في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء السابع والخمسون بعد المائة- بقلم: الطيب بن ابراهيم *الاختلاف حول بناء إرسالية للأخوات بجوار إرسالية الإخوة لم يكن طرح مشروع بناء إرسالية لأخوات يسوع الصغيرات بجوار إرسالية الإخوة بمدينة الأبيض سيدي الشيخ قد لاق إجماعا ولم يكن مُرحبا به من طرف جميع رجال الكنيسة بل لقي معارضة شديدة من طرف الكثير من رجال الكنيسة من أساقفة وقساوسة في الجزائر وفي فرنسا الذين رأوا في المشروع مساسا بسمعة ومصداقية الإخوة والأخوات الرهبان ويزعزع الثقة فيهم وهو محفوف بالمخاطر والخوف من أي انزلا قات أو انحرافات تحدث بين الشباب المنتمين للإرساليتين ولا يمكن لأحد أن يضمن نتائجه وتزايدت معارضة بناء إرسالية للأخوات بجوار إرسالية الإخوة لدرجة التهديد بمقاطعة زيارة إرسالية الأبيض ممن يصفهم رئيس إرساليتها الأب فوايوم أنه كان يثق بهم ويثق باستشاراتهم. هذه المخاوف والاعتراضات اعترف بها رئيس إرسالية الإخوة الذكور الأب فوايوم ولم يخفها بحكم كونه كان المسئول الأول عن الموافقة وضمان نجاح المشروع ويواصل الأب فوايوم اعترافاته بالمعارضة القوية التي تلقاها ضد إقامة إرسالية لأخوات يسوع الصغيرات بالقرب من إرسالية الإخوة الصغار حيث يقول: حذرني العديد من أقرب أصدقائنا من القساوسة المتمرسين من ارتكاب مثل هذه الحماقة. وذهب البعض منهم إلى حد أنّني أرتكب خطأ جسيمًا أمام الله إذا وافقت على مثل هذا المشروع ومن بين هؤلاء السيد غيلهام Guilhem الذي يأتي كل عام تقريبًا للتعبد في إرسالية الأبيض كتب إلينا أنه في حالة استقرار الأخوات الصغيرات بهذه الطريقة بجوار إرسالية الأخوة فإنه سيقطع علاقته معنا وهو الذي كنت دائمًا أثق في حكمه في العديد من المناسبات . ويمكننا القول حاليا أن ذلك المشروع قد تم انجازه وكان تحت السيطرة وأن مخاوف المعارضة تحققت في حالة واحدة تمت مع الكاتب الكبير الأخ كيريال والأخت الممرضة لبيبة اللبنانية حيث تزوجا لاحقا وهذا حدث متأخرا في مرحلة الاستقلال! . *المحافظ يتخذ قرار تأسيس الإرسالية اختلفت الآراء حول تأسيس إرسالية للأخوات مجاورة لإرسالية الإخوة بين مؤيد ومعارض وكان المحافظ الرسولي جورج مارسي أكثرهم تأييدا وحماسة للمشروع وبتاريخ 6 جانفي سنة 1946 أرسل المحافظ إلى الأب روني فوايوم رسالة يطلعه فيها أنه طلب من الأخت مادلين التخطيط للعام الثاني لتكوين طلبتها في الأبيض سيدي الشيخ وذلك اعتبارًا من شهر أكتوبر المقبل وفي ذلك الوقت لم يكن الأب فوايوم هو الآخر مؤيدًا بعد للمشروع. وفي الأول من شهر أبريل سنة 1946 التقت الأخت مادلين بصاحب القرار المحافظ الرسولي جورج مارسي في مدينة الأغواط حيث قدم لها القرار الذي اتخذه حول تأسيس إرسالية لأخوات يسوع الصغيرات بمدينة الأبيض سيدي الشيخ وأوضح لها أنه قرار نهائي لا رجعة فيه. وبعد ذلك بأيام قليلة بين 4 و 8 أبريل التقى الأب روني فوايوم مع الأخت مادلين في الجزائر العاصمة واتفقا على السمع والطاعة