* عيسى قاسة: "بعض النقابات تحاول زعزعة استقرار البلاد" ما يزال غليان الساحة الاجتماعية الذي لم تطفئه مجموعة الإصلاحات التي بادر بها رئيس الجمهورية مؤخّرا يطرح عدّة تساؤلات حول الطريقة التي سيواجه بها البرلمان الجديد هذه الأوضاع، لا سيّما حزب جبهة التحرير الوطني الذي اقترب من تحقيق الأغلبية المطلقة ليتحمّل بذلك مسؤولية أكبر في معالجة التوترات التي طال أمدها واتّسع مجال تأثيرها بتزايد الاحتجاجات والإضرابات التي شملت عددا من القطاعات، على غرار قطاعي الصحّة والتربية والتعليم· لم تتمكّن الإصلاحات التي عرفتها الساحة السياسية والاجتماعية مؤخّرا من إيقاف غليان الجبهة الاجتماعية التي نظّمت سلسلة من الاحتجاجات والإضرابات التي شملت عددا كبيرا من القطاعات، على غرار قطاعي الصحّة والتربية والتعليم وعمّال البلديات وعمّال الأسلاك المشتركة، حيث رفع المحتجّون فيها مطالبهم مشتكين من إهمال الإدارة والوزارات الوصية لاحتياجاتهم· الإصلاحات لم تُطفئ الغضب الاجتماعي على عكس ما كان متوقّعا لم تستطع الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي بادر بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة مؤخّرا إيقاف موجة الإضرابات والاحتجاجات التي طالت قطاعات حسّاسة كالإضرابات المتكرّرة التي نظّمها عمّال القطاع الصحّي، لا سيّما الممارسين الأخصّائيين والإضرابات التي شهدها قطاع التربية والتعليم رغم الظروف الخاصّة التي عرفتها المؤسسات التعليمية هذه السنة إثر موجة الثلوج التي اجتاحت بعض ولايات الوطن وأجبرت العديد من المؤسسات التعليمية على مستوى 16 ولاية متضرّرة على غلق أبوابها، ما أدّى إلى تأخّر سير الدروس. لتأتي إضرابات الأساتذة وتزيد الأمور تعقيدا، لا سيّما فيما يتعلّق بالتلاميذ المقبلين على امتحانات شهادات التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي، إلى جانب سلسلة الاحتجاجات الأخرى التي نظّمها كتّاب الضبط على مستوى المحاكم والمجالس القضائية احتجاجا على عدم وفاء الوزارة الوصية بوعودها في تحسين أوضاعهم الاجتماعية ورفع أجورهم، زيادة على إضراب عمّال البلديات وأعوان الوقاية والأمن وغيرهم من الشرائح التي عبّرت عن استيائها من ظروف العمل ولا مبالاة المسؤولين باحتياجاتهم، ليجد المواطن الجزائري نفسه مكبّلا بالإضرابات والاحتجاجات أينما توجّه لقضاء أمر ما· ورغم الإصلاحات التي باشر رئيس الجمهورية بتطبيقها قبيل الانتخابات التشريعية التي قيل إنها منعرج حاسم للتغيير السلمي الذي سيجنّب البلاد تداعيات ما سمّي ب (الربيع العربي)، إلاّ أن أغلب القطاعات استمرّت في الاحتجاج كون الإصلاحات لم تمسّها بطريقة مباشرة، وهو ما لاحظناه من خلال تتبّعنا لأبرز إصلاحات الرئيس التي ركّزت على الحدث لا على أوضاع العمّال والساحة الاجتماعية بصفة عامّة. ولو نجري قراءة في التعديلات التي طرأت على بعض القوانين في إطار هذه الإصلاحات فسنجد أغلبها متعلّقا بانتخابات العاشر من ماي التي قد تفرز نتائجها على المدى البعيد دون أن تخفّف من عناء المواطن الجزائري في الوقت الرّاهن. ومن بين أبرز هذه التعديلات قانون الأحزاب الذي سمح ببروز أكثر من 20 حزبا جديدا، وهو ما اعتبرته بعض التحليلات وسيلة لفرض رقابة أوسع على المعارضة، إضافة إلى قانون الإعلام الذي سمح بعد 50 سنة من احتكار