قد يحتار القلم في إيجاد الكلمات، وقد يقف عاجزا عن ترجمة شكوى يعتصر صاحبها الألم، وتخنقه فيها العبرات، وبماذا قد تنفع الكلمات أمام مأساة إنسانية، ولوحة تراجيدية انعكست فيها كل ألوان الشقاء والعذاب، نحن الذين لطالما أبكتنا رائعة فيكتور هيغو الخالدة (البؤساء)، هل نعلم أن البؤساء موجودون بيننا فعلا، وليسوا مجرد شخوص رواية عالمية تنتهي معاناتهم بانتهاء فصول الرواية؟ هي عائلة جزائرية، من الجلفة، حالها لا يختلف عن حال العشرات من العائلات الجزائرية الفقيرة، أو التي تتخبط في فقر مدقع، إن وجدت طعاما لغذائها، فهي لا تضمن طعام عشائها، وإن ضمنتهما معا اليوم، فقد لا تضمنهما ليومين أو ثلاثة أيام، بيد أن ما يزيد من درامية الوضعية التي تتخبط فيها عائلة (عمراني) بالجلفة، هي أن أفرادها جميعا، بما فيهم الأب والأم، يعانون إعاقات ذهنية مائة بالمائة، إلى جانب أمراض مزمنة أخرى، لا تقل خطورة، يتكفل بهم شاب في العقد الثاني من العمر، نذر شبابه وحياته لخدمتهم والسهر على إطعامهم وتنظيفهم ومساعدتهم في كل ما يحتاجون إليه رغم صغر سنه، وثقل المسؤولية، رغم الاحتياجات الكبيرة، والإمكانيات الشحيحة، رغم الظروف المزرية، ومساحة الأمل الواسعة لديه في التفات الجهات المعنية أو المحسنين إلى مأساة عائلته، عسى أن يجد لديها آذانا صاغية تزيح عنه بعض العبء وتساعد والديه وإخوته على إيجاد الأدوية اللازمة، وقوتهم اليومي، في صرخة استغاثة أطلقها المعني (عمراني علي) عبر صفحات (أخبار اليوم)، وهي الصرخة التي تعبر عما يعانيه أفراد أسرته، مرفوقة بالوثائق التي تثبت الحالة الصحية لكل واحد منهم، بدءا بوالده الذي يعاني من مرض الزهايمر، والروماتيزم، ووالدته التي تعاني من إعاقة ذهنية بنسبة 80 بالمائة، وأخيه البالغ من العمر 38 سنة، ويعاني بدوره من إعاقة بنسبة 100 بالمائة، وشقيقته البالغة من العمر 36 سنة، التي تعاني بالإضافة إلى إعاقة ذهنية كاملة، من إعاقة حركية، ومن مرض فقر الدم، إلى جانب شقيق آخر يعاني من ضعف في القلب وعجز في التنفس، ويبلغ 10 سنوات من العمر، وشقيق رابع يعاني من مرض السكري· وإلى جانب معاناة غالبية أفراد الأسرة من هذه الإعاقات والأمراض، فإنهم محرومون من دخل ثابت، من شأنه على الأقل ضمان قوتهم اليومي، عدا منحة إعاقة يستفيد منها الابن الأكبر فحسب، وهي منحة ال4000 دج التي يحاول هؤلاء التقوت منها، أما الحديث عن الأدوية أو الأطباء، فإنهم لا يعلمون عن ذلك شيئا، لأنهم ببساطة لا يجدون ما يأكلونه أحيانا، فكيف قد يجدون ما يعالجون به، ويقول الشاب الوحيد السليم في العائلة، والذي يتولى مهمة السهر على توفير حاجياتهم وضرورياتهم، والقيام على كافة أمورهم، من الطبخ والإطعام والتنظيف، وغيرها، أنهم في الكثير من الأيام، يعيشون فقط على الخبز والماء، وغالبا ما يعانون نقصاً في أبسط الضروريات، وقد تمر أيام كثيرة لا يجدون فيها ما يسدُّون به رمقهم أو جوعهم، كما أنه لا يمارس عملا ثابتا من شأنه أن يضمن له مدخولا يمكنه من مساعدة عائلته· وبناء على كل ما سبق ذكره، يناشد السيد (عمراني علي) الجهات المعنية، وكذا ذوي القلوب الرحيمة، مساعدته على توفير المستلزمات الضرورية لأفراد عائلته، على اعتبار أنه المسؤول الأول والوحيد عنهم، ولم يعد قادرا على تحمل كافة المشاكل والضغوط اليومية والمتواصلة التي أثقلت كاهله، في ظل الإمكانيات الضعيفة وظروف الحياة المزرية التي يتخبط فيها رفقة أفراد أسرته·