حصلت كاتبة الجرائم مارثا غرايمز البالغة من العمر 81 عاماً على الجائزة الكبرى لكتّاب القصص الغامضة في أمريكا (غراند ماستر)، منضمةً إلى صفوف المكرّمين الأسطوريين في هذا الميدان مثل أغاتا كريستي، وجون لي كاري وإلمور ليونارد· غرايمز المشهورة جداً في ألمانيا، بحسب صحيفة (واشنطن بوست)، باعت 10 ملايين نسخة من كتبها (31 عنواناً) في الولاياتالمتحدة وحدها، كتب نُشِرَت في 17 بلداً· منذ حوالى 30 عاماً، كانت مارثا غرايمز أمّاً عزباء تعاني مشكلة الإدمان على المشروب· وكانت تعطي الدروس لطلاب المستوى 101 في اللغة الإنكليزية في كلية مونتغوميري في تاكوما بارك، إلا أنها لم تستطع تحمّل هذه الوظيفة قط· فظلّت على شجار دائم ومحتدم مع موظفي مكتب البريد حول أسعار الحوالة البريدية لمخططاتها· كانت تريد أرخص سعر كتاب، ما كان يسبب الإحراج لابنها فيفضل الانتظار في السيارة· كانت آنذاك في أواخر أربعيناتها ولم يسبق لها أن نشرت أي كتاب، فهي أنجزَت أعمالها كافة بعد تقاعدها، أي بعد سنّ الخمسين· ولم يُدرَج اسمها على قائمة أكثر الكتب مبيعاً إلا عندما أصبحت في السادسة والخمسين من العمر، ولم تكسب مالاً وفيراً إلا حين بلغت سنّ الستين· تقول: (كنتُ في مكتب عقارات عندما اتصلوا بي وأعملوني بفوزي بجائزة Grand Master، فكاد يغمى عليّ حينها)· مارثا غرايمز امرأة طويلة القامة ونحيلة، متحفّظة، صاحبة ضحكة أجشّة وصوت متأثر قليلاً بخلل النطق التشنجي· ترعرعت فتاة بيتسبورغ هذه في ماريلاند الغربية، وهي تتمتع بشيء من تلك الفطنة والروح الفكاهية· يقول نائب الرئيس التنفيذي لكتّاب القصص الغامضة لاري لايت إن الإبداع الذي فجّرته غرايمز في وقت متأخر من حياتها قد أعاد إحياء، بل ابتكار اللغز البريطاني التقليدي الذي يغفل الدم والشجاعة والجنس· وتتمحور الروايات حول قرى غريبة تحصل فيها جرائم غريبة أيضاً يحقق فيها رجل تحرّي يحاول معرفة القاتل الحقيقي من بين قائمة من مشبوهين غريبين بل مُحبَّبين· ويضيف: (تكتب وفقاً لهذا التقليد، لكنّ كتبها مليئة بالدم والشجاعة والجنس، وهي مسلية في آن· لقد غيّرَت منهج العمل)· جاءت الجائزة مع تقدير: مأدبة في نيويورك وتمثال نصفي صغير يجسّد القديس الشفيع للجمعية· البداية كتَبَت مارثا غرايمز كتباً بعيدةً عن اللغز في أماكن أخرى، لكن أكثر ما شهرها كان تلك السلسلة التي أشْرَكت فيها التحرّي السكوتلندي ريتشارد جوري الذي حلّ ألغاز الجرائم في 22 كتاباً، في أغلب الأحيان في المدن البريطانية الصغيرة· استوحت لهذه الكتب عناوين من أسماء الحانات أو الملاهي الليلية التي ترد في التحقيقات، أولها روايةThe Man With a Load of Mischief التي تدور أحداثها في قرية وهمية في لونغ بيدلتون (تميزت بحسّ فكاهي ماكر إلى حدّ ما)، وقد نُشرَت في عام 1981، وأحدثها The Black Cat التي تجري أحداثها في قرية شيسهام في عام 2010· بدأ هذا كله سنة 1977 عندما كانت جالسةً في عشاء تتصفّح كتاباً عن الحانات الإنكليزية، فوقع نظرها على مبنى Mischief وفكّرت في أنه قد يكون عنواناً جذاباً· كان عليها الانتظار لأربع سنوات أخرى قبل نشر الكتاب· وبما أنه لم يكن لديها أي وكيل، شحنَت المخطط إلى الناشرين على أمل بأن يقرأها أحد، وقد قرأها براون أخيراً· كان جهدها نابعاً عن حبها للقصص الغامضة من جهة، وحبها لقرى بريطانية لم تزرها سوى مرّاتٍ قليلة من جهة أخرى· فجلست ذات صباح بعد وقت من التفكير ورسمَت عالماً على الشكل الآتي: (أثلجت يومَين بطولهما في أرجاء نورثمبتونشاير كافة، في شمال إنكلترا بكامله، بالفعل كانت أشياء جميلة