الدولة لقطاع السمعي والبصري بفتح قنوات تلفزيونية وإذاعية، وهو ما علّق عليه بعض مناضلي حقوق الإنسان بأنه يمثّل تراجعا في الميدان الإعلامي وقد يمسّ بحرّية الصحافة، إلى جانب قانون توسيع التمثيل النّسوي في المجالس المنتخبة الذي انتقده كثيرون كونه يضعف دور المرأة ويقلّل من مصداقيتها. وزيادة على هذه القوانين التي شملت جوانب سياسية ارتبطت بالانتخابات البرلمانية كانت هناك بعض الإصلاحات الاجتماعية التي انحصرت جلّها في زيادة الحدّ الأدنى للأجور من 15 ألف دج إلى 18 ألف دج ووضع حدّ أدنى لمنح المتقاعدين التي حدّدت ب 15 ألف دينار للعمّال الذين كانوا يتقاضون أقلّ من هذا المبلغ، هذا إلى جانب الزّيادات في أجور عمّال بعض القطاعات كالزّيادة التي شملت أجور الأساتذة والأطبّاء. لكن هذه الإصلاحات الاجتماعية أيضا قوبلت بانتقادات حادّة بعد التهاب أسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع لتلتهم الزيادات ويبقى المواطن أسير حلقة مفرغة اسمها ضعف القدرة الشرائية· ماذا ينتظر الأفلان بعد الفوز في الانتخابات؟ هو سؤال يطرحه كلّ جزائري سواء شارك في الانتخابات أو كان من المقاطعين، وسواء منح صوته لجبهة التحرير الوطني أو فضّل منحه لتشكيلة أخرى، فمادام (الأفلان) قد فاز في الانتخابات التشريعية بعدد مقاعد كاد يمنحه الأغلبية المطلقة فهو مطالب بالنّظر في جميع الاحتياجات والتطرّق إلى كافّة الانشغالات ومعالجة المشاكل المطروحة· لكن مهمّة حزب جبهة التحرير الوطني الذي يُنتظر أن يستحوذ على غالبية الحقائب في الحكومة القادمة تبدو هذه المرّة صعبة مع الاضطرابات التي تعيشها مختلف القطاعات، لا سيّما القطاعات الحسّاسة كالقطاع الصحّي وقطاع التربية والتعليم، والتي يضاف إليها المشاكل التقليدية التي تطرح في كلّ المناسبات كضعف القدرة الشرائية للمواطن والبطالة والسكن والفقر إلى غير ذلك، فكيف ستتعامل جبهة التحرير مع كلّ هذا؟ هو سؤال طرحناه على المكلّف بالإعلام في حزب جبهة التحرير الوطني قاسة عيسى الذي أكّد أن الحزب يسير على خطى البرنامج الخماسي (2010 - 2014) الذي أطلقه رئيس الجمهورية في إطار الإصلاح ودفع عجلة التنمية الاقتصادية، وأضاف أن الاحتجاجات أو الإضرابات التي عاشتها بعض القطاعات قبل الانتخابات التشريعية ولا تزال مستمرّة حتى بعدها تعدّ سلوكا طبيعيا للتعبير عن بعض الأوضاع السائدة في المجتمع الجزائري، لكن هذه الاحتجاجات عرفت توسّعا كبيرا لتشمل قطاعات أخرى بعد إعلان السلطات عن زيادات في أجور عمّال بعض القطاعات، مستنكرا بذلك لجوء بعض النقابات إلى تنظيم حركات احتجاجية بهدف زعزعة استقرار البلاد وتعطيل العمل اليومي في محاولة لخلق إثارة وحراك سياسي على حد تعبيره . أمّا عن برامج الحزب في إطار البرلمان الجديد فقد أكّد قاسة أن الحلول ستكون على المدى الطويل ولا يمكن خلق حلول (سحرية)، مشيرا إلى الوعود الخرافية التي أطلقتها بعض التشكيلات السياسية خلال الحملة الانتخابية. وأضاف المكلّف بالإعلام أن رهانات جبهة التحرير الوطني سترتبط بضرورة دفع عجلة التنمية الاقتصادية وحلّ مشكل البطالة باستحداث مناصب شغل دائمة، مشيرا إلى أن جبهة التحرير تنتظر النتائج التي سيقرّها المجلس الدستوري متوقّعا زيادة في عدد المقاعد، لا سيّما بعد الطعون التي قدّمت من أجل استرجاع عدد من المقاعد الضائعة·