بقلم: إسماعيل الشريف أردوغان أحد أخطر الزعماء في العالم فهو يريد إعادة تأسيس الإمبراطورية العثمانية. ترامب. في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 22 اوت 2023 استعرض نتن ياهو رؤيته لما أسماه الشرق الأوسط الجديد في أعقاب اتفاقيات التطبيع مُقدّمًا خريطة تصوِّر الكيان الصهيوني ممتدًا على كامل أراضي فلسطين التاريخية وهضبة الجولان. لم تكن هذه الخريطة مجرد تمثيل جغرافي بسيط بل رسالة استراتيجية واضحة تُظهر إسرائيل ليس كجزء من المنطقة فحسب وإنما كقوة مهيمنة عليها متجاهلة تمامًا الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وملقية بظلال كثيفة من الشك على إمكانية تحقيق حل الدولتين. جاء طوفان الأقصى كرد فعل حازم لمحاولات تهميش القضية الفلسطينية ونابعًا من قناعة راسخة لدى المقاومة بأن هناك مساعي حثيثة لتصفية القضية تدريجيًّا. وبعد وصول الرئيس ترامب إلى سُدّة الحكم توقفت الإبادة الجماعية التي استمرت خمسة عشر شهرًا ليصبح بعد ذلك أول مسؤول خارج أروقة حكومة الاحتلال يتحدث علنًا ودون مواربة عن ترحيلهم مبررًا ذلك بادعاءات مضللة مفادها أن غزة أصبحت بيئة غير صالحة للحياة وبوجود ثلاثين ألف ذخيرة غير منفجرة قد تتيح للمقاومة فرصة إعادة تدويرها واستخدامها ضد الكيان المحتل. *احداث لصالح الكيان حتى تلك المرحلة كانت دفة الأحداث تميل لصالح الكيان إذ نجح في إضعاف حركة حماس وحزب الله وإيران فضلًا عن وجود رئيس أمريكي متناغم بشكل كبير مع مخططاته الرامية إلى طرد الفلسطينيين من قطاع غزة غير أن سقوط نظام بشار الأسد شكّل منعطفًا حاسمًا ونقطة تحول جوهرية في منطقة الشرق الأوسط مما أثار مخاوف عميقة لدى الكيان خصوصًا بعد انضمام تركيا إلى قائمة أعدائه ووصولها إلى حدوده المباشرة. لم يحظَ الملف السوري بأولوية في الأجندة الأمريكية حيث وصف ترامب سيطرة هيئة تحرير الشام على الأراضي السورية بأنها استيلاء غير ودي من قبل تركيا مع إقراره في الوقت ذاته بأن بشار الأسد كان جزارًا بحق شعبه. أمام هذا الفراغ تحرك الكيان الإسرائيلي منفردًا فقام باحتلال مساحات من الأراضي السورية وأوفد نتن ياهو سكرتيره العسكري رومان جوفمان في مهمة دبلوماسية إلى روسيا بهدف إقناعها بالتعاون لمواجهة تنامي النفوذ التركي في المنطقة. بيد أن هذه المساعي باءت بالفشل الذريع إذ انفتح النظام السوري الجديد على موسكو فلم يبق لها دور الا ذريعة حماية الأقليات كمبرر لتدخلها العسكري في سوريا مع حرصها على منع انتشار القوات السورية في المناطق الجنوبية من البلاد. غير أن الضربة الأكثر تأثيرًا جاءت من الشرع حيث تبلور اتفاق تاريخي بين الحكومة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة مظلوم عبدي يقضي بدمج القوات الكردية ضمن هيكلية الجيش السوري الرسمي مع ضمانات دستورية لحقوق الأكراد باعتبارهم مكوّنًا أساسيًّا وأصيلاً من النسيج المجتمعي السوري المتنوع. لم يستطع الكيان الصهيوني استيعاب تداعيات هذه الصفعة المدوية حتى باغتته صفعة أخرى تمثلت في توقيع اتفاق استراتيجي بين الحكومة السورية ووجهاء محافظة السويداء ذات الأغلبية الدُرزيّة يهدف إلى إعادة إدماج المحافظة بشكل كامل ضمن المؤسسات الرسمية للدولة السورية. تضمنت بنود الاتفاقية إلحاق الأجهزة الأمنية المحلية بمظلة وزارة الداخلية مع التأكيد على اختيار عناصر