وناعمة تكدّست على السطوح واستقرّت في زوايا النوافذ ذات الألواح الزجاجية الرصاصية المتحولّة إلى مربعات من الذهب والياقوت بفعل الضوء الناري المنعكس· مع سقوط الثلج وتصاعد الدخان من أصص المداخن، بدت لونغ بيدلتون أشبه ببطاقة معايدة بمناسبة عيد الميلاد على رغم الجريمة التي شهدتها أخيراً)· هذا هو توقيع مارثا غرايمز التي صوّرت القرية البريطانية في قالب رومنسي (أصص المداخن، الألواح الزجاجية الرصاصية) مع مرتكب الجريمة، لقد تمّ العثور على الضحية مربوطة بأسلاك، ورأسها وكتفاها مُتخمان ببرميل من الجعة يصل طوله إلى الخصر· بالحديث عن بداياتها، تقول غرايمز: (بالطبع، لم أفكر قط في أنها ستكون سلسلةً من الكتب· كل ما أردته كان نشر ذلك الكتاب· لما كنت لأتقبّل إرساله والحصول على رسائل رفض)· في الآونة الأخيرة، بعد ظهر يوم بارد بينما كانت غرايمز جالسةً على أريكة في غرفة جلوس منزلها في بيتشيدا المؤلف من طابقين، حيث تشتعل النار في الموقد· جابت القطّتان (بوني" وسيدني)، حول الغرفة التي تعجّ بالكتب والبيبلوهات والكراسي المريحة· إنه مكان متواضع ودافئ بقدر منازل الجدات· (جدول أعمالي مهدور منذ أن ابتعتُ هذا المنزل)، هذا ما تقوله غرايمز، متوقّفةً عند قصة المقاولين والترميمات اللامتناهية التي انطلقت منذ انتقالها إلى هناك منذ عامين· وتتابع: (الآن أكتب قليلاً في الليل، الأمر الذي أحبّ أن أفعله· يُفترَض بي أن أكتب ثلاث صفحات أو أربع في اليوم، لكنني لا أفعل غالباً)· أتعرف لماذا يزعجها ذلك؟ كانت امرأة متوسطة العمر لم تعد لها أي آفاق، إلى جانب ابن مراهق ووظيفة وصلت فيها إلى طريق مسدود، تعيد صياغة سرد حياتها بعد سنّ الخمسين: بالعمل لساعات طويلة والالتزام بالمواعيد وجداول العمل· سيرة ذاتية نشَرَت غرايمز على الأقل كتاباً في كل عام خلال 30 سنة، والآن تنهي الكتابين A new Jury Mystery ،Vertigo 42، وThe Way of All Fish تتمة هجائها الأسود (الذي نعته البعض ب{الحقير") لصناعة النشر Foul Matter· كذلك هي في صدد نشر سيرة حياتها التي انتهت من كتابها Double, Double والتي تتناول فيها مشاكل إدمان الكحول التي شُفيَت منها هي وابنها هولند منذ 20 سنة)· لم تتردد لحظة وعلى مر السنوات في حماية ميدانها الفكري الذي تعدت عليه كاتبة اتهمتها مارثا غرايمز بتملك شخصياتها الرئيسة (إليزابيث جورج)، وصفّت حسابات Foul. كذلك دخلت في نزاع قضائي مع وكيل سابق حول تفاصيل أحد العقود· في خضم هذه الاضطرابات كافة، تعمل على Best in Shelter، وهو برنامج مباشر عبر الإنترنت متمركز حول الكلاب تسعى من خلاله إلى جمع الأموال لملاجئ الحيوانات· كانت مسألة حقوق الحيوان شغلها الشاغل على الصعيد الاجتماعي على مدى سنوات· في عام 1999، نُشِرت رواية Biting the Moon التي تحكي قصة فتاتين مهجورتَين في الغرب وفظاعة استغلال الحيوانات التي شهدتا عليه· يشار إلى أن مارثا غرايمز التي تعيش على الأطعمة النباتية قد تبرّعت بقدر كبير من إيراداته إلى الجمعيات الخيرية ذات الصلة· لا تُعتَبَر كتابة الجرائم مشروعاً مُحبّذاً لابنة محامي مدينة بيتسبورغ، التي ولدت خلال الانهيار الكبير· كانت عائلة أمها تملك فندق (ماونتن ليك بارك) (الذي صوّرته تحت اسم Hotel Paradise الوهمي في إحدى رواياتها في عام 1996) في الغرب الأقصى من ماريلاند، وكانت العائلة تمضي عطلة الصيف هناك· لكن والدها توفي عندما كانت في السادسة من العمر، ثمّ انهارت أموال العائلة· فأخذتها أمّها جون مع شقيقها ليساعداها في إدارة الفندق ولكنه في النهاية أغلق أبوابه وتدمّر· حازَت مارثا