منشأ وملجأ للجماعات المشبوهة وسائل التواصل الاجتماعي.. خطر على استقرار المجتمعات تعاظم دور وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة فلم تعد تقتصر على كونها نافذة للتواصل بين الأفراد وإنما باتت تشكل أهم أدوات التأثير في صناعة الرأي العام وتشكيله وتنشئة الشباب وتثقيفه سياسياً بل وينظر إليها البعض على أنها يمكن أن تقود حركة التغيير في العالم العربي لكنها في المقابل باتت منصة مثالية للجماعات المتطرفة والإرهابية لنشر أفكارها الهدامة وتجنيد النشء والشباب وغسل أدمغته م وما حدث مؤخرا من أفعال إجرامية مست منطقة القبائل في الجزائر جراء إشعال الحرائق عمدا وختم هذا وذاك بجريمة أفظع بحيث قام المجرمون بقتل وحرق الشاب المرحوم جمال بن سماعين والتي كان الترويج لها عبر وسائل التواصل لأكبر دليل على ما باتت تشكله من مخاطر على استقرار الدول والمجتمعات. خ. نسيمة /ق. م هذا الواقع يثير بدوره مجموعة من التساؤلات المهمة منها: ما هي طبيعة العوامل التي تعزز دور وسائل التواصل الاجتماعي؟ وما هي طبيعة تأثيرها في صناعة الرأي العام وتشكيله؟ وكيف تؤثر في عملية تشكيل الوعي لدى الشباب وتعزز مشاركته في الحياة السياسية؟ وما هي التحديات التي تطرحها بالنسبة لأمن الدول واستقرارها؟ وكيف يمكن إعادة تنظيم هذه المنصات وضبطها؟ تنامي تأثير الوسائط الاجتماعية لا شك في أن تنامي تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر وفي المنطقة العربية والعالم بشكل عام لم يأت من فراغ وإنما كان نتيجة مجموعة من العوامل والاعتبارات لعل أهمها: التزايد المستمر في أعداد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الأمر الذي يتضح بجلاء عند مقارنة هذه الأعداد خلال السنوات القليلة الماضية ففي العام 2017 كان أقل من 2.5 مليار شخص على وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم بينما وصل هذا العدد في عام 2019 إلى 3.5 مليار مستخدم في جميع أنحاء العالم بما يعادل حوالي 45 بالمائة من إجمالي عدد سكان العالم القدرة على التأثير في الرأي العام إذ تسهم وسائل التواصل الاجتماعي في نقل الأفكار والآراء المتعلقة بقضية معينة لعدد كبير من الأشخاص في مناطق مختلفة من العالم وتتيح بذلك المجال لبلورة رأي عام دولي مساند لبعض القضايا وهو الأمر الذي ينتج عنه تغيير إيجابي في بعض مناحي الحياة غير أنها في المقابل قد تقع في فخ التضليل الإعلامي والتأثير السلبي في الرأي العام حينما يتم توظيفها بهدف تغيير قناعات أفراد المجتمع في دولة ما في اتجاه معين وخاصة أثناء الانتخابات أو التصويت على قضايا مصيرية ترتبط بمستقبل هذه الدولة إعلام العولمة يزحف بحرية تشكل وسائل التواصل الاجتماعي نقلة نوعية في عالم الإعلام الرقمي فقد جعلت من العالم قرية متواصلة خاصة أنها تسمح بإنشاء المحتوى الإلكتروني وتبادله (نصوص صور فيدبوهات إلخ...) عبر الإنترنت وتتيح نافذة مهمة للتفاعل بين الأفراد ولهذا يصفها البعض بأنها تشكل إعلام العولمة الذي لا يلتزم بالحدود الوطنية للدول وإنما يطرح حدوداً افتراضية غير مرئية ترسمها شبكات اتصالية معلوماتية على أسس سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية لتقديم عالم من دون دولة ومن دون أمة ومن دون وطن وهذا ما جعل هذا الإعلام أكثر تأثيراً في سلوك الأفراد وفي تكوين اتجاهاتهم وتعديلها وتشكيل أفكارهم وتوليدها كما يتسم هذا الإعلام المعولم كذلك بخاصية المجانية فلا تحتاج الدعوة إلى نشاط معين في الفايسبوك إلى إمكانات مادية فيكفي الاشتراك في الموقع وبالتالي تأسيس مجموعة أو عدة مجموعات تتبنى مبادئ أو أفكار بعينها. التفاعل المكثف الذي تتميز به وسائل التواصل الاجتماعي من خلال خصائص تفاعلية عالية جدًا في مدى زمني قصير وتعمل على إنشاء حوارات جماعية تضم أعدادا كبيرة من المشاركين فضلاً عن أنها تعطي القوة لأي فرد من الجمهور ليصبح وسيلة إعلامية مستقلة بحد ذاته. كما تتيح تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي إمكانيات واسعة للاستقطاب والتعبئة والحشد على غرار ما حدث إبان ما يسمى أحداث الربيع العربي حينما قامت بدور حيوي في التعبئة السياسية