يشتكي الكثيرون في هذه الأيام من غياب بعض الأجواء والمظاهر التي كانت تلوح بقدوم الشهر الكريم في أغلب الأزقة والشوارع العاصمية على غرار الطاولات التي كانت توفر أنواع التوابل وبعض مستلزمات تنظيف المنازل التي تعتمد في طبيعتها على أشياء بسيطة كالجير مثلا، إلى جانب عربات ترويج الدربوكة التي كانت عرباتها تملأ أغلب الشوارع والأزقة بمختلف أشكالها وألوانها الزاهية، وكان يحوم حولها الأطفال وهي الوسيلة التي كانت تستعملها البنات في ليلة رمضان وفي باقي سهراته تعبيرا عن فرحة الكل بقدوم الشهر الكريم. لكن وللأسف تلك المظاهر والعادات بدأت في التلاشي إن لم نقل قد زالت أصلا عن شوارعنا مما أدى إلى غياب رائحة أو (بنّة) رمضان كما يقال، ولم تعد تنحصر سوى في تنقل النسوة إلى الأسواق من أجل تجديد الأواني، تلك العادة التي لم تمت إلى جانب محلات ترويج الحلويات الشرقية التي تتأهب لاستقبال الزبائن ما عدا تلك المظاهر الجزئية، غابت أغلب الأجواء التي كانت تتميز بها خاصة بعض المناطق العريقة على غرار بلكور، القصبة، باب الوادي.. بحيث كانت العاصمة تعبق بقدوم الضيف الكريم أياما طويلة قبل حلوله وكان الكل يتفاعل مع تلك الأجواء المميزة التي تخلقها رائحة التوابل وشربة الفريك وكذا شربة المقطفة التي تحضرها النسوة أيام قبل رمضان. ما وضحته لنا أغلب النسوة عبر بعض الأسواق الشعبية التي انحصرت أجواؤُها في عرض أنواع الأواني فيما غابت رائحة التوابل عنها التي تنبع منها أجواء مميزة تلوح بقدوم الشهر الفضيل، قالت السيدة حجيلة إنه بالفعل هناك فوارق عديدة بين رمضان زمان ورمضان اليوم الذي غابت فيه العديد من العادات التي عشناها بالأمس واستمتعنا بها على غرار انتشار رجال من مختلف الأعمار، بحيث كانوا يتخصصون في غسل الأواني النحاسية بمواد بسيطة على غرار الجير وكذا الطين والليمون لكي تظهر بأبهى حلة، وعادة ما نستعملها في السهرات الرمضانية وكانوا يعرفون إقبالا كبيرا عليهم من أجل الاستفادة من خدماتهم، إلى جانب تخصص نسوة في تحضير شربة المقطفة بأياديهن وتكون أساسا مصنوعة من العجين، وتجتهد النسوة في تحضيرها أياما قبل شهر رمضان، إلى جانب تحضير بعض الكعك وكذا الحلويات المعسلة للسهرات الرمضانية دون أن ننسى جلسات الأطفال على إيقاع الدربوكة التي كان يملأ إيقاعها الجميل كامل الأحياء في السهرات الرمضانية. ما بينته سيدة أخرى التي قالت إنها شقت كثيرا بغية شراء دربوكة لابنتها الصغيرة بعد شغفها بحضورها واستعمالها في السهرات الرمضانية والتمتع بالإيقاع الذي تصنعه الذي يمتزج عادة بغناء الأطفال وتصفيقاتهم ورقصهم فرحا بقدوم شهر رمضان المعظم، إلا أنها رأت أن العادة تلاشت نوعا ما ولم يعد الأطفال يستمتعون إلا باللعب في الشارع والقفز والركض والقيام بأعمال الشغب الذي تزعج الكل، ورأت أن العودة إلى عادات زمان هي شيء ضروري كون أن تلك العادات أفرزت أجيالا نفخر بها في الوقت الحالي بدل الأجيال الأخيرة المتعاقبة والتي لا تبشر البتة بالخير. وأجمع الكل على غياب بعض المظاهر المميزة التي كانت تسبق حلول الشهر الكريم، وتزيد حدتها مع بلوغ لياليه وسهراته التي تكون في العادة على إيقاع الشعبي واصطفاف الحلويات المعسلة كالزلابية وقلب اللوز والمحنشة والسيقار والتي تستمد حلاوتها من حلاوة أيام الشهر الفضيل وبركته وعزم الكل على ضرورة بعثها وإحيائها من جديد.