يعدّ محمد رشيد رضا، أحد رواد الإصلاح والتجديد، بذل جهوده لمقاومة الجهل والخرافات والبدع، وساهم في نشر العلم الشرعي من مصادره الصحيحة التي تعبر عن منهج الإسلام الوسطي، ويعدّ من أشهر الرحالة المسلمين الذين قاموا برحلات إلى المشرق والبلاد الأوروبية في القرن الرابع عشر الهجري، وسجل ملاحظات حاول فيها البحث عن صيغ جديدة للحياة المعاصرة، تواكب التقدم، ولا تخاصم العقل، وتحافظ على الخصوصية الإسلامية. ولد الشيخ محمد رشيد رضا في بلدة صغيرة جبلية اسمها القلمون من أعمال طرابلس الشام في سنة 1865م، ونشأ في بيت علم وصلاح، فأبوه الشيخ علي رضا كان من علماء قلمون، وعني بتربيته وتعليمه، ودفعه لطلب العلم وحفظ القرآن الكريم، وانتقل إلى طرابلس للالتحاق بالمدرسة الرشيدية، بعدها دخل المدرسة الوطنية الإسلامية، ودرس المنطق والرياضيات والفلسفة، ودرس الحديث وعلومه على يد الشيخ محمود شبانة، كما أخذ عن مشاهير علماء طرابلس، منهم الشيخ عبد الغني الرافعي، ومحمد القاوجي، ومحمد الحسيني، ولازم الشيخ حسين الجسر، وأخذ عنه علوم العربية والفقه والأصول، وأجازه سنة 1897 لتدريس العلوم الشرعية والعقلية والعربية، وسافر إلى مصر عام 1898، وأسس جريدة (المنار) لتعبِّر عن رؤيته في الإصلاح والدعوة والتجديد الديني والسياسي، ومقاومة المحتل، وصارت المجلة الإسلامية الأولى في العالم الإسلامي، والأقدر على التأليف بين الشريعة والعصر. وانكبَّ على البحث والدراسة في كتب السياسة الشرعية والأصول. كما اتصل بالشيخ الإمام محمد عبده، ونشط في الاتصال بالعلماء والأدباء والساسة، وحرص على إلقاء دروسه في أشهرها المساجد والمدارس العلمية. ورعه وزهده وتميز محمد رشيد رضا بامتلاك عقلية علمية واعية، وأثنى العلماءُ على همته وورعه وزهده وخوفه من الله، ودفاعه عن الحق، والحرص على مصلحة الأمة، وقام بحسب (الاتحاد) برحلات عديدة لنشر دعوته الإصلاحية، وزار دمشق واسطنبول والحجاز والهند وأوروبا، ودخل في مناظرات وحوارات وعقد لقاءات، وألقى الخطب في المحافل الأوروبية كافة. وكانت رحلته الأولى إلى بيروت، حيث وصلها عام 1908م عن طريق البحر، ومنها انطلق إلى طرابلس الشام، وقدّم وصفاً لمدارسها ومساجدها ودور العلم فيها، وسجل لقاءاته مع الشخصيات التي وفدت لزيارته من العلماء والوجهاء والرسميين ورجال الجامعة العثمانية والجمعية العلمية وجمعية الاتحاد والترقي، وطلاب العلوم الدينية، وبين مدى حرص أهل طرابلس على الدين وقيمه، بعدها انتقل إلى قلمون وذكر البدع التي شاهدها، ثم عاد إلى بيروت، ليتوجه منها بالقطار إلى دمشق التي التقاه فيها كبراؤها كالشيخ جمال الدين القاسمي والشيخ عبد الرزاق البيطار، ومنها توجه إلى بعلبك فحمص وطرابلس التي أسس فيها جمعية خيرية إسلامية للنهوض بالبلد ونشر الثقافة والتعليم فيها. وعاد من طرابلس إلى القاهرة بطريق البحر. رحلته إلى القسطنطينية وفي عام 1328ه، قام برحلته الثانية إلى القسطنطينية، وكان هدفه إنشاء معهد ديني علمي في العاصمة للتربية الإسلامية الصحيحة الكاملة، والجمع بين التعليم الإسلامي بمواده الشرعية والتعليم الحديث بفروعه الرياضية والطبيعية والصحية والاقتصادية، وذكر جهوده التي بذلها لإزالة سوء التفاهم بين العرب والأتراك. وقدَّم وصفاً