عبر الدعوة للمظاهرات والاحتجاجات ونشر الأخبار والفيديوهات والتعبير عن الرأي والنقاش السياسي المحرر من رقابة السلطة على وسائل الإعلام التقليدية. دور بارز في صناعة الرأي العام تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً فاعلاً في صناعة الرأي العام وتشكيله حيث تسهم في ترويج الأفكار التي تعتنقها النخبة في المجتمع لتصبح ذات قيمة اجتماعية معترف بها وتحظى بالانتشار بين الأشخاص العاديين ومن ثم التأثير على سلوكهم وفي تشكيل توجهاتهم إزاء قضايا بعينها وهذا الدور وفقاً لنظرية التسويق الاجتماعي يتشابه إلى حد كبير مع حملات التسويق التي تستهدف الترويج لسلعة معينة وإقناع المستهلكين بها وهذا التأثير يرجع بالأساس إلى ما تتميز به وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد بوجه عام من قدرة على التأثير الكمي من خلال التكرار حيث تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بتقديم رسائل إعلامية متشابهة ومتكررة حول قضية ما بحيث يؤدي هذا العرض التراكمي إلى اقتناع أفراد المجتمع بها على المدى البعيد وعلى أية حال فإن وسائل التواصل الاجتماعي باتت شريك رئيسي في صناعة الرأي العام من خلال العديد من الأدوار التأثير في الوعي حيث يمكن لنخبة من المفكرين والمثقفين ترويج أفكارهم من خلال شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي والعمل على تشكيل وعي المستخدمين عن طريق الحملات الإعلامية التي تستهدف تكثيف المعرفة لتعديل السلوك بزيادة المعلومات المرسلة للتأثير عليهم وتشكيل وعيهم تجاه القضايا المختلفة وبالفعل فقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في بروز قادة رأي مؤثرين في العالم العربي لهم منابرهم الإعلامية التي تحظى بالمتابعة من ملايين المستخدمين في العالم العربي وبإمكان هؤلاء التأثير في متابعيهم بدرجة أو بأخرى فيما يتعلق بالقضايا المثارة. صحافة المواطن أو الإعلام البديل تنامي دور الفرد في التأثير على الرأي العام من خلال وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة التي أصبح من خلالها الفرد يلعب دوراً مهماً في نقل الأخبار وصناعتها وتحريرها فضلاً عن التأثير في تكوين القناعات حول بعض القضايا. وأسهمت هذه الوسائل في ظهور ما يطلق عليه صحافة المواطن التي تتيح لأي فرد أن يمتلك حساباً على موقع التواصل الاجتماعي ولديه قدر من المهارات والمعرفة أن يصيغ مواد خبرية تقارير أو مقالات أو تحقيقات تعبر عن وجهة نظره إزاء مختلف القضايا لكن المشكلة هنا أن هذا النوع من الصحافة يفتقر أحياناً إلى الدقة والمصداقية حينما يقوم الفرد بالمزج بين رأيه وبين الخبر أو الحدث الذي ينشره على صفحته الخاصة أو يرسله إلى وسائل الإعلام الأخرى سواء كانت تقليدية أو إلكترونية وتطورت صحافة المواطن مع إقبال المواطنين على الإعلام البديل من أجل التعبير بحريّة عن أوضاعهم بعد أن احتكرت بعض الحكومات ورجال الأعمال في العالم العربي وسائل الإعلام التقليديّة وأهم ما يميز الصحفي المواطن هو عدم خضوعه للقيود التي تفرضها عليه المؤسسات الإعلامية التقليدية حيث يتمتع بحرية كبيرة في الفضاء الرقمي ومن الصعب السيطرة عليه أو التأثير في توجهاته وهذا شكل تحدياً سياسياً للسلطات السياسية عبر منازعتها في امتلاك وسائل الإعلام والرد عليها حين تستخدم هذه الوسائل في التعبئة والحشد وتبرير السياسات القائمة وتزييف الوعي بل وأكثر من ذلك فإن هذه النوعية من الصحافة أصبحت تقوم بدور رقابي على أداء الحكومات وكشف مظاهر الفساد المستشري في بعض القطاعات. كما ظهر تأثير دور الفرد في تشكيل الرأي العام من خلال ما يسمى المدونات الإلكترونية التي تمثل نافذة مهمة تتيح نشر المعلومات في كافة مجالات المعرفة البشرية ويتم التعرف من خلالها على الرأي والرأي الآخر ولعل ما يضاعف من أهمية المدونات في التأثير على الرأي العام هو تزايد أعدادها بدرجة كبيرة حيث تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 409 ملايين شخص يشاهدون أكثر من عشرين مليار صفحة تدوين شهريا وأن المستخدمين ينشرون 70 مليون منشور جديد و77 مليون تعليق جديد كل شهر وتشير إحصائية أخرى إلى أنه من