تعد قفة أو سلة الدوم، واحدة من أقدم المنتجات التقليدية المتوارثة عبر الأجيال، وبين مختلف مناطق البلاد، كما أنها من بين أهم الأعمال التي توفر مناصب شغل مهمة، كما أنها تعكس البعد الثقافي والفني الذي تزخر به الجزائر· وتعتبر الصناعات التي تتركز على مادة الدوم من النشاطات الحرفية التي تزاول منذ زمن بعيد، وعبر مختلف مناطق الوطن، ولا تقتصر منتجات الدوم على القفة فقط، بل تتعدى إلى القبعات والحصيرة والطبق، وغيرها الكثير من المنتجات المصنعة باستعمال مادة الدوم، غير أن القفة تبقى السيدة المتربعة على عرش هذه الحرفة، فهي عبارة عن كيس مفتوح من الدوم الموظف بطريقة متراصة ودقيقة، مزينة في الأعلى بيدين مصنوعتين إما من الجلد أو القنب، وإما من الدوم نفسه، وهي مختلفة الأحجام والأشكال، إذ تتراوح ما بين الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، حسب الطلب عليها، وتأتي أيضا بألوان مزخرفة، غير لون الدوم الطبيعي، وذلك بعد القيام بتلوين أليافه· إن هذه الحرفة المتوارثة عبر الأجيال، تعرف انتشارا كبيرا، خاصة عند الرجال الذين أخذوا منها وسيلة لجني المال، ولقضاء وقت ممتع في شيء أحبوه جدا منذ نعومة أظافرهم، وهو ما لاحظناه من خلال الزيارة التي قادتنا إلى الصالون الوطني للتشغيل (السلام 2012)، المقام حاليا بقصر المعارض (الصنوبر البحري)، أين التقينا هناك بعمي بن جيلالي، وهو حرفي مختص في صناعة قفة الدوم، يبلغ من العمر 53 سنة، ينحدر من ولاية بومرداس، قدم إلى الصالون من أجل عرض آخر إنتاجاته، ومن خلال الحديث الذي جمعنا معه، روى لنا قصة عشقه الطويلة لهذه الحرفة التي رافقته منذ زمن بعيد، إذ يقول بأنه يجد متعة كبيرة أثناء مداعبته لألياف الدوم، التي تنتهي إلى قفف وسلل جميلة ومزخرفة· وعن طريقة صناعة القفة، يقول السيد بن جيلالي، إنها تمر بعدة مراحل، حيث يبدأ العمل باقتناء المواد الأولية، لتتم بعدها مرحلة توضيب الألياف، وذلك من خلال تنقيتها من الألياف الصغيرة، ثم نقعها بالماء لمدة معينة، وذلك من أجل تليينها وتبييضها، وتلوين جزء منها، لتصبح جاهزة للعمل بها، بعدها تأتي مرحلة التوظيف، وهي المرحلة التي يتم من خلالها إنتاج سلسلة عرضها 5سم، والتي تتكون من ستة ألياف مجمعة مع بعضها البعض على شكل ضفيرة الشعر، بعدها مباشرة تأتي مرحلة التجميع، أين يتم جمع الضفائر مع بعضها البعض، بواسطة شريط مفتول وإبرة كبيرة تسمى (المخيط) لإعطاء القفة شكلها المطلوب، وفي النهاية نقوم بإزالة الألياف الزائدة، لتنقية المنتوج وإعطائه شكله النهائي والجميل، ليضيف عمي بن جيلالي أن هذا العمل يتطلب الصبر والوقت، والأهم من كل ذالك، يجب حب هذه الحرفة كثيرا من أجل صناعة منتجات ذات جودة عالية· يقول السيد بن جيلالي إن استفادته من قرض مصغر بقيمة أربعة ملايين سنتيم، منذ أربعة أشهر تقريبا، ساعده كثيرا في إنتاج هذه الكمية الهائلة من قفف الدوم، خاصة مع الغلاء الذي تعرفه المادة الأولية، إذ يتراوح سعرها ما بين 500دج و800دج، وهو ما صعب عليه الأمر كثيرا، خاصة وأنه لا يملك مكانا معينا لإنتاج وصناعة القفة، حيث أن العمل يتم على مستوى بيته العائلي وبمساعدة زوجته، ليتم أخذ ما تم تصنيعه إلى الأسواق المحلية لتسويقه، ليضيف أن الصالون الوطني للتشغيل، فتح أمامه الأبواب لتسويق منتجاته، وهو يطمح من خلال مشاركته في الصالون إلى التعريف أكثر بقفة الدوم التي عرفت تراجعا رهيبا في السنوات الأخيرة· وفي الأخير يقول إنه يتمنى أن تعود القفة إلى سابق عهدها، حيث كانت لا تغيب عن أي بيت من البيوت الجزائرية، ولا تخلو يد أي مواطن منها في الأسواق، وهو ما يجب العمل عليه كثيرا، كما أنه يشكر الدولة على المساعدات والدعم المقدم له، لأنه لولا دعم الدولة لما كان اليوم من بين العارضين في الصالون الوطني للتشغيل (السلام 2012)·