بقلم: رياض معسعس* نالت معظم الدول العربية استقلالها ما بين العامين 1940 و1970 بعد أن تخلصت من استعمارين عثماني وأوروبي. خلال هذه الفترة أيضا كثيرة هي الدول التي نالت استقلالها أيضا ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: الصينالهندباكستان. هذه الدول دخلت النادي النووي وأحرزت تقدما كبيرا في كل المجالات. فالصين تعبر اليوم الدولة المنافسة لأمريكا أكبر وأقوى دولة في العالم وهي بالأمس (نالت الاستقلال عن الاستعمار البريطاني والياباني في العام 1949) كان الصيني إذا أراد أن يقول لصيني آخر صباح الخير يقول له: هل تناولت فطورك هذا الصباح؟ وكان الأفيون يفتك بملايين الصينيين. وبالطبع أيضا بالنسبة للهند وباكستان (نالت الاستقلال في العام 1947). التي كانت تعد من أفقر دول العالم وعدد سكانها اليوم يقارب عدد سكان الصين تعتبر كأكبر ديمقراطية في العالم ومن الاقتصاديات الناجحة والمتقدمة وكذلك الأمر بالنسبة للباكستان. *سنغافورة النمر الرابع من المؤكد أننا لا يمكننا مقارنة أي دولة عربية بهذه الدول رغم أن المقومات بينها وبين هذه الدول متقاربة إذا لم نقل متشابهة. ولكن هناك دول أخرى أيضا لا تقل أهمية حققت نجاحات باهرة اصطلح على تسميتها بالنمور الأربعة (كوريا الجنوبيةتايوان هونغ كونع سنغافورة). نأخذ منها أصغرها حجما: سنغافورة. تعتبر جزيرة سنغافورة دولة صغيرة في مساحتها (721 كم2) (مساحة سورية تساوي 240 ضعف مساحة سنغافورة) يقطنها حوالي ستة ملايين نسمة من أعراق مختلفة وهي بذلك من الدول الأكثر اكتظاظا بالسكان. يتكلمون أربع لغات منها الإنكليزية. وهي كجزيرة لا تملك من مقومات العيش سوى موقعها الاستراتيجي كمرفأ تجاري في شرق آسيا. وقعت سنغافورة تحت الاستعمار البريطاني في العام 1867 ونالت استقلالها في العام 1965 وكانت في وضع اقتصادي واجتماعي مزر. لي كوان يو الزعيم التاريخي للجزيرة وزعيم حزب العمل الشعبي والذي استلم الحكم قبيل الاستقلال (1959 1990) تبنى نهجا اقتصاديا ليبراليا (مزيج من الليبرالية والاشتراكية) يعتمد على الاستثمار الخارجي وتطوير التصنيع وخاصة في مجال المعلوماتية لدعم التجارة الخارجية. (هناك 7000 شركة أجنبية تعمل في سنغافورة وأكثر من 40000 شركة متعددة ومحلية صغيرة ومتوسطة) والمرفأ التجاري الذي بات اليوم مصنفا ثاني أكبر وأفضل مرفأ في العالم. ففي أقل من نصف قرن أصبحت سنغافورة من أكبر المراكز المالية والتجارية في العالم (خامس دولة من حيث الاحتياطي النقدي) ومن أغنى دول العالم مقارنة بدخل الفرد. إذا بات متوسط دخل الفرد حوالي 87000 دولار سنويا (حوالى 7000 دولار شهريا) (متوسط دخل الفرد في سورية أقل من 50 دولارا). وتاسع دولة عالميا من حيث الترتيب بالنسبة للنمو الاقتصادي (وصلت قيمة الناتج المحلي في العام 2018 إلى 375 مليار دولار) (أي ستة أضعاف الناتج المحلي السوري في أفضل حالاته الذي بلغ حوالي 60 مليار دولار في العام 2010) والاهتمام بالمواطنين بعد أن قضت على الفقر وبات 91 في المئة من الشعب يملكون منازلهم ويتمتعون بأفضل الخدمات التعليمية والصحية والمواصلات وطرقات وبالطبع بحرية الرأي والتعبير والنشاط السياسي ( تعتبر سنغافورة اليوم من الديمقراطيات الناجحة وقد تم في 2017 انتخاب أول رئيسة مسلمة للدولة: حليمة يعقوب). *النمر الخامس؟ أي دولة عربية يمكن أن نطلق عليها صفة النمر الخامس؟ (إذا ما استثنينا دول الخليج النفطية التي يعتمد اقتصادها على النفط والغاز بشكل أساسي) نجد أن مصر كأكبر دولة عربية لا يصل مستوى اقتصادها إلى مستوى سنغافورة رغم كل المقومات التي تملكها (قناة السويس السياحة الزراعة المواد الأولية..) إذ وصل الإنتاج المحلي في العام 2019 إلى 250 مليار دولار ودخل الفرد لا يتعدى 3000 دولار سنويا أي حوالي 250 دولارا شهريا. وتعاني من نسبة بطالة كبيرة 11 في المئة ونسبة الفقر فيها مرتفعة والبنية التحتية في حاجة إلى عملية تطوير كبيرة. فماذا عن الدول الأخرى كالمغرب التي وصل انتاجها المحلي في العام 2019 إلى 178 مليار دولار ودخل الفرد لا يتعدى 250 دولار شهريا ونسبة بطالة كبيرة أيضا. أما بالنسبة للدول الأخرى كتونس (الناتج المحلي 38 مليار دولار. دخل الفرد 250 دولارا) وموريتانيا (الناتج المحلي 6 مليار دولار دخل الفرد 100 دولار) السودان (الناتج المحلي 31 مليار دخل الفرد 60 دولارا) الأردن ( الناتج المحلي 42 مليار ودخل الفرد 350 دولارا) لبنان (26 مليار ومتوسط دخل الفرد قبل الأزمة حوالي 700 دولار وهو أفضل دخل في هذه الدول). وهذا لا نتكلم عن كل الخدمات التي لا تصل الى مستوى فقراء دول العالم الثالث كالتعليم والصحة والمواصلات والاتصالات وكل البنية التحتية ولا نتكلم عن الحرية السياسية ومشاركة الفرد ودولة المؤسسات والقانون وحرية الرأي والتعبير. سوريا وهنا الطامة الكبرى فبعد نصف قرن من حكم آل الأسد بات الفرد السوري أفقر فرد في العالم العربي وربما في العالم. فاليوم مع الوضع المأساوي الذي وصلت إليه سوريا انخفض متوسط دخل الفرد إلى 25 دولارا شهريا أي أن العائلة السورية تعيش بأقل من دولار واحد في اليوم. ونسبة الفقر ارتفعت لتصل إلى 80 في المئة من الشعب السوري الذي لم يتمكن من اللجوء في دول أخرى ونصف الشعب باتوا من النازحين أو في المخيمات وانعدمت كل وسائل العيش من طاقة وخدمات وصحة ومواصلات وصار يفرض على كل سوري يريد الدخول إلى بلده أن يصرف مئة دولار. أما ثروات سوريا فقد توزعت بين دول محتلة وميليشيات مسيطرة وفساد مستشر ويتعلل النظام أنه ممانع ويتصدى لإسرائيل والإرهاب ونسي أنه منذ 47 عاما لم تطلق طلقة واحدة على إسرائيل. أما الإرهاب الجسدي والفكري فلا يوجد نظام في العالم يقبع في سجونه وأقبيته عشرات الآلاف من المعتقلين إذا لم نقل مئات الآلاف ولم يقصف نظام شعبه المطالب بالحرية بالأسلحة الكيميائية. في ظل هذا الوضع المأساوي ليس في سوريا فقط بل في كل العالم العربي لا أفق في تغيير ملموس على المستوى المنظور والمتوسط. أما على المستوى البعيد فربما نصل إلى مرتبة النمر الخامس.