من بين الأمور التي ترهق أيّ مقبل على الزواج، والتي صارت مع الوقت تعتبر ضروريات لا استغناء عنها، الذهب، رغم ما يكلف من أموال باهظة تعتبر في حد ذاتها ميزانية تستدعي التفكير فيها قبل ليلة الزفاف بأشهر وسنوات كذلك. ولأنّ الذهب بلغ أسعارا خيالية خاصّة مع بداية هذه الصائفة، راح المواطنون والمواطنات يبحثون عن بدائل لهذا الجوهر الثمين، ولكن ليس بالاستغناء عنه، والاكتفاء بحلي أخرى، بل بشراء المقلد منه، والذي يباع بأثمان منخفضة نسبيا، اضافة إلى ظهور أنواع منه ذات نوعية جيدة، او على الأقل لا تبدو مقلدة، وقد تبقى على حالها مدة طويلة، دون أن تفقد لونها او بريقها، وهو الأمر الذي شجع بقوة الإقبال على المقلد. بلغ سعر الذهب الخمسة آلاف دينار جزائري، وهو السعر الذي يجده البعض أكثر من خيالي، خاصة أمام صعوبة الأوضاع، وارتفاع سعر كلّ شيء، وأصبح المقبل على الزواج بالكاد يستطيع توفير لقمة العيش، أما وان تستغني الفتاة عن الذهب المقلد، فهذا ما لا ترضاه لا هي ولا أسرتها، وما تعتبره عيبا ونقصا بل وفضيحة أن تخرج إلى الناس دون قطع ذهبية تُزينها، لهذا فان المقلد، خاصّة إن كان مصنوعا بطريقة جيدة، قد يكون الحل الوحيد في تلك الحال، رغم أنّ المواطنين يختلفون في أمره اختلافا كبيرا. أمّا الفتيات المقبلات على الزواج، واللائي يتمتعن بشيء من العقل، ولا تهمن الجواهر التي تلمع بقدر ما يهمهنّ أن يعشن حياة كريمة وسعيدة، فرحن يقبلن على شراء تلك القطع "الفالصو" ويخترن تلك التي لا تفقد لونها بسرعة، حتى أن بعضهنّ فضلن أن يكتمن السر حتى على اقرب أقاربهن، بل إن بعضهن اتفقن مع أزواجهن على ألاّ يخبروا أحدا، حتى لا يصبحان مدعاة للسخرية والتهكم. منهن سلوى الفتاة صاحبة الثانية والعشرين سنة، و التي ورغم سنها إلا أنها أدركت مبكرة أنها لا بد أن ترضي كل الأطراف، زوجها الذي لا يستطيع أن يدفع مصاريف الجواهر الثمينة، وكذلك عائلتها التي لا بد ستسبب لها مشاكل إذا ما علمت بذلك، وبهذا قررت سلوى أن تشارك زوجها الكذبة في أمر الذهب الذي ستشتريه، وهكذا فعلت فقد اتفقت معه على أن يقتنيا ذهبا مقلدا من النوع الايطالي يصعب تفريقه عن الذهب الحقيقي، وتقول لنا:" استغرب لهؤلاء الأشخاص الذي جعلوا من الذهب والجواهر عتبة رئيسية للزواج، رغم أنّ ديننا يأمرنا بأن نُيسر لا أن نعسر، ولم يضع الذهب كشرط للزواج، بل بالعكس من ذلك نهى عن التبذير وعن المصاريف التي لا فائدة منها، لكن، وللأسف، فان المجتمع صنع قانونا خاصّا به، وصار ينظر إلى المرأة التي لا ترتدي الحلي والجواهر الثمينة على أنها ناقصة، ليست المقبلة على الزواج فقط، بل حتى اللائي يحضرن الأعراس من أسرة العريسين، واللائي عادة ما يتفنن في التزين بالذهب، والذي قد يكن دفعن ثمنه من لحمهن، وبذلن في تجميعه الكثير، وكنت أحب لو استطعت ألاّ البس ذهبا، حتى لو كان ذلك في ليلة عرسين لكني فكرت في أنّ ذلك قد يحدث مشاكل بين أسرتي، وأسرة زوجي، ما جعلني أفكر في أن نشتري الذهب المقلد، والذي يكون الحل في مثل هذه الظروف، وفعلا فقد استطعت وزوجي أن نخدع الناس جميعا ببعض القطع التي اشتريتها، وقد اقتنيت بعضا منها، حتى لا يشك احد في أمرنا، والجميع يعلم أننا أناس بسطاء". وان كانت سلوى قد وافقت على أن تلبس المقلد في الليلة التي تحلم بها كل فتاة، والتي تتمنى أن تكون فيها أجمل الناس، فان غيرها لا يقبلن بغير الذهب، ولا يوافقن على أن يرتدين المقلد، إما خوفا من أن يُفتضح أمرهن، او أنهن فعلا، وبالفطرة، لا يستطعن التخلي عن الذهب، وهو ما أكدته لنا نسرين التي بقت تفكر سنة كاملة قبل أن توافق على أن ترتدي ذهبا مقلدا، إلاّ أنها في النهاية فعلت، وفرحت بعد أن انتهى حفل الزفاف دون أن يتفطن لها احد، وتقول عن سبب خوفها:" لقد حضرت مرة عرسا ارتدت فيه العروس ذهبا مقلدا، لكنها وفي وسط الحفل ظهر أنّ القلادة التي كانت ترتديها مقلدة، فراح المدعوون يتغامزون عليها، بين مشفق على حالها وراحم لها، وبين ساخر ومستهجن، وهو ما جعلني أتردد كثيرا عندما اقترح علي زوجي أن اكتفي بالذهب المقلد، لكنه عندما أكد لي أن الذي سيجلبه لا يفقد لونه بسهولة قبلت الوضع". لكن مواطنين آخرين لا يقبلون بالأمر، بل لا يفكرون فيه إطلاقا، ومنهم عماد وهو بائع مجوهرات، ومقبل على الزواج كذلك، بالنسبة إليه فهو لا يعاني من مشكل الذهب، لكنه مع ذلك أبدا رأيه كبائع، فقال لنا انه لا يبيع المقلد، وان ظهور مثل ذلك النوع قد افسد عليه تجارته نوعا ما، وجعل الناس يقبلون على شراء المقلد ويعزفون عن الأصلي، رغم انه لا يعوضه في كل حال، وعن حالته يقول أن زوجته لا يمكن أن تلبس المقلد، ويضيف انه، وحتى وان لم يكن بائع مجوهرات، فانه سيهديها غراما أصليا، أحسن من قنطار ذهب، ولكن مقلد