في إطار مساعي العلماء والفقهاء المسلمين لمواجهة التهم التي تُكال للمسلمين الأمريكيين بأنهم يمثلون طابورا خامسا راديكاليا يسعى لتغيير القيم الأمريكية ويدشنون ل(عمليات إرهابية)، عمد عددٌ من الفقهاء المسلمين إلى إصدار فتوى تعبر عن مركزية المواطنة في الفكر والفقه الإسلاميين· لا تعارض بين الدين والمواطنة جاءت هذه الفتوى والتي حملت عنوان (فتوى بشأن كون المرء مسلما مؤمنا وأمريكيا مخلصا) كردة فعل لما وصفه مطلقوها ب(التصورات الخاطئة والدعاية الإسلاموفوبية التي تراكمت على مدى عقد من الزمان في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من مخططات من عناصر تابعة لتنظيم القاعدة وغيره من الجماعات المتطرفة)· صدرت الفتوى نهاية الشهر الماضي بولاية فرجينيا عن المجلس الفقهي بأمريكا الشمالية والذي يتكون من عدد من الفقهاء المسلمين الذين يجتمعون عدة مرات على مدار العام للتعبير عن آرائهم بشأن القضايا ذات الأهمية لمسلمي الولاياتالمتحدة· (كهيئة من الفقهاء المسلمين، نرى نحن أعضاء المجلس الفقهي بأمريكا الشمالية أنه من الخطأ الاعتقاد بوجود تناقض بين كون المرء مسلما مؤمنا بالله ومستمسكا بأوامره، وكونه مواطنا أمريكيا مخلصا لوطنه)· وتابعت الفتوى (إن تعاليم الإسلام الحنيف تفرض احترام قوانين البلاد التي يعيش فيها المسلمون كأقليات، بما في ذلك الدستور وحزمة التشريعات الحقوقية ما دامت لا تتعارض مع التزام المسلم بطاعة الله)· وتضيف الفتوى (وعليه فإننا لا نرى هذا التعارض بين الشريعة الإسلامية من جانب والدستور الأمريكي والتشريعات الحقوقية المنبثقة عنه من الجانب الآخر، وأن أولوية طاعة الله هي محل اتفاق بين الديانات المختلفة بما في ذلك اليهودية والمسيحية)· الجالية المسلمة بأمريكا ويشكل المسلمون في الولاياتالمتحدةالأمريكية أقل من 1% من إجمالي السكان، بحسب منتدى (بيو) للدين والحياة العامة، إلا أن الجالية المسلمة والتي تتزايد بصورة سريعة تمثل هدفا لجماعات اليمين المتطرف، مما يجعل إثبات الولاء والمواطنة ضرورة حتمية وواجبا دينيا وحياتيا على المسلمين لمواجهة الحملات اليمينية المستعرة بداية من موجة الاحتجاجات التي أثارتها عملية بناء مسجد (غراوند زيرو) إلى عمليات التصنت في (الكابيتول هيل) ضد الراديكاليين الإسلاميين، مرورا بالجهود المبذولة والمساعي الحثيثة التي تضطلع بها هذه الجماعات بأكثر من اثني عشر ولاية لحظر تطبيق الشريعة الإسلامية في المحاكم الأمريكية· وتؤكد صحيفة (هوفينغتون بوست) أن هذه الحملات اليمينية المتطرفة ضد المسلمين صارت تشكل عبئا كبيرا على العديد من مؤسسات الدولة، حتى أن أعضاء شرطة لوس أنجلوس قد قاموا مؤخرا ببناء الجسور للمسلمين للمشاركة في مواجهة الراديكالية لإدراج الجالية المسلمة ضمن قائمة مكافحة الإرهاب· وفي هذا السياق يقوم (تشارلي بيك) قائد شرطة لوس أنجلوس وعدد من المسؤولين عن تطبيق القانون بحضور اجتماع يوم الخميس 20 أكتوبر 2011 بالمركز الإسلامي بمدينة ريسيدا للحديث عن الفتوى الجديدة كجزء من منتدى الجالية الإسلامية هناك· كما يشهد اللقاء مشاركة د· مزمل صديقي، مدير الشؤون الدينية بالرابطة الإسلامية بمقاطعة أورانج ورئيس المجلس الفقهي بأمريكا الشمالية، لمناقشة الفتوى والأدلة الشرعية التي تستند إليها· فتوى توافقية ولعل الفتوى التي أصدرها آية الله الخميني مرشد الثورة والرئيس السابق للجمهورية الإسلامية بإيران، في الرابع عشر من فيفري 1989 والتي أباحت دم سلمان رشدي في أعقاب إصداره كتاب (آيات شيطانية) الذي أثار موجات كبيرة من الغضب والاحتجاج في العالم الإسلامي، هي الأشهر في الأوساط الأمريكية لاسيما بين الأمريكيين غير المسلمين· إلا أن هذه الفتوى قد تأتي بمثابة إعلان عن الجانب المتسامح في الإسلام مما يجعلها تقوم بدور تعريفي هام للمجتمع الأمريكي عن الإسلام وقبوله للآخر وإكباره لشخصيته الحضارية ومنظومته التشريعية التي تشكل جزءا هاما من هذه الشخصية· ولا يُخفى أن هذه الفتوى تحمل فيما تحمل مضمونا سياسيا ومجتمعيا هاما يؤكد على مركزية الدولة في الفكر الإسلامي، ولعل هذا هو ما أشار إليه (مايكل داوننج) رئيس مكتب مكافحة الإرهاب والمخابرات الجنائية بشرطة لوس أنجلوس بقوله (كنا دائما نحارب على جبهتين منفصلتين لعدو واحد هو التطرف: الأولى هي جبهة العنف الأيديولوجي والثانية هي جبهة المحافظين الجدد التي خلقت حالة من الكراهية ضد المسلمين الأمريكيين)· وأكد داوننج (إن الغالبية الغالبة من المسلمين الأمريكيين لا يقلون وطنية عني وعنك، وهذه الفتوى تؤكد أنه لا تعارض بين العقيدة الإسلامية والمواطنة الأمريكية)· * (كهيئة من الفقهاء المسلمين، نرى نحن أعضاء المجلس الفقهي بأمريكا الشمالية أنه من الخطأ الاعتقاد بوجود تناقض بين كون المرء مسلما مؤمنا بالله ومستمسكا بأوامره، وكونه مواطنا أمريكيا مخلصا لوطنه)· وتابعت الفتوى (إن تعاليم الإسلام الحنيف تفرض احترام قوانين البلاد التي يعيش فيها المسلمون كأقليات، بما في ذلك الدستور وحزمة التشريعات الحقوقية ما دامت لا تتعارض مع التزام المسلم بطاعة الله)·