استمعت مساء أمس هيئة محكمة جنايات العاصمة إلى الرّأس المدبّر لعملية اختلاس 2100 مليار سنتيم من البنك الوطني رجل الأعمال عاشور عبد الرحمن رياض الذي تمسّك بإنكار جميع الوقائع المنسوبة إليه، مصرّحا بأن ذنبه الوحيد الذي زجّ به في السجن هو قيامه بالاستثمار في مجال الأشغال العمومية، ما خلق له أعداء كثيرين نظرا للأسعار التنافسية التي كان يتعامل بها· ادّعى عاشور عبد الرحمن أمس أن التّهم الموجّهة إليه مفبركة وأنه يجهل إلى حدّ اليوم الشخص الذي كان وراءها فجميع القضايا المتابع بها حرّكتها رسائل مجهولة، غير أنه يدرك تماما أن المشاكل بدأت تطاله منذ دخوله مجال الأشغال العمومية، قائلا: (ذنبي أنني قمت بالاستثمار في مجال الأشغال العمومية، ما سمح لي بالكشف عن حقيقة أسعار السوق والتلاعب فيها من طرف بعض المتنافسين)، موضّحا أنه عندما أسّس شركة (ناسيونال أ+) النّاشطة في مجال الأشغال العمومية فازت بعدّة مناقصات وطنية لما قدّمته من أسعار تنافسية، حيث كان السعر المتعامل به في هذا مجال تهيئة الطرقات 1200 دينار للمتر المربّع، بينما قام هو بالعمل بسعر 650 دينار للمتر المربّع وتحصّل بناء على ذلك على أرباح قدّرت ب 20 بالمائة· كما أنكر عاشور في ردّه على سؤال القاضي فيما يخص طبيعة علاقته مع موظّفي البنك الوطني الجزائري أن تكون لديه علاقة مميّزة أو فوق العادة، بل هي مجرّد علاقة تجارية تربط زبونا بمدير مصرف لا أكثر ولا أقلّ، وفيما يخص الصكوك التي قام بتخليصها دون رصيد فقد أوضح أن تعاملاته كانت قانونية، وأن شركته (ناسيونال أ+) كانت ضحّية شركتي (مأمونة) و(ناتاسين) اللتين يسيرهما شريكه (ع· رابح) بدليل وجود 251 صكّ تمّ صرفها في الفترة التي كان فيها متواجدا بالمملكة المغربية، ملمّحا إلى وجود تواطؤ بين شريكه وإطارات البنك· كما ذكر عاشور أنه كانت لديه مشاكل مع وكالة عين البنيان التابعة للبنك الوطني سنة 2000 لتماطله في تسديد القرض الذي منحته له والمقدّر ب 65 مليار، غير أنه وبعد أن وصلت القضية إلى أروقة العدالة قام بتخليصه باستثناء الفوائد، مشيرا إلى أنه يملك عدّة رهونات ما تزال محجوزة لدى البنك الوطني رغم تسديده للقرض الذي تحصل عليه بصفة قانونية· عاشور كان يتمتّع بنفوذ خاص من جهته حمل المتّهم (ع· رابح) الذراع الأيمن لعاشور وشريكه في عدّة مؤؤسات الذي تمّ استجوابه صبيحة نهار أمس عاشور عبد الرحمن مسؤولية كلّ التهم الموجّهة إليه، مصرّحا بأنه فعلا قام بتحرير وكالة للمتّهم الرئيسي تسمح له بالتصرّف في الأمور المالية للشركات من بينها تخليص المعاملات البنكية لرصيده بوكالة القليعة الذي قام بفتحه بواسطة المتّهم (ب· كمال) صهر عاشور الذي توسّط له لدى مدير الوكالة لفتح حساب شركة (مأمونة) نظرا للمشاكل التي كانت تلاحق عاشور مع وكالة عين البنيان· وبخصوص حسابهما البنكي فقد أكّد المتّهم أنه تمّ إغلاقهما أيّاما معدودة قبل كشف القضية من طرف المحقّقين، متسائلا عن كيفية تحويل 2000 مليار خلال 20 يوما، أي بمعدل 20 مليار في اليوم دون اكتشاف الأمر من طرف إطارات البنك، وهي الثغرة المالية التي كان يمكن اكتشافها في شهر وليس في عام· أمّا بخصوص سحب مبلغ 167 مليار سنتيم من الحساب البنكي الخاص في فترة تواجد عاشور عبد الرحمن بالمملكة المغربية فقد أكّد أن الفاعل دون شكّ عاشور للسلطة والنّفوذ اللذين كان يتمتع بهما، سواء داخل أو خارج الوطن، وأنه تمكّن من ذلك بواسطة الوكالة التي حرّرها له للتصرّف في حساب شركة (مأمونة)· القاضي من جهته حاول الاستفسار عن ال 94 مليار التي تمّ سحبها من البنك في الفترة ما بين 3 فيفري و24 سبتمبر، والتي استفادت منها شركة (رودي بروم) التابعة لشركة عاشور عبد الرحمن في إطار معاملة جمعت بين الشركة السالفة الذّكر وشركة (ناسيونال أبلوس) ليجيب المتّهم أن الشركة (رودي بروم) تولّت خدمة الإشهار لمجمع عاشور، معترفا بأن المبلغ كان ضخما للغاية، وهو ما جعل القاضي يقاطعه، كاشفا أنه تمّ إصدار 251 شيك حلال 18 يوما في إطار حركة شركة (ناتاسين) و(ناسيونال بلوس) فهل يعقل أن يتمّ إصدار كلّ هذه الشيكات في نشاط تجاري في مدّة قصيرة بمعدل 27 شيكا في يوم واحد، ليعترف المتّهم بأنه