السكوت أصبح علامة الأسى غزّة.. تركها إخوتها في ظلام الجبّ! إذا كنّا نسجل شاكرين تعاطف شعوب وزعماء أمريكا اللاتينية مع القضية الفلسطينية ونرى بتقدير -جامعات في الولاياتالأمريكية وفرنسا وكندا وسويسرا وأستراليا والمكسيك وغير ذلك تشهد اعتصامات وتحركات تطالب بوقف الحرب التي اندلعت قبل سبعة أشهر في قطاع غزّة في جريمة لم يشهد مثيلاً لها في الحروب الحديثة والتي تدلّ في الوقت نفسه على التواطؤ أمريكا والغرب مع الكيان الصهيوني والتورط بإزهاق الدم الفلسطيني ضاربين عرض الحائط بكل القوانين والشرائع الدولية. ويا للأسف.. فغزّة تركها إخوتها في ظلام الجُب ولا شيء سوى الألم والفقد ولا وقت للحزن. وهذا العلامة الشيخ الإبراهيمي رحمه الله يقرع مسامعنا ويحملنا المسؤولية بقوله: إن فلسطين وديعة محمد عندنا وأمانة عمر في ذمّتنا وعهد الإسلام في أعناقنا فلئن أخذها اليهود منّا ونحن عصبة إنا إذًا لخاسرون . البشير الإبراهيمي - الآثار 445/3. وأي خسارة ولازال القصف الإسرائيلي الوحشي مستمرا يصاحبه بصمت عربي إسلامي معيب على الصعيدين الرسمي والشعبي إلا فيما ندر فحتى بيانات الشجب التي طالما نددت الشعوب العربية بها فقد عزّت هي الأخرى في زمن عربي شعاره: إذا كان الكلام مثارا للمشاكل فإنّ السكوت وإن كان مريباً يبقى في تقدير الحكومات العربية من ذهب؟!. يروي التاريخ أنه بعد تجربة نضالية مريرة قال المفكر علي عزت بيغوفيتش رحمه الله: لا توجد خسارة لا يكون الشعب الخاسر مسؤولا عنها ولا يوجد في مزبلة التاريخ أبرياء لأنك عند ما تكون ضعيفا فهذه خطيئة من وجهة نظر التاريخ وأن تكون ضعيفا في التاريخ هو عمل لا أخلاقي . ولا شك أن كل عربي ومسلم يتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية عما حدث ويحدث في غزّة وفي فلسطين من جرائم بحق الأبرياء فكل فرد -حسب موقعه- مسؤول عن حالة الضعف التي تعاني منها الأمة فالأمة تتكون من مجموعة أفراد وضعف الفرد ينسحب على حال الأمة قوة وضعفًا وفي أوقات العزة كانت الجيوش تتحرك لنصرة المستضعفين أما في أوقات الضعف فتراها عاجزة حتى عن إيصال المساعدات الإنسانية للمحاصرين في غزّة. وإذا كان السكوت قديما علامة الرضا أصبح الآن علامة الأسى!.. ورحم الله أحمد شوقي حين نظر إلى العالم العربي وأقطاره التي منيت على يد الاستعمار بصدع كبير في زمانه فقال: صوت الشعوب من الزئير مجمعا * فإذا تفرق كان بعض نباح. هذا والتاريخ قاض عادل إلى حد بعيد ولا توجد هزائم غير مستحقة. فالناس يغادرون مسرح التاريخ مع المصير الذي يستحقونه ورحم الله ابن خلدون حين كان يتحدّث في مقدمته الشهيرة عما يصيب الشعوب من حركات مد ّ وجَزر كالتي تشهدها البحار والمحيطات. فأسأل الله أن يجعل عُمر الجَزر في أمتي قصيراً وعًمر المدّ طويلاً وعميقاً.. وينبهها من رقدة الغافلين.. ونسأله اللطف في كل الأحوال..