بين 1.7 مليار موقع في العالم هناك حوالي 500 مليون مدونة وهذا إنما يشير بوضوح إلى أن تأثير المدونات قد لا يقل أهمية عن وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية – فايسبوك وتويتر– في التأثير على الرأي العام خاصة أنها تعد من أفضل مصادر المعلومات حول مجمل القضايا التي تهم الأشخاص في المجالات كافة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية وتشير العديد من الدراسات إلى أن المدونات ووسائل التواصل الاجتماعي بوجه عام أثرت بدرجة كبيرة في الرأي العام سواء بشكل مباشر من خلال متابعيها أو بشكل غير مباشر من خلال تأثيرها في وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية خاصة بالنظر لما تتمتع به من سرعة في الاستجابة للأحداث ومن قدرة على الانتشار بشكل كبير بل أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تقوم بدور فاعل في تشكيل رأي عام دولي موحد تجاه قضايا بعينها نتيجة التفاعل بين مستخدميها الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة لكنهم يؤمنون بمنظومة مشتركة من القيم ولعل المثال الواضح على ذلك التأثير الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه الرأي العام الدولي تجاه الاعتداء الإرهابي الذي استهدف مسجدين في نيوزيلندا في مارس من العام 2019 وتوصيفه باعتباره عملاً إرهابياً وأجبرت شركتي فايسبوك وتويتر على إزالة المحتوى الرقمي الذي يحرض على الكراهية ويحرض على العنف ضد المسلمين في الدول الأوروبية. عامل مساعد في حركة التغيير حيث لم يقتصر دور وسائل التواصل الاجتماعي على تشكيل توجهات الأشخاص تجاه قضايا بعينها وإنما تطور هذا الدور إلى دفع حركة التغيير في بعض الدول ولعل أحداث ما يسمى الربيع العربي كانت كاشفة لهذا الدور فالدعوة إلى المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها العديد من الدول العربية منذ نهاية عام 2010 كانت تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك و تويتر وكذلك من خلال المدونات التي كان لها دور كبير في كشف العديد من أوجه الخلل ومظاهر القصور في أداء بعض الحكومات العربية وخاصة قضايا الفساد السياسي وغياب الشفافية والعدالة الاجتماعية والتي شكلت في جوهرها أحد العوامل التي دفعت الشباب في هذه الدول إلى التظاهر والدعوة إلى تغيير الأنظمة احتجاجاً على هذه الأوضاع والمطالبة بتغييرها من وجهة نظرهم. آثار وخيمة على التنشئة الاجتماعية يتفق كثير من باحثين علم الاجتماع السياسي على أن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت بدرجة كبيرة في التنشئة الاجتماعية والسياسية وخاصة على النشء والشباب الأكثر استخداماً لها وإن كان ثمة خلاف بينهم حول طبيعة هذا التأثير ففي الوقت الذي يصف فيه البعض هذا التأثير بالإيجابي استناداً إلى أنه يمكن توظيف وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لبث القيم الإيجابية كالولاء والانتماء والمشاركة الفاعلة في بناء الأوطان وتنميتها يعارض آخرون ذلك من منطلق أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في تراجع الدور الذي تقوم به مؤسسات التنشئة الأصيلة كالأسرة التي لم تعد مخزن للقيم بعد أن استولت وسائل التواصل الاجتماعي على عقول النشء والشباب إلى درجة الإدمان وبدأت تهدد كثيرا من القيم التي كانت تحرص عليها الأسرة بعد أن أصبح الشباب خاضعين لقيم العالم الافتراضي التي تبثها وسائل التواصل الاجتماعي على مدار الساعة. لقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي تشكل المصدر الرئيسي لتنشئة النشء والشباب وهذا لا شك قد يؤدي على المدى البعيد إلى انحسار الثقافة التقليدية الأصيلة وتراجعها لصالح هذه الثقافة المعولمة التي تروج لمنظومة مختلفة من القيم والعادات. والخطورة في ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤصل لفكرة ارتباط الإنسان لا بالدولة القومية والمجتمع الوطني بل بالعالم أجمع وتعزز من فكرة الخروج من المجتمع الضيق المحدود إلى العالم الكوني مع ما يعنيه ذلك من ذوبان الهوية والشخصية الوطنية في قالب هوية وشخصية عالمية يفقد فيها الفرد جذوره ويتخلى عن ولائه وانتمائه.