أصبحت الأماكن العامة مسرحا للاعتداءات والسرقة بشتى أنواعها إلى درجة أنها أصبحت صورة مألوفة لدى الجزائريين، إلى درجة أنها لم تعد تثير استغرابهم أو تدفعهم للتدخل في حال ما إذا تعرَّض أحدهم للسرقة حرصا منهم على أنفسهم خوفا من التعرض للأذى وذلك بعد اكتشاف حقيقة لامناص منها والمعروفة أن السارق لا يجرؤ على ارتكاب جريمته لوحده، حيث يكون في أغلب الأحيان محاطا برفقاء له يساعدونه في حال تعرضه لمشكلة، ورغم كون أغلب عمليات السرقة تحدث أمام مرأى الجميع، وفي وضح النهار ما يمنح الضحية فرصة التعرف على المعتدى عليه، إلا أن معظم الضحايا قد يفضلون عدم التبليغ على هذه الجرائم الأمر الذي شجع المجرمين والمنحرفين على مواصلة جرائمهم· وتستغل هذه الشلة المنحرفة الأماكن المعروفة بالزحام والاكتظاظ والفوضى لتقوم بعملية السطو بكل راحة على سبيل المثال الحافلة، حيث كان أحد اللصوص الذين التقيناه بالصدفة ووقعت أعيننا عليه وهو منهمك في البحث عن فريسة يصطادها، فرأى سيدة قد غفلت بعض الشيء فراح اللص بحركات خفيفة وحذر شديد يحاول أن يلقي بعناية يده في الحقيبة عله يجد شيئا ذا قيمة، إلا أن خطته أحبطها صراخ أحدهم كان قد لمحه وهو يهم بارتكاب جرم لينتفض خوفا وينزل في أول محطة· هذه الواقعة وغيرها أصبحت من الظواهر المتكررة يوميا التي تعود عليها الناس خاصة مرتادي الحافلات والأسواق باعتبارها أماكن آمنة توفر للصوص فرصة الضياع في وسط الزحام دون أن يتفطن لهم أحد، حيث نجد الناس في هذه الأماكن مشغولين بحراسة حقائبهم وجيوبهم لأن أي سهو أو غفلة قد تكلف الشخص ضياع هاتفه أو حقيبة نقوده أو أي شيء آخر ذي قيمة· ويقول رفيق (إنه من خلال عمله كقابض في الحافلة، يشاهد يوميا العديد من حالات السرقة وفي معظم الأحيان لا يشعر الضحايا بضياع أشيائهم إلا بعد فوات الأوان)· والأمر الذي يفتح المجال للعديد من الاستفسارات هو عزوف الضحايا عن التبليغ وتقديم شكوى بما سرق منهم حتى وإن تعرضوا للسرقة عدة مرات، الأمر الذي زاد من استفحال الظاهرة، بل قد يسخر البعض من الأشخاص الذين يقومون بالتبليغ عن عمليات السرقة التي تعرضوا لها، معتبرين أن الأمر لا يستحق ذلك خاصة إذا تعلق الأمر بهاتف نقال مثلا، وهنا يؤكد رفيق أن ما يمنع الضحايا من التبليغ هو عدم معرفتهم للمجرم الحقيقي، والوقت الذي تعرضوا فيه للسرقة، كما أن في معظم الأحيان الناس لا يتدخلون لإنقاذ شخص تعرض للسرقة خوفا على أنفسهم من الاعتداء كإشهار السلاح الأبيض في وجه المتدخل، لذا الكل يتغاضون عن الجرائم التي تحدث أمام أعينهم· وأكثر ضحايا الاعتداءات هم النساء باعتبارهن غير قادرات على مواجهة هذا اللص خاصة إذا هددها بالسلاح الأبيض ما يدفع الفتاة لوضع كل مالديها من أشياء ثمينة من مجوهرات أو مال تحت تصرفه وهمها الوحيد هو أن تنفذ بجلدها وهذا ما حدث لليلى، وهي موظفة بأحد المنازل، حيث اعترض سبيلها أحد اللصوص وهدّدها بالسلاح الأبيض فما كان عليها سوى الاستسلام حيث جردها من مصوغاتها وهاتفها النقال ولم يترك لها بالمحفظة سوى وثائق هويتها وأدوات التجميل، ورغم ذلك لم تقدم على التبليغ عنه· كما اقتحم الظاهرة في الآونة الأخيرة النسوة حيث احترفن خاصة سرقة النساء باستعمالهن شفرات الحلاقة· وفي ذات السياق تقول السيدة مليكة البالغة من العمر 62 سنة إنها تعرضت لسرقة محفظتها وهاتفها النقال بواسطة شفرة حلاقة حيث أقدمت إحدى المنحرفات على تمزيق حقيبتها اليدوية في غفلة منها، وتضيف محدثتنا أن السرقة أصبحت لا تنحصر في الشباب بل طالت حتى الجنس اللطيف والظاهرة استفحلت بشكل ملفت للانتباه إلى أن تحوّلت إلى عالم إجرامي دخله المنحرفون والمنحرفات من الباب الواسع جراء استعمال الأدوات الحادة التي تسببت في ارتفاع محسوس لضحايا السرقة· واعتبرت المحامية صبرينة بوزرية أن امتناع الضحايا عن التبليغ عن السرقات التي تعرضوا لها يعود لكونهم يعتبرون ذلك تضييعا للوقت في القضايا والمحاكم خاصة إذا تعلق الأمر بهاتف نقال أو حقيبة يد أو محفظة نقود، فتوكيل محامي قد يكلف أضعافا وأكثر مما ضاع منهم، كما أن أغلب الضحايا لا يتعرفون غالبا على المجرم الحقيقي الذي سرقهم واعتدى عليهم لذلك فإن القضايا دائما تسجل ضد مجهول·