تصرّف غير قانوني، مؤكّدا للقاضي أنه لم يكن على علم بإصدار تلك الشيكات ولا على علم له بغلق الحسابات البنكية الخاصّة بذات الشركتين التابعتين له ويسيرهما عاشور عبد الرحمن في حين يتكفّل هو بالجانب الميداني· كما واجهه القاضي بتصريحات المتّهمة المتوفاة (م· عقيلة) التي جاء فيها أنها اخترقت القانون البنكي المتعاهد، حيث كانت تقوم بتحويل المال إلى مؤسسة (مأمونة) التابعة لسلسلة شركات عاشور دون انتظار الردّ على الإشعار بالمصير من الوكالة البنكية التي تمّ فيها توطين أعمال مجمع (مأمونة) بشرشال، أمّا صيغة الردّ عند وصوله المتأخّر فتكون معلّقة، أي لا تحتوي على علامة الدّفع أو عدم الدّفع، وأوضحت المتّهمة أن المدير العام أعطاها تعليمات بضرورة تسريع تعاملات عاشور وكلّفها بمهمّة المصادقة على عمليات تحويل الأموال لحسابه، والتي بلغت قيمتها 167 مليار سنتيم في ظرف شهرين، وهو الأمر الذي فنّده المتّهم مؤكّدا مرّة أخرى أن التعاملات البنكية من مهام عاشور· كما حاول المتّهم إبعاد الشبهة الجنائية عن سكرتيرته المتّهمة في القضية المدعوّة (م· حسيبة) قائلا: (هي تابعة لمكتبي وليس لعاشور ولم تكن لديها أيّ علاقة مع التعاملات البنكية لأنها في الأصل كانت من مهام عاشور شخصيا)، وعن سبب تواجدها في المملكة المغربية معه صرّح بأنها توجّهت بغرض متابعة أشغال الشركة التي كان ينوي تأسيسها هناك وليس لسبب آخر· أمّا بخصوص السيّارات التي قام باقتنائها لصالح زوجته وزوجة عاشور وسكرتيرته ومدير وكالة القليعة فقد أنكر قيامه بذلك باستثناء أنه قام باإسال السائق الشخصي لعاشور من أجل إحضار سيّارة مديرة وكالة القليعة التي اقتنتها بمبلغ 130 مليون سنتيم لوجود خلافات بينها وبين شركة (رونو)، كما استغرب إصدار وثائق بذلك طالبا من هيئة المحكمة أن تظهرها له· ومن جهتها، المتّهمة (م·ح) سكرتيرة (ع· رابح) صرّحت بأنها لم تتوجّه طيلة عملها إلى البنك من أجل سحب الأموال، بل رافقت مديرها مرّة واحدة أين التقت بمديرة وكالة القليعة، نافية أن تكون على سابق معرفة بها، كما كّدت أنها لا تربطها أيّ علاقة خارج إطار العمل مع مديرها، أمّا بخصوص الصكوك التي سحبتها من وكالة بوزريعة فهي خاصّة بأصحاب المطبعات التي تعاملت معهم لإنجاز هدايا رأس السنة من مذكّرات وأقلام، نافية حصولها على محلّ في القبّة كهدية من مديرها وأكّدت أنها استأجرته للعمل فيه. متّهمون ينفون التهم أمّا المتّهم (ب·م) مسيّر شركة التغليف الإفريقي المتابع بجنحة المشاركة في الاختلاس على أن الشركة فتحها مع عاشور لكنها لم تمارس نشاطها التجاري، مشيرا إلى أن عاشور استفاد من حسابه البنكي ولم يكن يعرف أنه استخدم لاختلاس أموال البنك، ونفس الشيء بالنّسبة للمتّهم (ز.م) الذي أكّد أنه منح عاشور وكالة لتسيير حسابه والشركة التي أسّسها برفقته ولم يعرف مصير حساباته إلاّ بعد استدعائه للتحقيق معه· في ذات السياق، فنّدت المتّهمة (ل،م) زوجة (ع·ر) علاقتها بالاختلاس، مؤكّدة أنها لا تملك أيّ حساب بنكي ولم تذهب إلى البنك في حياتها على عكس ما صرّح به زوجها أمام هيئة القضاء، أين قال إنها قامت بالإمضاء، وصرّحت بأن فيلا عين طاية اشتراها لها زوجها منذ 2003 وأنكرت أن تكون شريكة في شركة النّقل الأزرق التي استعملت في الاختلاس· من جهته، السائق الشخصي لعاشور عبد الرحمن (م· مصطفى) صرّح بأن مهمّته تمحورت فقط في نقل (م. حسيبة) سكرتيرة مديره المدعو (ع. رابح) التي كانت حسب إفادة المتّهم، منظّفة، إلى الأماكن التي يوجّهه إليها المدير· وقد تحوّلت مهام السائق إلى بنكي محترف يفقه في التعاملات المصرفية والشيكات البنكية، حيث صرّح في هذا الشأن بأنه أرسل من طرف مديره إلى فرع الوكالة البنكية بشرشال لسحب رصيد سندين مصرفيين مجهولي المصدر، قيمة كلّ واحد منهما 500 مليون سنتيم، ليعاود تكليفه بمهمّة سحب 300 مليون سنتيم على مستوى نفس الوكالة البنكية، كما كلّف مصطفى بشراء عشر سيارات جديدة، سجّلت على اسم كلّ من زوجة عاشور، السكرتيرة وميدرة وكالة القليعة وأشار المتّهم إلى أنه لم يسبق له أن زار ورشات أشغال المجمّع التي من المفترض أنها تنشط في تعبيد الطرقات ولم يسمع أبدا عن وجودها طيلة عمله·