عادة ما يشتكي الأولياء من الغيرة المفرطة الذي يتعرض إليها أصغر طفل في العائلة من طرف من يليه في المرتبة بل ومن طرف الإخوة جميعهم، بالنظر إلى الاهتمام البالغ الذي يوليه بعض الآباء والأمهات للمولود الجديد، ذلك ما يثير غيرة الطفل الذي يكبره ويؤدي إلى بروز مشاعر الغيرة والكراهية بينه وبين المولود الجديد كونه استحوذ على مكانته في قلوبهم وأخذ القسط الأوفر من اهتمامهم. وأدت تلك المشاعر السلبية في الكثير من الأحيان إلى حوادث خطيرة لحقت بالمواليد الجدد وحتى بمن بلغوا السنة والسنتين، كون أن مشاعر الغيرة تبقى مغروسة في قلوب من يأتون مباشرة في المرتبة التي تلي أصغر فرد في العائلة، وتدفعهم غيرتهم وكراهيتهم إلى إلحاق الضرر بهم، فمن محاولات الحرق إلى الركل والقرص ووصل الأمر حتى إلى إنهاء حياتهم بعد انفرادهم بذلك الطفل البريء. ذلك ما كشفه الواقع في العديد من المرات كون أن جميع الأسر تجد نفسها في ورطة بعد ميلاد المولود الجديد ويحسب جل الأولياء ألف حساب للتأثير السلبي الذي سوف ينجر عن ميلاده وتأثر من سبقه، واندفاعه إلى إعلان الحرب ضد المولود الجديد الذي سلبه مكانته لدى الأبوين واستحوذ على قلبهما واهتمامهما، بل أن هناك أولياء يجهلون التوفيق بين هذا وذاك، ويتعرض الابن الأكبر إلى الضرب المبرح بمجرد محاولته اللعب مع أخيه الذي يصغره مما يؤدي إلى إحساسه بالظلم والكره من طرف أوليائه، ويعلن الكراهية لمن تسبب له في ذلك، ويتحين الفرص من أجل الانقضاض عليه وإلحاق الأذى به في حالة انفراده به. ذلك ما عانت منه جل العائلات مرارا وتكرارا، ويبقى المشكل عالقا إلى غاية إدراك الأولياء وجوب التوفيق بين الأبناء على مستوى الأسرة، فولادة المولود الجديد لا يعني إهمال باقي الأبناء كون أن ذلك الإهمال وعدم الاهتمام هما لب المشكل، ومن شأنهما أن يؤديا إلى إثارة مشاعر الغيرة والكره بين الأبناء والمولود الجديد، وأكدت جل الأمهات اللواتي التقين بهن وقوعهن في ذلك الإشكال الذي أذهب النوم من أجفانهن بعد حراستهن الشديدة لأبنائهن خوفا من تعرضهم لأي أذى من طرف إخوتهم الذين يكبرونهم في السن. وما كشفه الواقع من قرص وركل وضرب مبرح أكبر دليل على ما يتعرض إليه أصغر ولد أو بنت في الأسرة ممن يلونهم في المراتب، أحيانا بحضور الأولياء وأحيانا في غفلة منهم بعد أن يترصدهم الابن ويستغل انفراده بأخيه الصغير أو أخته الصغرى. وفي هذا الصدد اقتربنا من بعض الأمهات فقالت نصيرة إنها تهتم بتلك النقطة اهتماما بالغا، فإذا كانت ابنتها الصغرى لا تسلم من أذى أخيها في حضورها فما بالها إن تركتها معه لوحدها، وقالت إنها لا تأمن جانبه أبدا بالنظر إلى غيرته المفرطة منها على الرغم من محاولة كلا الأبوين التوفيق في الاهتمام بهما معا، إلا أن ذلك لم ينل رضاه، وبقي في معاملته المشينة ضد أخته - تضيف _»عادة ما يغافلني ويؤذيها وهي في حجري لذلك فأنا دائمة الحراسة لها ولا أغفل عنها«، أما فايزة، وهي سيدة متزوجة وأم لبنتين، فقالت إنها عادة ما تتعرض إلى ذلك المشكل إلا أنها تسيطر على الوضع لاسيما بعد أن سمعت عن تلك القصة المفجعة والتي تعرضت لها إحدى النسوة من العائلة وتداولتها الألسن، بحيث وبينما كانت منهمكة بأشغال المنزل تركت ابنتها ذات الثلاث سنوات برفقة أخيها البالغ من العمر عاماً واحداً بإحدى الغرف ولم تدر أن نهايته ستكون هناك على يد أخته إلا بعد أن وطئت رجلاها إلى تلك الغرفة لتجد ابنها وسط بركة من الدماء وأخته تقفز فوقه فسارعت لتتدارك الموقف إلا أن مشيئة القدر كانت أسرع منها ولفظ الطفل أنفاسه في تلك اللحظات. ففي حالة ولادة طفل جديد لا يجوز إهمال الكبير وإعطاء الصغير عناية أكثر مما يلزمه، فيجب ألا يعطى المولود إلا بقدر حاجته، وهو لا يحتاج إلى الكثير، والذي يضايق الطفل الأكبر عادة كثرة حمل المولود وكثرة الالتصاق الجسمي الذي يضر المولود أكثر مما يفيده، وواجب الآباء كذلك تهيئة الطفل إلى حادث الولادة، وكذلك يجب فطامه وجدانيا تدريجيا بقدر الإمكان، فلا يحرم حرمانا مفاجئا من الامتياز الذي كان يتمتع به قبل ولادة الطفل الجديد.