حملت عملية القضاء على التجارة الموازية التي تم الشروع فيها في بداية سبتمبر الماضي في مختلف أحياء العاصمة العديد من تجار الفواكه والخضر على فتح محلات لممارسة نشاطهم في إطار القانون. وفي المدنية وبلوزداد (بلكور سابقا) وبئر مراد رايس أو في ساحة أول ماي مثل أحياء أخرى تم فتح دكانين متخصصة في بيع الفواكه والخضر في الأيام الأخيرة لتمكين السكان من اقتناء احتياجاتهم بالقرب من منازلهم وبعيدا عن ضجيج الأسواق الموازية التي ميزت النشاط التجاري للعاصمة لسنوات عديدة. وقال بعض الباعة الفوضويين السابقين (إنه ليس خيارنا، فقد أرغمنا على الالتزام بالتشريع الساري بعد القضاء على الأسواق الموازية). ولم ينتظر هؤلاء الباعة طويلا للعودة إلى النشاط بما أنه يشكل مصدر رزقهم الأساسي. وحتى وإن كانت السلطات المحلية تعهدت بفتح أسواق جديدة يمكنهم العمل فيها فإن هؤلاء المعنيين لم يتوقفوا عن النشاط ولو لفترة انتقالية. وأوضح تاجر في ساحة أول ماي قائلا (من الأفضل استئجار محل صغير بدل البقاء دون عمل لشهور عديدة. وإذا تجسدت المشاريع المعلن عنها في آجالها المحددة فإننا سنتوجه نحو هذه الفضاءات التجارية خاصة وأننا دفعنا كراء ستة أشهر فقط). وحرصا على الحفاظ على زبائنهم فضل هؤلاء التجار فتح محلاتهم في نفس الأماكن وبالتالي لم يقوموا سوى بتحرير الأرصفة. وقال بائع خضر وفواكه في المدنية إنه (في أماكن أخرى يوجد تجار آخرون وفي هذا المكان كل الناس يعرفونني. لقد استأجرت هذا المستودع الصغير لأنني متأكد من الحفاظ على مداخيلي في نفس المستويات السابقة). أسعار الكراء تلتهب... وكانت (المطاردة) التي تعرضت لها الأسواق الموازية مصدر نعمة بالنسبة لأصحاب المحلات لرفع أسعار الكراء. حيث بلغ ارتفاع الأسعار في بعض الحالات عتبات غير معقولة. وسعر كراء المحلات الذي كان يقدر من قبل ب25.000 دج شهريا يبلغ حاليا 40.000 دج بل أكثر وانتقل سعر كراء محلات أخرى واقعة في الأحياء الكبرى من 30.000 إلى 75.000 دج أي ارتفاع بنسبة 100 بالمائة حسب شهادات وكلاء عقاريين استجوبناهم في هذا الموضوع. وأشاروا قائلين (لم يسبق أن سجلنا طلبات من هذا القبيل مثل هذه الأيام الأخيرة. هناك توافد لا سابق له من أجل استئجار المستودعات مما دفع أصحاب المحلات إلى محاولة استخراج أكبر قدر ممكن من الأرباح من هذا الطلب الكبير. وأوضح وكيل عقاري أن الذين استغلوا طويلا فوضى النشاط التجاري من خلال تشغيل الشباب البطالين لبيع بضائعهم المستوردة وجدوا أنفسهم الآن مرغمين على (دفع ثمن نشاطهم). ومن الواضح أن هؤلاء الباعة الفوضويين ليس لديهم الوسائل لمواجهة التكاليف الباهظة للكراء. بل إن (مستخدميهم المخفيين) هم من يدفعون هذه التكاليف قصد مواصلة نشاطهم حسب مسير لوكالة عقارية في حي العربي بن مهيدي (الجزائر وسط). الكراء مناصفة.. كبديل ونظرا لعدم توفرهم على الوسائل المادية لمواجهة الأسعار الباهظة التي يمليها أصحاب المحلات قام بعض التجار السابقين الفوضويين بالاستئجار- مناصفة لمواصلة نشاطهم. ويتقاسم شخصان أو ثلاثة أو أربعة أشخاص سعر كراء المحل مناصفة للعمل معا. وأكد ثلاثة شبان فتحوا محلا للفواكه والخضر في حي بلكور ليس بعيدا عن سوقي (اثني عشرة) و (العقيبة) المشهورين، حيث كانوا يعملون سابقا، أكدوا قائلين (لقد عملنا معا لسنوات عددية ولذلك قررنا استئجار هذا المستودع معا. لقد اتفقنا ولا يوجد أي مشكل بيننا). وأضافوا أن (العديد من الأشخاص قاموا بنفس الشيء في مختلف مناطق البلاد. إنه الحل لأن أسعار الكراء باهظة من جهة والتجارة هي مصدر رزقنا الوحيد). وهذه المعاينة أكدها الأمين العام لاتحاد التجار والحرفيين الجزائريين صالح صويلح. حيث قال إن (الكراء مناصفة هو الوسيلة الوحيدة لهؤلاء المواطنين الذين لم تمكنهم السنوات الطويلة التي أمضوها في التجارة الموازية من ادخار مبالغ مالية كفيلة بمواجهة التكاليف الباهظة التي فرضها مؤخرا أصحاب المحلات. ولكنه ليس إلا حلا مؤقتا في انتظار فتح الفضاءات التجارية الجديدة على مستوى جميع بلديات الوطن). ودعا صويلح السلطات العمومية إلى احترام آجال إنجاز الفضاءات التجارية الجديدة ومنح محلات للباعة الفوضويين السابقين قصد ضمان نجاح مخطط مكافحة الأسواق الموازية. واعتبر أن استكمال تهيئة المحلات وإنجاز أسواق جديدة يمكن أن تتم في فترة (قصيرة نوعيا) وبداية تشغيلهم (ستبعد البلد عن احتمال استئناف الحركات الاحتجاجية والمساس بالنظام العام). بضائع "نظيفة" ولكن أكثر غلاء.. وبعكس الفترة التي كان فيها هؤلاء التجار يبيعون منتوجاتهم بأسعار تتحدى كل منافسة فإن كراء المحلات أثر سريعا على الأسعار. حيث وجد التجار أنفسهم مرغمين على رفع الأسعار من أجل مواجهة مختلف الأعباء الجبائية والمتعلقة بالكراء. والمستهلكون يتفهمون هذا الوضع ولا يشتكون من الأسعار المطبقة حسبما أكد مجملهم. وأعرب هؤلاء عن ارتياحهم لنظافة الأحياء وكونهم يقتنون حاجياتهم في هدوء بعيدا عن الضجيج وعن أخطار الاعتداءات التي كانوا يتعرضون لها من قبل في الأسواق الموازية. وقال لنا شاب التقينا به في مخرج محل تجاري جديد (أنا أتفهم وضعية هؤلاء الشبان، ونفضل دفع ثمن مرتفع نوعا ما مقابل الهدوء وتشجيع هؤلاء الباعة الذين ما زالوا يضمنون الخدمة).