بعد انتهاء عام دراسي شاق ومنهك يجد أطفال الأسر المعوزة أنفسهم في مواجهة الأعمال الشاقة لجلب قوت أسرهم، فالعطلة بالنسبة لبعض الفئات لا تعني الراحة والاستجمام، وإنما اقتحام سوق العمل من بابه الواسع، بحيث تكثر عمالة الأطفال خلال العطلة الصيفية ونجدهم ينتشرون بالأسواق وبحواف الطرق السريعة وبالمحلات وبورشات العمل من أجل جمع مداخيل يجدونها في تغطية تكاليف الدخول المدرسي المقبل وكذلك في فك كرب عائلاتهم من وقت لآخر. بحيث يستعد الكثير من الأطفال من أجل البحث عن فرص عمل في الورشات والمخابز والمحلات وحتى الأسواق واستغلال العطلة المطولة لأجل الكسب، وفي الحقيقة أي كسب فمعظم المستخدمين يستغلون الأطفال في أعمال شاقة وبعدها لا يسلمون لهم إلا الفتات من العائدات الكبيرة التي يجنونها، ولا ننفي أن الكثير من المحلات أو حتى الشركات أو المؤسسات المصغرة تبحث عن هؤلاء الأطفال في هذه الفترة لاستغلالهم في بعض الحرف اليدوية خاصة وأنهم فئة سهلة لا تشترط الكثير ويكفيها ضمان سعر بعض الكماليات وتوفير قسط من تلك الأجرة المهينة للأم أو الأب قصد مساعدة الأسرة في جلب بعض الحاجيات. مما يؤكد أن بعض الأطفال يستغلون استغلالا بشعا خلال العطلة الصيفية طويلة المدى والتي تتعدى ثلاثة أشهر يضمن بها صاحب العمل بعض المداخيل والعائدات التي تعود بالربح على المشروع، تلك العائدات التي تكون ثمرة جهود وتعب مضن لأطفال صغار لا يلحقهم إلا الفتات من تلك المداخيل الوفيرة، ويشيع الأمر في كامل المحلات على غرار المخابز ومختلف الورشات التي فضلت استغلال البراءة وتعبها المضني من أجل الكسب السهل. اقتربنا من بعض نواحي العاصمة على غرار ساحة أول ماي، باب الوادي، بلكورالعتيق، فأكد لنا الكل الظاهرة بحيث يكثر تشغيل الأطفال في المقاهي، في محلات الإطعام السريع، المخابز، ومختلف الورشات خلال العطلة ما حدثنا به السيد عثمان الذي قال إنه على معرفة بأسر تدفع بأبنائها خلال العطلة لسوق العمل لجمع المداخيل بأي ثمن مهما كانت الصورة أو الطريقة التي يعمل بها الطفل أو الاستغلال الوحشي الذي يتعرض له من طرف أرباب العمل من دون أن يقابل تلك الجهود عائدات، فأغلبهم لا يقدم إلا أجرة بسيطة للطفل العامل، وقال إنه كان على معرفة بابن جاره الذي يستغله صاحب العمل استغلالا فظيعا في مخبزة، ولا يلاقي ذلك التعب أجرة جيدة تنسي الطفل تعبه في آخر الشهر، حتى إنه كان يؤجر على عمله بالأسبوع أي تقدم له أجرة أسبوعية لا تتعدى 1000 دينار وكان الطفل يفرح بها فرحا بهيجا كونه قاصرا لا يعرف ما يضره أو ينفعه واللوم يقع على الكبار، وهو على الأسرة أولا كونها بعثت بفلذة كبدها إلى تلك الوحوش البشرية، وثانيا على صاحب العمل الذي يأكل عرق الطفل بالباطل ولا يكافئه على تعبه مكافأة عادلة. نفس ما وضحته سيدة أخرى التي قالت إنها وبالنظر إلى عوزهم عادة ما يمتهن أطفالها بعض المهن الحرة خلال العطلة، ولم تنف أن هناك من أصحاب الورشات من يستغلون فلذات أكبادها، بحيث لا تعادل أجرتهم الجهود التي يبذلونها خلال ساعات العمل بل حتى أنهم لا يؤجرون على الساعات الإضافية، وقالت إنه على سبيل المثال ابنها الذي يعمل بمقهى لا يؤجر كبقية العمال على الرغم من أنه يقدم جهودا أكثر منهم وهناك فرق شاسع بين أجرتهم وأجرته الشهرية. وما وقفنا عليه أثناء استطلاعنا أن الكثير من أصحاب تلك الورشات والمحلات لم تتوافق أجور العمال القصر العاملين عندهم والحد الأدنى للأجر الوطني المضمون والذي صعد إلى 18 ألف دينار مؤخرا ونجدها تقل عنه بكثير، بحيث هضموا حقوق الأطفال القصر كونهم فئة ضعيفة لا تستطيع الدفاع عن نفسها وتتخوف من الطرد في حال المطالبة بأبسط الحقوق.