الشرطة المحلية من أبناء المحافظة أنفسهم مما ساهم بشكل ملموس في ترسيخ دعائم الاستقرار في سوريا وتقويض رهانات الاحتلال الإسرائيلي على استمرار حالة الفوضى والاضطراب في البلاد. وفي التاسع من الشهر الجاري احتضنت المملكة الأردنية مؤتمرًا دبلوماسيًّا رفيع المستوى جمع وزراء خارجية سوريا ودول الجوار بهدف حشد الدعم الإقليمي لجهود تحقيق الاستقرار وتعزيز مسار العملية السياسية وإعادة إعمار البلاد التي مزقتها الحرب بما يكفل وحدة أراضيها وسيادتها واستقرارها. في ضوء هذه التطورات المتلاحقة لم يتبقَ أمام الكيان سوى اللجوء إلى استراتيجية التخريب من الداخل عبر دعم أنصار نظام الأسد السابق واستثمار خلافات الدروز مع النظام السوري وإشاعة فكرة الدولة الدرزية لتشكيل ميليشيات مسلحة متمردة مستثمرًا شبكاتهم العسكرية والاستخباراتية في محاولة يائسة لزعزعة استقرار سوريا وإنقاذ موقفه المتأزم. *صفعة إضافية وتلقى الكيان صفعة إضافية هذه المرة من حليفته الاستراتيجية الولاياتالمتحدة عندما شرعت الإدارة الأمريكية في إجراء مفاوضات مباشرة مع حركة حماس في تحول جذري وغير مسبوق عن نهجها السياسي السابق الذي كان يتجنب بشكل قاطع أي قنوات اتصال مباشرة مع الحركة. وبهذا التطور الدراماتيكي انتقل ملف الرهائن ووقف الحرب المشتعلة إلى أروقة الإدارة الأمريكية بعيدًا عن سلطة نتن ياهو وحكومته المتطرفة. وقد ترك لقاء الرئيس ترامب مع عائلات المحتجزين الأمريكيين في غزة أثرًا نفسيًا عميقًا عليه دفعه للتصريح بموقف جديد مفاده أنه لن يُطرد أحد من غزة في تناقض صارخ مع تصريحاته السابقة التي كانت تدعم فكرة الترحيل. يتضح أن الكيان أخفق في قراءة المشهد الإقليمي بدقة خاصةً في ظل التراجع الملحوظ للنفوذ الأمريكي في المنطقة وتوجه واشنطن الاستراتيجي نحو تقليص حضورها العسكري لتركيز جهودها على مواجهة الصين المتصاعدة مع الحرص الشديد على الحفاظ على مصالح الكيان باعتباره قاعدتها العسكرية المتقدمة في قلب الشرق الأوسط. ولا يمكن تحقيق هذا التوازن الدقيق إلا من خلال المضي قُدُمًا في استكمال المسار التطبيعي للاتفاقيات الإبراهيمية وهو ما عبّر عنه بوضوح ماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكي في تصريحاته اللافتة: بفضل الاتفاقيات الإبراهيمية استمرت قنوات التعاون العربي-الإسرائيلي مفتوحة حتى خلال أصعب أوقات الحرب وهو أمر كنت أعتقد أنه مستحيل التحقق . وأضاف بنبرة واثقة: أعتقد أن هناك رغبة حقيقية وقوية في توقيع المزيد من الاتفاقيات الإبراهيمية فهذه الاتفاقيات لا تحمي إسرائيل فحسب بل تشكل جبهة متماسكة للتصدي للطموحات الإيرانية في المنطقة . كما أشار روبيو بصراحة إلى اعتقاده أن أحد الدوافع الرئيسية وراء عملية طوفان الأقصى كان تخوف إيران العميق من التداعيات الاستراتيجية لهذه الاتفاقيات على نفوذها الإقليمي. استنادًا إلى هذه المعطيات المتشابكة فإن استكمال المسار التطبيعي بات يستدعي تهيئة البيئة الإقليمية عبر خطوات عملية وملموسة تبدأ بوقف فوري للمجزرة المستمرة في قطاع غزة والامتناع الكامل عن التدخل في الشؤون السورية الداخلية والعمل الجاد نحو تحقيق الاستقرار المنشود في منطقة الشرق الأوسط المضطربة وهو التوجه الذي قد يضع الكيان الصهيوني أمام واقع جيوسياسي جديد لم يكن مستعدًا للتعامل معه أو التكيف مع متطلباته المستقبلية.