غرايمز شهادة البكالوريوس وشهادة الماستر من جامعة ماريلاند وتلقت صفوفاً في برنامج الكتاب التابع لجامعة لوا (ركَّزَت حينها على الشِعر)· عادت إلى ماريلاند حيث التقَت بفان هولند وتزوجت به، حين كان كلاهما يعلّمان في ولاية فروستبورغ· تطلّق الثنائي عندما كان ابنهما الوحيد لا يزال طفلاً، فدخلت الكاتبة كلية مونتغموري في أوائل السبعينات· يقول كنت هولند الذي يعمل حالياً مديراً تنفيذياً للعلاقات العامة في واشنطن: (أظن أننا انتقلنا خمس أو ست مرات عندما كنتُ في السادسة من العمر· كان الضغط المالي هائلاً)· لم تكن غرايمز شاعرة ناجحة، فقد لاحظَت أن غالبية قصائدها جاءت مركِّزةً على العنف وقد اتسمَت بقوس سردي قوي و{تُقرأ مثل الشِعر من شخص يُفترَض به أن يكتب نثراً)· أحبَّت الروايات الغامضة التي كتبتها أغاتا كريستي ودوروتي سايرز، وتحمّسَت لتكتب بنفسها هذا النوع من القصص· لحظة تحول كانت غرايمز تكتب في الصباح، قبل الصفوف أو بينها· كانت تجلس غالباً في سريرها وتكتب فوق وسادة صفراء· كتَبَت لغزاً حول (أستاذ أنكليزي أمريكي بنى علاقات مع شخصين وسرقوا أشياء كثيرة)· لم تُنشَر هذه القصة قط، لكنها تضمنت باكورة ميلرزو بلانت، الأرستقراطي في لونغ بيدلتون الذي ساعد جوري في حلّ القصص الغامضة· نُشِرت رواية Mischief في عدد ضئيل من المجلات الرفيعة المستوى وقد طُبِعَت 300 نسخة عنها فقط، لكنها أطلقَت نجمةً جديدةً فجأة· يقول كنت هولند:(إن كنتَ تبحث عن لحظة تحوّل من المستحيل إلى الممكن، فهذه هي)· لحظة التحول كان عليها أن تطاول أيضاً مسألة الإدمان، فاتفقت الأم والابن على تترك المشروب نهائياً، لأن الفودكا جعلتها جداليةً فوق اللزوم، وهذه العادة السيئة قد ازدادت عندما انتقل هولند إلى الكلية فوجدت نفسها عندئذٍ وحيدةً في منزلها· إلا أنّ الشرب لم يؤثر على مسيرتها التي شهدت ازدهاراً متزايداً· بلغت الإصدارات الأولى من رواياتها 100,000· كانت ذروات الLiterary Guild الMystery Book Club· بالحديث عن The Old Silent، كتبت مجلة Kirkus: (فهي كالعادة تكتب بسحر، وسلطة وحسّ فكاهي)· كانت أيضاً مرتاحةً مع طريقتها في بناء الكتاب· أما الثوابت في قصصها فكانت شخصية جوري وحانة (بلانت) التي يرد اسمها بشكل بارز في جريمة بشعة (أو جريمتين)، ناهيك بحسّ السرد المرتكز على الشخصيات والمشاهد· من الناحية اللغوية، اعتمدت مارثا غرايمز أسلوباً مميزاً (شرطيّ هزيل وجهه أحمر ك(تفاحة على عصا)) وكانت ماكرةً في تصويرها حياة القرية، لكنها لم تبرع قط في الحبكة، وتقول: (لا أضع تصميماً ولا تلخيصاً· لا أعرف النهاية إلى أن أصل إليها· لدي إحساس ظريف بأن الكتاب قد دخل مرحلة دون الوعي، وأنا أحاول اكتشافه)· ساره فوغل أستاذة العلوم الإنسانية في جامعة إمبري ريدل لهندسة الطيران والمحرّرة المساهمة في Martha Grimes Walks Into a Pub، مجموعة مقالات حول أعمالها كُتِبَت في عام 2012، تقول إنّ غرايمز كانت تنتمي إلى مجموعة نساء (سو غرافتون، ساره بارتسكي) قد بدأن يعطين لرواية الجريمة اتجاهات جديدة في الثمانينات: (لقد دمجت الآداب مع شوارع وضيعة في مزيج فريد يجمع بين الأسلوب الدافئ والأسلوب القاسي، وهي مشهورة بحسها الفكاهي وبالشخصيات المدهشة التي تصوّرها)· تُضيف فوغل: (كذلك نشرت رواياتٍ أخرى وكتاب شعر· وفيما لاقى عملها شعبيةً، إلا أنه لم يتلقَّ الانتباه النقدي الذي يستحقه)· عادت غرايمز للكتابة في منزلها الهادئ في إحدى الضواحي الأمريكية الهادئة· إنه عالم آخر مختلف تماماً عن صور الحانات البريطانية· إنه عالم السيدة صاحبة القطّتين·