوسط عام 1916 وأخذت اسمها من المتفاوضيْن. ويقول بعض المؤرخين إن اتفاقية "سايكس بيكو" لم تتضمن رسم الحدود وإنما توزيع مناطق النفوذ، وفي المقابل فإن رسم الحدود الحالية للشرق الأوسط جرى بشكل كبير خلال مؤتمر سان ريمو الذي أنتج معاهدة سيفر في 10 اوت 1920. وقالت صحيفة لوموند الفرنسية إن فرنساوبريطانيا تقتسمان الشرق الأوسط منذ مئة عام، إلا أن هذه الذكرى المئوية لن تلقى اهتماما كبيرا لأن الذاكرة الجماعية تربط هذا التقاسم باتفاقيات سايكس بيكو التي أبرمت قبل ذلك بأربع سنوات. وأضافت الصحيفة أن تلك الاتفاقيات السرية التي تم توقيعها أثناء الحرب العالمية الأولى لم يتم تنفيذها قط، ولكن مؤتمر سان ريمو الدولي في افريل عام 1920، هو الذي تمت بموجبه القسمة، فحصلت فرنسا على سورياولبنان، وحصلت بريطانيا على فلسطينوالعراق. وبنهاية الحرب العالمية الأولى، أخلى اتفاق "سايكس–بيكو" مكانه لاتفاق "سان ريمو"، ولصيغة الانتداب التي طبقت في البلدان العربية المستحدثة في المشرق، ولم يبق منه عمليا سوى الترسيم المبدئي لحدود بلدان المشرق العربي. ولكن الحقيقة، رغم كل هذا الزخم، تقول المصادر، فإن اتفاقية "سايكس بيكو" لم تنفذ قط، بحيث بقيت سيطرة بريطانيا المباشرة محصورة في مناطق بغداد والبصرة وحدها من العراق، مع "منطقة نفوذ" أوسع، أما فرنسا، فكانت سيطرتها المباشرة محصورة في الساحل السوري اللبناني وجنوب شرق تركيا الحالية، كما كانت لديها "منطقة نفوذ" أكبر كذلك، أما فلسطين فكانت منطقة دولية. وأتاح وصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1917 الفرصة للكشف عن خفايا "سايكس بيكو"، مما أثار غضب الشعوب التي تمسها وأحرج فرنساوبريطانيا. وأشارت هذه التقارير، إلى أن هذه الاتفاقيات الفرنسية البريطانية التي أبرمت في ماي 1916 كانت تنتهك الالتزام الذي تعهدت به لندن وباريس قبل ذلك للقوميين العرب الذين وعدتهم بإنشاء "مملكة عربية" في دمشق تضم المحافظات "المحررة" من الدولة العثمانية. ومقابل هذا التعهد، انطلق تمرد عربي من شبه الجزيرة العربية في جوان عام 1916 وساهم بشكل فعال في حملة الحلفاء ضد الجيش العثماني، لكن بريطانيا أعطت وعدا في نوفمبر عام 1917 "بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، هو "وعد بلفور" الذي يتناقض مع الالتزامات التي تعهدت بها لباريس وللعرب. وعلى خلفية هذه الوعود الثلاثة المتناقضة، أنشأت المملكة المتحدة إدارتها العسكرية في الشرق الأوسط بعد أن استسلمت الإمبراطورية (دولة الخلافة) العثمانية في أكتوبرعام 1918 "أو أرغمت على ذلك". ومع أن الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون الذي وقف إلى جانب بريطانياوفرنسا عام 1917 في نهاية الصراع العالمي، دعا لإنشاء "عصبة الأمم" التي ستكرس حقوق الشعوب في تقرير المصير، فإن العزلة التي اجتاحت بلاده، غيبت واشنطن عن عصبة الأمم، وحوّلتها إلى داعم للأهداف الإمبريالية لباريس ولندن في الشرق الأوسط بدلا من تعزيز حقوق الشعوب. وبهذه الروح، انعقد مؤتمر في منتجع سان ريمو الإيطالي، من 19 إلى 26 افريل عام 1920، شاركت فيه وفود القيادة العليا للحلفاء التي لم تكترث باستقلال مملكة عربية كان قد أعلنت في دمشق قبل ذلك بشهر، وإنما كان همها ما ستعهد به عصبة الأمم من انتداب لفرنساوبريطانيا في الشرق الأوسط. وقالت ذات المصادر، إن الفلسفة من وراء هذا الانتداب كان نظريا دعم الدول المعنية للوصول إلى الاستقلال، ولكنه واقعيا كان فرض نوع جديد من الوصاية الاستعمارية، وقد تم بالفعل في 25 افريل 1920 حيث فوضت عصبة الأمملفرنسا في سورياولبريطانيا في العراقوفلسطين، استعدادا لمعاهدة السلام التي سيتم توقيعها لاحقا مع الدولة العثمانية. ومنذ جويلية 1920، انتقلت القوات الفرنسية من بيروت إلى سوريا لسحق القوميين في دمشق، لتقيم على أنقاض "مملكتهم العربية" دولة "لبنان الكبير" و"دولة دمشق" و"دولة حلب" و"دولة العلويين" و"دولة الدروز". وبقي الاستعماران الفرنسي والبريطاني مهيمنين على الشرق الأوسط حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، وأثناء الحرب تعهدت فرنسا باستقلال سورياولبنان الخاضعتين لانتدابها، بينما دعمت بريطانيا القومية العربية من ناحية وشجعت هجرة يهود أوروبا إلى فلسطين في الوقت ذاته، فاتحة لهم الباب لإنشاء الكيان الصهيوني عام 1948، في اليوم نفسه الذي أنهت فيه انتدابها على فلسطين!