تعكف الدول التي تتميز بارتفاع تكاليف العمالة، على دراسة جدوى العودة للصناعة التي جعلها الابتكار أكثر منافسة وصداقة للبيئة. وتتميز الحقبة الجديدة باحتمال تحويل الرابحين إلى خاسرين، وتوفير طريقة لهذه الدول للوصول إلى حقول صناعية اعتقد بعضُها أنه خسر لصالح دول ناشئة مثل الصين والهند. ويُعد المصنع الواقع في مدينة شارلوت في ولاية كارولينا الشمالية في أميركا، آخر أحدث وأرقى المصانع التي تنضم إلى مملكة “سيمينز" الألمانية العملاقة. ووضع المصنع اللمسات الأخيرة لإنتاج الجيل الجديد من توربينات الغاز سعة 300 طن التي تشكل القوة الفاعلة في قطاع الكهرباء العالمي. وساعدت هذه التوربينات في خفض الوقت بنحو الثلث والتكلفة بنحو 15%، إلا أن تحسن كفاءتها ليس هو الميزة الوحيدة التي تفسر ما يدور في مدينة شارلوت. وتقدم عمليات “سيمينز" صورة مصغرة للعوامل التي تقف وراء قيام ثورة صناعية بعيدة المدى تعمل على تغيير التوازن العالمي في إنتاج السلع. ويعمل صانعو القرار في العديد من البلدان على إعادة النظر في إمكانات الصناعات المنتجة، بغية توفير الوظائف وتحقيق النمو في وقت يشكو فيه الاقتصاد العالمي من عدم اليقين. ويقول بيتر لويشر، الرئيس التنفيذي لشركة “سيمينز": “أينما ذهبت وجدت أن إعادة الثورة الصناعية على رأس أولويات المسؤولين". ويوجد عددٌ من السمات التي تميز الحقبة الجديدة التي تمًَّ فيها في وقت من الأوقات، استبعاد العاملين في حقل الصناعة كغير قادرين على المنافسة، واعتبارهم مرة أخرى كقوة دفع قوية للنمو. ومن بين هذه المميزات، أن ربط الصناعة بالشبكات جعل من السهل مزاولة الأعمال لنشاطاتها في مواقع متباعدة وجذب الخبرات التي تتوزع على مختلف فروعها. وفي مصنع كارولينا الشمالية على سبيل المثال، يرتبط العاملون بنحو350 من موردي القطع حول العالم وما يقارب 3 ألف مهندس في مواقع مختلفة من مراكز “سيمينز" المنتشرة حول العالم. ومن خلال شبكة الربط هذه، اكتسب هذا المصنع أفكاراً جديدة في الإنتاج والتصميم بعضها مستمد من المعدات الطبية وإنتاج السيارات، مما ساعده على زيادة معدل المنافسة على الرغم من وجود بعض العقبات مثل ارتفاع أجور العاملين. وساعدت التقنيات الجديدة في القضاء على التحفيزات التي تشجع على تحويل المصانع بعيداً عن البلدان التي ترتفع فيها كلفة العمالة. ويستفيد قطاع الصناعة من التطويرات التقنية، حيث استغل على سبيل المثال مصنع شارلوت مجموعة من الأفكار الجديدة تتمثل في أنواع جديدة من طلاء الأسطح والتصميم بمساعدة الكمبيوتر. ويقول عمر إشراق، الرئيس التنفيذي لشركة “ميدترونك" الأميركية لصناعة المعدات الطبية: “من المتوقع أن تثبت التقنيات المدمجة في كل شيء من الإلكترونيات إلى التقنية الحيوية، أهميتها في الحقبة الجديدة. وليس كافياً معرفة كيفية عمل هذه التقنيات، بل من الضروري إدراك الطريقة التي يتم بها دمجُها". وبينما تساعد الصناعات المربوطة بالشبكات على زيادة الخيارات الجغرافية، ترى الشركات أيضاً فائدة في تركيز مجموعة من الموردين في مناطق محدودة، للمساعدة في سريان الأفكار بحرية أكبر. وتعمل الثورة الصناعية الجديدة على إزالة العقبات الصناعية، مما يجعل المزيد من البلدان والشركات قادرة على المنافسة. لكن ربما تفقد الحقبة الجديدة عنصر المساواة، ليبقى التنوع في الفرص التي تقوم المنظمات والابتكارات بتوفيرها. ويكون المستفيد الأكبر من يستنفد طاقاته العقلية والتقنية، في وقت يحقق فيه أكبر قدر ممكن من الفائدة في استغلال الشبكات التي تربط العالم بعضه ببعض. ويقول جيف إيميلت، الرئيس التنفيذي لشركة “جنرال اليكتريك": “هناك شعور بأن العالم سيشهد نهضة صناعية تسود جميع أرجائه".