لإسطنبول ومساجدها ومساكنها، وامتدح عفة ونظافة نسائها، ووصف الجسر الذي يربط بين قسمي المدينة الذي يصل آسيا بأوروبا، كما وصف أزياء رجالها بأنها تشبه أزياء رجال سوريا: الطربوش والعمامة البيضاء والعمامة المطرزة والخضراء والمناديل الملونة. وفي عام 1330ه، زار محمد رشيد رضا الهند، وقام بجولة زار فيها القارة كلها من بومباي إلى ديلهي إلى سهارنبور إلى لاهور وغيرها، ودوّن مشاهداته والأماكن والمدارس الدينية التي زارها أمثال مظاهر العلوم في سهانبور وندوة العلماء في لكهنو وجامعة عليكرة ومدرسة ديوبند الدينية، وغيرها. وفي طريق عودته زار مسقط، وذكر الحفاوة التي لقيها من سلطانها، ثم غادرها إلى الكويت، حيث استقبله أميرها الشيخ مبارك الكبير وأحسن وفادته. وفي عام 1327 ه، سافر إلى الحجاز ودوّن لقاءه مع شريف مكة الأمير الحسين بن علي، ووصف رحلته وأحوال أهل الحجاز في تلك الفترة خير وصف، من ركوب الدواب، وضرورة الاستعداد بحمل الماء في قطع المسافات، وكيفية حراسة الطريق بواسطة هجانة الشريف، بعدها عاد إلى القاهرة، غير أنه في عام 1337ه، قرر القيام برحلة إلى سوريا وبدأها بركوب القطار من القاهرة إلى القنطرة ثم ركب قطار السويس إلى حيفا في فلسطين ثم إلى طبرية فعمان فدمشق. وقد وصف خط القطار وصفاً مفصلاً. ومن دمشق بعد لقاءات عدة مع كبرائها انتقل إلى طرابلس التي سجل حالة أهلها الاجتماعية والمعيشية بدقة إلى القلمون فبيروت، وفيها سجل فيما سجل أن نساءها كن أشد محافظة على التقاليد القومية من أمثالهن في جميع المدن السورية، فلم تؤثر فيهن عوامل التفرنج. رحلاته إلى أوروبا كما رصد الحياة السياسية والاحتلال الفرنسي وقابل المندوب الفرنسي جورج بيكو، وبحث معه ما ينكره المسلمون من السلطة الفرنسية، وما تنوي فرنسا عمله في المنطقة. ومن بيروت رحل إلى طرابلس، حيث اعتقل في الطريق لفترة وجيزة ثم أطلق سراحه، ثم انتقل إلى دمشق إجابة لطلب الأمير فيصل. كما قابل في دمشق سكرتير قائد القوات الفرنسية، وعرض عليه تولي المصالح الشرعية في دمشق، وتشمل الأوقاف والمحاكم والتعليم الديني والمفتين، ولكنه اعتذر. وكانت أهم رحلاته إلى أوروبا في عام 1922، بمناسبة انعقاد اجتماع عصبة الأمم، حيث مثل المؤتمر السوري العام للدفاع عن حق سوريا في الاستقلال، وانتقل من مصر إلى حدود إيطاليا بالباخرة ثم بالقطار إلى البندقية فميلانو ثم توجه القطار إلى سويسرا ثم إلى جنيف، حيث زار مع رفاقه في الوفد مسيو رابار رئيس لجنة الوصايات، وبيَّن له قدرة الشعب على حكم نفسه بنفسه، وطالب بالاستقلال التام لسوريا. كما التقى مع وفد فلسطين الذي جاء للهدف نفسه، فعقد معه مؤتمراً موحداً يناشد فيه عصبة الأمم للاعتراف باستقلال سوريا ولبنان وفلسطين. ووصف جمال أوروبا شعراً ونثراً. * يعدّ محمد رشيد رضا، أحد رواد الإصلاح والتجديد، بذل جهوده لمقاومة الجهل والخرافات والبدع، وساهم في نشر العلم الشرعي من مصادره الصحيحة التي تعبر عن منهج الإسلام الوسطي، ويعدّ من أشهر الرحالة المسلمين الذين قاموا برحلات إلى المشرق والبلاد الأوروبية في القرن الرابع عشر الهجري، وسجل ملاحظات حاول فيها البحث عن صيغ جديدة للحياة المعاصرة، تواكب التقدم، ولا تخاصم العقل، وتحافظ على الخصوصية الإسلامية.