للمحافظ ومواصلة العمل وتجسيد القرار وتشجيع كل منهما للآخر لانجاز ذلك المشروع الجديد لصالح الكنيسة والذي لم يكن بديهيًا في ذلك الوقت. وللتأكيد على انجاز قراره حلّ المحافظ الرسولي جورج مارسي بالأبيض سيدي الشيخ بتاريخ 13 جوان سنة 1946 لتفقد الاستعدادات للمشروع وفي نفس السياق وصلت الأخت مادلين اوتان للأبيض يوم 13 أكتوبر سنة 1946 وكتبت في مذكراتها بأنها وجدت الأب فوايوم والأخ ميلاد في استقبالها وأن المستشفى القديم سُلِّم لها مؤقتا لاستقبال الأخوات ريثما يتم بناء الإرسالية. *الأب فوايوم يوافق على بناء إرسالية للأخوات بجوار إرسالية الإخوة يعترف الأب فوايوم أنه كان في البداية مترددا في الموافقة على تأسيس إرسالية للأخوات الصغيرات مجاورة لإرسالية الإخوة وظهر ذلك التردد من خلال رسالته للأخت مادلين اوتان ويواصل الاعتراف أن تلك الخطوة كانت جريئة وكان المشروع عملا جديدا بالنسبة للتقاليد الكنسية والنظرة السائدة حول الأخوات الراهبات خاصة أن الإخوة والأخوات ما زالوا في بداية مرحلة التكوين مرحلة التجريد والتأمل بالإضافة إلى ردة فعل المعارضة للمشروع من قبل الكثير من رجال الكنيسة. ويقر الأب فوايوم أن ما شجعه على الموافقة هو ثقته الكبيرة في الأخت مادلين بالإضافة إلى ذلك فإن قرار تنصيب الأخوات الصغيرات في الأبيض قد نال استحسان وتشجيع مسئولهما الرئيسي الأسقف جورج مارسي فما كان عليه إلا الالتزام بالسمع والطاعة وفي هذا السياق كتب الأب فوايوم إلى الأخت مادلين بتاريخ 16 جويلية سنة 1946 قائلا: إذن ستأتي إلى الأبيض مع جميع الأخوات اللاتي كان يجب أن يذهبن إلى توقرت لتصبح إرسالية الأبيض تحت الاختبار هذا العام أعلم أنها إرادة يسوع: من كل قلبي وبفرح عميق سأستقبلكم جميعا في الأبيض . يقول الأب روني فوايوم أنه عندما تقرر تأسيس إرسالية الأخوات بجوار إرسالية الإخوة شعر الإخوة بتحمل مسئولية جديدة وأنه عندما كان في فرنسا كتب إليه ميلاد رسالة يعلن له فيها موافقته على المشروع أيضا شريطة أن يكون حاضرا أثناء التأسيس مع الأخت مادلين وهكذا بدأت تتوافد عشرات الأخوات إلى إرسالية الأبيض المؤقتة ابتداء من شهر أكتوبر سنة 1946. ومن جهة أخرى كان الأب فوايوم يراسل المونسنيور دي بروفنشير de Provenchères وهو الأسقف المسئول عن التأسيس ويخبره بكل الأحداث والتطورات ذات الصلة بالمشروع حيث أبلغه في رسالة بتاريخ 19 نوفمبر سنة 1946: أن مشروع مجموعة الأخوات الصغيرات يسير على ما يرام. وأنه تجنب بسهولة كل مضايقات التجمُّعيْن المتجاورين. ولا يبالي بالمنتقدين! وأنه لأمر مدهش كيف أن البعض يسارعون إلى الحكم وإدانة ذلك الانجاز من بعيد ولا يعرفون حتى في ظل أي ظروف يتم تنفيذ المشروع. لكنه ما زال في سلام لأنه في كل ذلك تصرف بدافع الطاعة وأن الأشغال ستنتهي قريبًا وأنه مع الأخت مادلين يقومان بمراجعة القانون ولكن من الواضح أنه لا يزال هناك العديد من النقاط التي سيتم تحديدها فقط في بضع سنوات بعد تجارب أخرى . يتبع...